حكومة الشاهد استحقاق وطني يعيد خلط الأوراق

الاثنين 2017/09/11

انتظر التونسيون الإعلان عن التعديل الوزاري الذي تمّ الأربعاء 13 سبتمبر 2017، لأنه بالنسبة للأغلبية الساحقة من الشعب التونسي لا بد أن يمثل منعرجا حاسما في مشروع حكومة يوسف الشاهد التي لم تستطع -وفق منظور هذه الأغلبية أيضا- أن تفي بوعودها، الاقتصادية بالأساس، رغم ما بذلته من جهود.

لم يعد الشارع التونسي يهتم كثيرا للألوان السياسية التي فرضت- وللأسف الشديد- محاصصة مقيتة وهي بالتأكيد ما جعل عمل الحكومة مترنّحا لا يقوى على الثبات في وجه التحديات المفروضة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.

الحدث لا يكتسي أهميته في ذاته، أو من خلال الأحد عشر وزيرا وكاتب دولة المعينين الجدد، أو من خلال انتماءاتهم الحزبية وعلاقاتهم بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ولكنّ الأهمية الفعلية تكمن في ما سينجرّ عمليّا عن هذا التعديل، هل سيفي بانتظارات الأغلبية الساحقة للشعب التونسي؟

هل سينهي تخبط حكومة الشاهد وترددها؟ وأطلقت تسمية “حكومة حرب” على التشكيلة الجديدة للشاهد وحسب اعتقادنا هي تسمية لا تحمل دلالتها، بل لا معنى لها لأن شعار الحرب رُفع مع كل الحكومات المتعاقبة بعد ثورة يناير 2011، ومع كل التعديلات التي شهدتها هذه الحكومات، فالكلّ رفع “الأولوية مطلقة لمحاربة الإرهاب”، بل وقعت التغطية على الفشل أحيانا بهذا الشعار. والتغيير الذي طال وزارتي الداخلية والدفاع سياسي بامتياز من طرف الشاهد ومن رائه حركة نداء تونس.

علاقة الشيخين، الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، هي المحرار الحقيقي للفعل السياسي في تونس.

لا شيء يمرّ دون هذه العلاقة في سرّها وعلانيتها. فالنهضة نادت بتعديل جزئي لسد الشغور حفاظا على تموقعها في السلطة ولدرء كل المؤاخذات التي قد تطال البعض من قيادييها عند مغادرتهم للسلطة. أما التعديل فقد شمل عدّة وزارات بما فيها وزارتان سياديتان وهما وزارة الداخلية ووزارة الدفاع الوطني.

من هذا المنطلق فقد حرص الرئيس قائد السبسي ومن ورائه حركة نداء تونس، شريك النهضة في الائتلاف الحاكم، على إعادة خلط الأوراق وإعادة المبادرة للندائيين بعد أن كادوا يفقدونها لصالح النهضة، ولكن هذا الأمر على قدر ما فيه من إعادة تموقع لخلق توازن جديد في هرم السلطة، على قدر ما ينبئ بعلاقة جديدة أيضا بين قائد السبسي والغنوشي وبين الحركتين، النهضة والنداء.

ربّما نشهد لاحقا صراعا جديدا خفت -ولو ظاهريا- حين استغرب الشارع السياسي التونسي اللقاء بين الإسلاميين والعلمانيين ليقودوا بوصلة السياسة في تونس. كلا الفريقين يتصرفان ببراغماتية سياسية، وكلاهما يتقنانها فعلا. فلا نتصوّر أن المواقف من هذا التعديل الوزاري تخرج عن نطاق حسابات الأصوات الانتخابية في المحطات القادمة.

ما خفي أن النهضة متّهمة بـ”تلغيم” الإدارة بأعوانها منذ حكم حكومة الترويكا وهو ما يساعدها على توسيع دائرة منتخبيها ليشملوا المتعاطفين وغير العقائديين، وهو “سطو” مشروع، من الناحية السياسية وفي ظلّ المناخ الديمقراطي، على ناخبي الأحزاب الأخرى ولعل أبرزها حركة النداء والعلمانيين عموما، وهو ما يفسر أيضا ارتداء النهضة لجبّة العلمانية، وربطة عنق الغنوشي خير شاهد على ذلك.

أما الفريق الندائي فقد أحس بأن دفّة التسيير والتحكم في أمزجة الناخبين يتطلبان رجة جديدة تبعد شبح هيمنة النهضة، التي مثل الصراع معها في الماضي الأداة الأمثل لافتكاك الأغلبية البرلمانية والقصر الرئاسي.

حركة نداء تونس التزمت بالائتلاف مع النهضة ولا تستطيع -في هذا التوقيت بالذات- أن تتنصل من التزامها ولكنها في نفس الوقت تريد استعادة التحكم في المسار السياسي من جديد وبشروطها المعلنة والخفية.

أما يوسف الشاهد فقد مثّل في هذا التعديل الوزاري الجديد الأداة لإعادة توزيع الأوراق والأدوار على رأس السلطة في تونس. أما الصراع فهو حتمي، ولكن أي نوع من الصراع الذي سنشهده لاحقا؟

وهل سيكون موسميا وينحصر في المناكفات من أجل التموقع الانتخابي، أم سيتّخذ بعده الأيديولوجي المعهود بين الإسلام السياسي والعلمانية؟

المشكلات المطروحة أمام الحكومة الجديدة المعدّلة معلومة وعلى رأسها النهوض بالقطاعين الاقتصادي والاجتماعي، وهما من الملفات التي لم تهتد فيها الحكومات السابقة إلى نجاحات تذكر باستثناء التخفيف من الاحتجاجات.

لا نرى برامج واضحة -على الأقل في الوقت الراهن- قادرة على جعل القاطرة تسير بثبات، ولا بد للوزراء الجدد أن يبلوروا مشاريعهم الإصلاحية في إطار الاستمرارية الفاعلة ودون القطع العشوائي مع السابق بتعلة فشله.

كاتب من تونس

4