مقترح بصري لنهاية العالم
يلعب الأدب، بالدرجة الأساس، ومن بعده السينما، دوراً رائداً ومتقدماً في قراءة المستقبل والحقائق التي تحيط بكوكبنا، سواء كانت سعيدة أو محبطة ومخيفة.
وبالنظر إلى تنامي حركة الأعاصير والفيضانات المدمرة في الولايات المتحدة والعالم، وتحولها في السنوات الأخيرة إلى هاجس مرعب يقضّ مضجع الملايين من البشر، فلا بأس من العودة بين حين وآخر إلى ما أنتجه الأدب والسينما على صعيد التنبؤات بالمخاطر الجدّيّة التي تحيق بكوكبنا، والتي طالما تجاهلها السياسيون وصنّاع القرار.
لقد أنتج الكثير من الأفلام الوثائقية المهمّة على هذا الصعيد، وأثارت زوبعة إعلامية كبيرة وردود أفعال واسعة وقت عرضها على الجمهور، قبل أن تركن جانباً وتهدأ فورة القلق التي سبّبتها. ولعلّ من أبرزها فيلم “الساعة الحادية عشرة” لليوناردو دي كابريو، الذي أُنتج قبل سنوات وأخرجه كل من ليلى وناديا كونرز بيترسون، ويتحدث عن فيضانات تجتاح الكرة الأرضية والغابات وهي تحترق والسدود وهي تتحطّم، والنفايات تملأ المساحات الخضراء والأعاصير تكتسح البيوت وأعمدة نقل الطاقة، وكل شيء يحلّق في الفضاء، ثم فجأة يُظهر الفيلم لقطة لديك تشيني يضحك بملء شدقيه، وأخرى لكوندليزا رايز وهي تتبضّع، ويهدأ كل شيء في الحقيقة، القرى وقد غُمرت بالمياه تبدو هادئة وادعة مستسلمة لقدرها، الأشجار المحترقة تقف منتصبة مكسورة أمام الريح المهادنة، والدب القطبي يلهو وسط الأزبال التي بعثرتها الريح ونفشت أكياسها.
لقطات ليست بريئة على الإطلاق، تقدم تلك الحقيقة المخيفة بسرعة خاطفة لا يكاد خيالنا ملاحقتها، وتتركنا أمام سؤال ينبثق من خلال سحب الدخان الأسود والهباب الذي جعله دي كابريو يغطي كوكبنا، مثلما فعلوا في بوستر الفيلم، سؤال واحد وبسيط للغاية لا بد أن نطرحه ونحن نشاهد الجزء الأول من الفيلم وهو: هل استسلم كوكبنا لمصيره؟
سكان أكثر، غابات أقل، ثاني أوكسيد الكاربون أكثر، أكسجين أقل، ماء أكثر ثلج أقل، هذه هي الحقائق التي يحاول فيلم الممثل الشهير ليوناردو دي كابريو “الساعة الحادية عشرة” طرحها، ربما لن تفاجئ أحداً في الحقيقة، لجهة انتشار المعلومات المتعلقة بظاهرة الانحباس الحراري وتردّي الظروف المناخية المحيطة بالأرض.
لكن ما يسجّل لصالح الفيلم، هو جرأة الإقدام لمعالجة مثل هذه الموضوعة الكبيرة بميزانية متواضعة ومخرجتين شبه هاويتين، ذلك لأن أوّل ما يتبادر إلى ذهن المشاهد هو المقارنة غير العادلة مع فيلم آل غور الكبير “حقيقة غير مناسبة” ذي الميزانية الهائلة والإمكانات الكبيرة التي خصّصت له إضافة إلى شخصية آل غور ونفوذه القويّ الذي كان يتمتع به.
|
ما الذي تبقى لفيلم “الساعة الحادية عشرة” إذن؟ الكثير في الحقيقة، ذلك أن الفيلم يعلن عن وجود منظمة ليوناردو دي كابريو الواعدة المتخصصة بالحفاظ على البيئة والممولة بالكامل من مال الرجل الخاص، كما أن الفيلم يعلن تقنياً ولادة مخرجتين واعدتين في عالم الأفلام الوثائقية، هما ليلى كونرز بيترسن، وناديا كونرز بيترسن، كما أن فيلم “الساعة الحادية عشرة” تفرّد بطرح بعض الحلول في نصف الساعة الأخيرة التي شهدت صعوداً في مستوى السيناريو، بعد أن بدا مملاً في الساعة الأولى، وهي ظاهرة افتقر إليها فيلم “حقيقة غير مناسبة” الذي اكتفى بتقديم الحقيقة المرعبة كما هي، بل إنه بالغ أحياناً في تقديمها حتى أن المشاهد يصطدم في النهاية “غير المناسبة” أيضاً، حين يتلبسه سؤال ملح مفاده: ما هو الحل؟
الأمر في فيلم دي كابريو اختلف قليلاً لجهة تقديمه بعض الحلول المقترحة وكيفية تمويلها مثل التركيز على الطاقة الهوائية لتوليد الكهرباء وبناء المدن الخضراء وتشجيع المنتجات الصديقة للبيئة وإن كان كل ذلك ليس جديداً أيضاً.
وإذا كان لا بد من مقارنة بين الفيلمين فإن فيلم “الساعة الحادية عشرة” أسرع إيقاعاً، أو بعبارة أخرى أقلّ ترهّلاً من فيلم “حقيقة غير مناسبة” كما أنه أكثر تحريضاً على التحرك المبكر قبل فوات الأوان، بعد أن اعتمدت مخرجتاه اللقطات السريعة والصادمة والكثير من الشخصيات المعروفة أو العامة التي وظفت في سياق الفيلم لتحقيق غايات مستهدفة.
لقد سبق للمخرجتين ليلى وناديا كونرز بيترسن، اللتين تعملان لصالح مجموعة تري ميديا، أن صنعتا فيلمين قصيرين هما “تحذير عالمي” في العام 2001، و”كوكب المياه” في العام 2004، قبل أن تصنعا فيلمها الجديد بمساعدة ودعم منظمة ليناردو دي كابريو وبتمويل كامل منها، ليقول الفيلم للجميع، إنها ساعة واحدة فقط قبل الثانية عشرة، إننا لا نملك أكثر من ساعة واحدة أيها السادة، قبل أن ينتهي كل شيء، إنها المهمة الملقاة على عاتق جيلنا لتغيير العالم، مرة واحدة وإلى الأبد.
وعودة للمقارنة بين الفيلمين، فإنهما وإن اختلفا في التناول والمعالجة إلا أنهما يلتقيان في الهدف، وهو تنبيه العالم، والحكومات تحديداً، إلى الخطر المحدق بكوكبنا، وهو توظيف ممتاز لقدرة السينما في التأثير والتحريض ونشر الوعي لدى الجمهور ودفعه للتحرك ضد الحكومات والانتصار للكوكب، ودعونا نأمل في عرضهما في المدارس وإدخالهما في مناهج التعليم المختلفة، ورفدهما بأفلام أخرى تكشف المزيد من الحقائق المرعبة وتدقّ ناقوس الخطر، ذلك لأن المسؤولين عن صنع القرار في العالم يلزمهم أكثر من فيلمين وحقيقة غير مناسبة واحدة.
كاتب من العراق