خوف صحي وقلق واثق
لا شك أن الكثير مما نفعله أو ما ننوي فعله وما نقدم عليه من تغييرات في حياتنا إنما يضمر خوفا من نوع ما.. مهما كان الأمر مفرحا ومهما طال انتظارنا إليه.. فمشاريع حياتية مثل الارتباط أو الإنجاب أو الحصول على وظيفة جديدة أو البدء بمشروع جديد.. أو الانتقال للعيش في مكان أو بيت جديد.. بالإضافة إلى المشاريع الإبداعية والتطويرية والدراسية.. إلى آخره.. إنما تضمر غالبا شيئا من الخوف والقلق..
تقول الكاتبة مديسون تيلور “كل الأشياء المهمة وذات القيمة التي نعملها في حياتنا لا بد أن يصاحبها شيء من الخوف”.. وهنا لا بد من القول أيضا إنه خوف صحي وقلق مفيد ودونهما لا يمكن لنا أن نمضي في حياتنا.. فقليل من القلق والخوف يجعلاننا نستعد لكل ما يمكن أن يأتي به التغيير من مفاجآت سارة أو غير سارة.. وسيكون بإمكاننا أن نواجه الصعوبات والمعوقات التي قد لا نكون مستعدين لها فيما لو لم يكن للخوف في قلوبنا من مكان.. ويشكل الخوف بحد ذاته مؤشرا مهما للتذكير بأننا نقف على الحد الفاصل بين ما اعتدناه في الماضي وبين ما نحن بصدد الاعتياد عليه.. فهو أشبه بجرس المنبه الذي ينذرنا بقدوم ما هو جديد.. وهو الذي يجعلنا نطرح تساؤلاتنا الصغيرة والكبيرة التي تضعنا بمواجهة الرغبة الحقيقية في التغيير.. ويجعلنا نؤمن بأهمية أن نسمح للألم أن يأخذ دورته معنا حتى آخره فلا نعلق في المنطقة الواقعة في الماضي.. ولكي نطلق سراح الألم لا بد لنا أن نحياه.. فيطلق سراحنا منه..
وقد خلص العلماء إلى أن مهمة العقل الباطن هي الحفاظ علينا كما نحن.. فهو الأضعف صوب التغيير منا جميعا.. ومنه تأتي التحذيرات وإشارات التنبيه والقلق وحتى الترهيب.. أي أن الخوف بكل أشكاله إنما مصدره الأول هو نحن أو عقلنا الباطن.. وإذ يجعلنا الخوف نفقد اتزاننا ويملؤنا بالشك والارتباك وعدم الأمان.. إلا أنه ليس بالضرورة سببا يثنينا عما ننوي فعله ولا يقصد به تثبيط العزيمة والإثناء عن الفعل..
إذ أننا ما إن نواجه خوفنا ونتصالح معه فإننا نتجاوز العقبة الأولى والأهم في الخروج عن دائرة الحيز النفسي الكسول المريح الذي يضعنا فيه العقل الباطن.. ومن هنا نكون أكثر استعدادا لمواجهة باقي المعوقات التي تقف بانتظار مسيرتنا التجددية.. وفي مقال لذيذ عنوانه “حكمة الخوف” تحدثنا الكاتبة مديسون تيلور عن هذا الأمر قائلة “كلما تعلمنا احترام خوفنا وتقبله كلما نمت لدينا القدرة على الاستماع لحكمته.. تلك الحكمة التي ستنبؤنا ما إذا كان أوان التغيير قد حان أو أنه لم يحن بعد.. وعلى الرغم من أن الإحساس بالأمان والخوف ضدان متباينان إلا أنه يمكننا أن نعلم أنفسنا على الترحيب بقدوم الخوف واستقباله والتشرف به والاستماع له واحترامه وتقديره على أنه جزء لا يتجزأ من فكرة التغيير”..
وأخيرا قال نيلسون مانديلا “تعلمت أن الشجاعة ليست غياب الخوف.. وإنما القدرة على التغلب عليه”.. وإذن فإنه لا بد من شيء من الخوف كي نقبل على الحياة.. ولكن وبحسب المثل الإنكليزي فإنه من الأفضل مجابهة الخطر مرة واحدة بدلا من البقاء في خوف دائم..
شاعرة عراقية