لعنة الفترة الرئاسية الثانية تصيب روحاني
هناك أسطورة أميركية تقول إن الرؤساء يعانون من ما يسمى بلعنة فترة الرئاسة الثانية. وتقول أيضا إنهم يصبحون أقل نجاحا في فترة الرئاسة الثانية من الفترة الأولى. لكن في إيران، هذه ليست أسطورة بل حقيقة. وهو أمر مؤسف خاصة بالنسبة إلى الرئيس حسن روحاني، بسبب تزايد الصعوبات التي يواجهها تزامنا مع صراع النفوذ المشتعل لخلافة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
انتهت فترة رئاسة خامنئي الثانية بشكل سيء في عام 1989 عندما حاول نزع فتيل الأزمة الدبلوماسية بين إيران والاتحاد الأوروبي من خلال قبول اعتذار الروائي البريطاني سلمان رشدي عن روايته المثيرة للجدل “آيات الشيطانية”.
ردا على هذا العفو، أصدر روح الله الخميني بيانا مكتوبا سبب إحراجا للرئيس خامنئي، حيث جاء فيه “حتى لو تاب رشدي وأصبح أكبر زاهد في العالم كله، فإن جميع المسلمين ملزمون بإرساله إلى الجحيم بكل الوسائل المتاحة”.
أما الرئيس الإيراني السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، فقد حاد عن الطريق خلال فترة ولايته الثانية (1993 – 1997)، حين اعترض خامنئي، الذي عزز منصبه حينها كمرشد أعلى، فعليا على محاولة حكومة رفسنجاني لتحرير الاقتصاد. كما فشلت محاولات الرئيس السابق محمد خاتمي لتحرير النظام السياسي الإيراني في فترتي رئاسته الأولى والثانية (1997 – 2005)، مما جعل فترة رئاسته بأكملها تبدو مشؤومة.
ولم يحقق الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد شيئا أفضل من ذلك، حين وُضع تحت نظر خامنئي في فترة ولايته الثانية كرئيس (2009 – 2013) بعد أن لاحظ المرشد الأعلى أن الرئيس الطموح بدأ يتجاوز البعض من الأقسام الأخرى من النظام، بما في ذلك المرشد الأعلى.
ويبدو أن حسن روحاني لا يختلف كثيرا عن أسلافه. ففي شهر مايو الماضي، انتخب روحاني لفترة رئاسة ثانية وفاز في الانتخابات بنسبة 57.14 بالمئة من أصوات الناخبين. وشكّل فوزه ضربة قوية لمنافسه إبراهيم رئيسي، المرشح المفضّل لدى خامنئي، والخليفة المحتمل له.
وبالطبع خامنئي هو وراء كل الصعوبات التي تواجه روحاني في حكمه. وتتخذ العلاقات بين تيار روحاني وخامنئي وتيار الحرس الثوري مسارا خطيرا. ففي الثامن من شهر يونيو الماضي، أي بعد مُضيّ أقل من شهر على الانتخابات الرئاسية، أعلن خامنئي الحرب على روحاني.
وقال المرشد الأعلى في خطاب موجّه بالأساس للشباب “كلما شعرتم بأن الأمور لا تسير بشكل صحيح، وإذا تحسستم خطأ ما في النظام المركزي، فلكم مطلق الحرية بأن تثوروا حينها. ففي ظل هذه الظروف، أنتم أحرار في أن تقرروا وتفكروا، وتتخذوا موقفا”.
ووصلت انتقادات خامنئي لروحاني ذروتها في 12 يونيو، عندما اتهمه “بتفرقة المجتمع”. وحذّر من تكرار نفس التجارب الفاشلة للرؤساء منذ عام 1980، مذكّرا بالأزمة السياسية التي تفاقمت في عهد الرئيس السابق أبوالحسن بني صدر، والتي انتهت بنفيه إلى فرنسا.
تجاهل روحاني انتقادات خامنئي، ووجّه خطابا لرجال الأعمال انتقد فيه ما وصفه بالتطفل الذي تمارسه قوات الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني. وقال “الغرض هو تسليم الاقتصاد للشعب، وإعفاء الحكومة من مسؤوليته. ولكن ماذا حدث؟ انتقل الاقتصاد من يد قطاع الحكومة غير المسلح إلى القطاع المسلح. وهذا لا يسمى خصخصة!”.
وتحدث روحاني عن مخاوف القطاع الخاص من هذا القطاع من الحكومة، الذي ليس مسلحا فحسب، بل يمارس نفوذه أيضا على وسائل الإعلام ولا أحد يجرؤ على التنافس معهم.
وبعد أقل من 24 ساعة من خطاب روحاني، ثأرت قوات الحرس الثوري الإيراني. ففي يوم القدس العالمي في طهران في 23 يونيو، واجه روحاني مظاهرات حاشدة للجمهور الغاضب الذي يهتف “الموت للمنافقين”، في إشارة منهم لحركة “مجاهدي خلق” الإيرانية وكذلك هتفوا بـ”الموت لأميركا”.
وحاول روحانى تهدئة الوضع من خلال استضافة محمد على جعفري وقاسم سليماني وقادة آخرين في الحرس الثوري، في 24 يوليو، وعرض عليهم البعض من الامتيازات الاقتصادية مقابل تحقيق الاستقرار السياسي. ولكن على ما يبدو لم تكن تنازلات روحاني مرضية لقادة الحرس الثوري، الذين يرون، كما خامنئي، أن روحاني سقط فريسة للعنة فترة رئاسته الثانية.
ﺑﺎﺣﺚ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ رﻓﻴﻖ الحريري ﻟﺸﺆون اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ