كرنفال

الأربعاء 2017/08/30

كانت فرحتي لا تشبه أي فرح في ذلك اليوم الخاص من كل عام وأعني يوم الرياضة “سبورتس دَي”.. حين كنت طفلة في المرحلة الابتدائية.. في مدارس المنصور التأسيسية. كنت أنتظره بصبر نافد طوال العام.. أتدرب على فعالياته مع زميلاتي وزملائي الذين هم مثلي غالبا متلهفون إليه.. وما ان يحل حتى يكون كرنفال فرحنا وبهجتنا قد اكتمل..

ربما كان ذلك اليوم.. ومازال.. هو السمة الخاصة الرائعة التي ميزت مدرستنا عن باقي المدارس في تلكم السنوات.. كانت “مدارس المنصور الأهلية التأسيسية” من المؤسسات الخاصة في بغداد\العراق.. التي ربما لم تتأثر كثيرا بعد تأميمها وتحويلها إلى مدرسة حكومية إلا بعد حين.. وهي من المدارس العريقة التي افتتحت في منتصف الخمسينات في منطقة السعدون لتنتقل لاحقا إلى موقعها الحالي في المنصور..

كانت مديرة الابتدائية المرحومة الست صوفي مبارك (وهي لبنانية الأصل) حريصة جدا على سمعة مدرستها وتلاميذها وعلى إبقاء المستوى العلمي المرموق لها برغم كل الظروف والمتغيرات.. ويتذكر معظم الطلبة والتدريسيين كيف أنها (وأعني مس مبارك) كانت تقف على باب المدرسة في أول الصباح قبل الجميع وفي نهاية يوم الدراسة في الظهيرة وهي تتفقدنا واحدا وحدا وتسلم علينا بالاسم.. وكيف أنها حتى وفاتها بقيت تعرفنا فردا فردا وتسأل عن أهلنا وأخواننا.. فلا تنسى منا أحدا أي أحد..

وعودٌ على الـ”سبورتس دَي”.. كان ذلك الكرنفال من المسابقات والألعاب الرياضية والجمناستك وألعاب الساحة والميدان الذي يحضره الأهل والأقارب والمسؤولون في الدولة مناسبة تجعلنا في قمة المرح والسعادة.. وكان كفيلا بأن يملأ ذاكرة طفولتنا بأجمل الرؤى مهما حدث لنا فيه من فوز أو خسارة.. ومهما كانت نتائج أدائنا أو ركضنا أو قفزنا العالي أو العريض!.. فقد كانت للكرنفال هيبته وللرياضة هيبتها وللزمن هيبة من نوع خاص.. وأنا شخصيا لا أستطيع ما حييت أن أنسى الكثير الكثير من تفاصيل ذلك اليوم المميز من كل عام وقد حفر بهجته في صميم طفولتي.. لكأنني مازلت حتى هذه اللحظة أسمع صوت فرقة موسيقى القِرَب وهم يعزفون السلام الجمهوري.. يتبعه صوت مس مبارك وهي تتلو علينا القسم الرياضي ونحن نردد بعدها بصوت واحد “أقسم بالله العظيم.. أن أشترك في المسابقات الرياضية.. بتنافس شريف وروح رياضية عالية.. وأن أكون مخلصا لفريقي ومدرستي وبلدي.. مراعيا جلال الرياضة”.. وتبتدئ الفعاليات..

تعود بي الذاكرة إلى تلك الأيام ما أن يمر أمامي اليوم كرنفال من بهجة وألوان وأنا أعيش غربتي المختارة في العاصمة البريطانية.. وإذ أنظر للمشاركين وهم يسيرون ويتراقصون في الشوارع بملابسهم الملوّنة الزاهية وأصوات الموسيقى العالية والهتافات الجميلة أتساءل: متى سوف تكون في بلدي كرنفالات لغير الحرب أو الحزن والعويل؟.. متى تصبح المسيرات ابتهاجا وغبطة وألوانا بدل أن تكون سوداء مضرجة بالدم ورائحة الموت؟.. أتذكر في طفولة غابرة جدا أنه كان ثمة احتفالات للربيع.. في مدينة الموصل أم الربيعين.. وكانت مواكب العربات الكبيرة ملأى بالورود الملونة.. وكان أطفال المدارس يحملون الباقات ويرتدون أزهى وأجمل الثياب.. فمتى يعود ذلك الإحساس بالاستقرار والأمان؟.. ومتى يكف عنا شبح الخوف ومشاهد الدمار والدم؟.. أما آن الأوان يا بلادي أن نهنأ وأن يبتهج أطفالنا وتتلون أيامهم؟

صباحكم ورود وكرنفالات بهجة..

شاعرة عراقية

21