محميات طبيعية ملاذ المصريين للنهوض بالسياحة

تسعى الحكومة المصرية إلى التركيز على زيادة الاهتمام بالسياحة البيئية، وتُعد المقاصد الطبيعية كنزا لم يتم استخدامه بالشكل الأمثل لإنعاش السياحة الراكدة منذ سنوات، وشرعت الحكومة بالفعل أخيرا في الإعلان عن مجموعة من المشروعات الاقتصادية التي تستهدف ترويج وتنمية تلك المناطق عبر شراكات متعددة.
الأحد 2017/08/27
اعرف بلدك

القاهرة – أطلقت وزارتا البيئة والسياحة المصريتان مؤخرا مشروعا قوميا لتطوير30 محمية طبيعية تغطّي 15 بالمئة من مساحة مصر الكلية، وذلك بمشاركة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومرفق البيئة العالمي وبدعم مادي مباشر من قبل الجانب الإيطالي.

وتتميز المحميات الطبيعية المصرية بنظام بيئي تنفرد به، فكل محمية لها طابعها الخاص الذي يميزها عن الأخرى، فمنها ما هو بحري وما هو جيري وثالث صخريّ، ومنها ما تفضّل زيارته في فصل الشتاء مثل محمية وادي الحيتان بجنوب القاهرة، ومحميات أخرى تمكن زيارتها طوال العام مثل محميات البحر الأحمر وسيناء.

وترتكز السياحة البيئية في مصر بشكل أساسي على المحميات الطبيعية المائية والتي تحوي أسماكا وشعبا مرجانية نادرة يصل عمرها إلى 20 مليون سنة، وتحظى شبه جزيرة سيناء بالنسبة الأكثر من تلك الأماكن والتي تمثل 40 بالمئة من مساحتها الكلية، وهي نموذج عالمي للبيئة يوجد به عدد كبير من الطيور والنباتات النادرة والحيوانات المهددة بالانقراض.

وتعد “محمية رأس محمد” بجنوب سيناء التي تبلغ مساحتها نحو 480 كيلومترا مربعا، من أبرز المحميات الطبيعية في مصر إذ تمتاز بشهرتها العالمية كأجمل منطقة للغطس وباعتبارها تحتوي على الأسماك الملونة والسلاحف البحرية والأحياء المائية الأخرى، كما توجد بها حفريات تتراوح أعمارها بين 75 ألف سنة و20 مليون سنة إضافة إلى أنها تمتاز بشهرتها العالمية.

كما أن هناك “محمية طابا” على الحدود المصرية الفلسطينية والتي تضم ما يقرب من 25 نوعا من الثدييات إضافة إلى 50 نوعا من الطيور المقيمة، بالإضافة إلى 24 نوعا من الزواحف بجانب 480 نوعا من النباتات المهددة بالانقراض، وبها أيضا مواقع أثرية يرجع تاريخها إلى 5 آلاف سنة.

في محافظة أسوان جنوبا هناك محمية “سالوجا وغزال” التي تتكون من جزيرتين رئيسيتين بينهما عدد من الجزر الصغيرة، وتبلغ مساحتها ما يقرب من 500 متر مربع ولذلك تعتبر من أصغر المحميات الطبيعية في مصر، وأهم ما يميزها أنها تحتوي على 140 نوعًا من النباتات من أهمها نبات السنط الذي يتواجد بخمسة أنواع في المحمية.

مؤسسة "شباب بتحب مصر" تنجز العديد من الحملات الإعلانية وألف فيلم قصير لجذب السياح إلى المحميات الطبيعية

حفريات وحيتان ورمال بيضاء

بالاتجاه غربا فإن محافظة الوادي الجديد تحتوى على نوع متفرد من المحميات الطبيعية تمثل كنزا اقتصاديا وسياحيا، وهو “محمية الصحراء البيضاء” التي تُعد أحد أهم أماكن الاستشفاء في العالم، إلى جانب وجود مجموعة من المقابر والكهوف النادرة والحفريات التي يرجع تكوينها إلى عصور ما قبل التاريخ.

وتصنّف محمية “وادي الحيتان” بمحافظة الفيوم (جنوب غرب القاهرة) كأول متحف طبيعي من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، وتضم مجموعة من الحفريات لأسماك وبعض الهياكل العظمية لمجموعة من الحيتان الضخمة، ويرجع العلماء نشأة هذه المحمية إلى بعض العوامل الطبيعية التي وقعت منذ 40 مليون عام في أحد البحار ما أدى إلى جفافه ونفوق الكثير من الحيتان والأسماك والأصداف.

من حيث التنوع البيئي فإن “محمية جبل علبة” الواقعة على الحدود بين مصر والسودان والتي تمتد في الجزء الجنوبي للصحراء الشرقية تعد الأكثر تنوعا، ففي الجزء الساحلي توجد أشجار “المنجروف” المميزة لبعض المناطق الاستوائية، وفي الجانب الصحراوي يوجد جبل علبة المحاط بمجموعة كبيرة من التلال التي تكسوها الحشائش، بينما تنمو في السهل الأخضر أشجار “الأكاشيا” المهددة بالانقراض.

واهتمت الحكومة المصرية مؤخرا بتطوير “محمية وادي الجِمال” التي تقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر، ما جعل مدينة مرسى علم الواقعة بها مقصدا سياحيا داخليا هاما بالنسبة إلى المصريين الذين بدأوا في الإقبال عليها، وهي إحدى المحميات الساحلية التي تمتد على شواطئ البحر الأحمر، بينما تكثر في وسط البحر الجزر ذات الأهمية الدولية لاحتوائها على طيور وزواحف وأنواع من السلاحف المهددة بالانقراض.

نوع مختلف من السائحين

قال عدلي أنيس أستاذ الجغرافيا السياحية بجامعة القاهرة لـ”العرب” إن الاهتمام المصري بالسياحة البيئية هدفه جذب أنواع معينة من السائحين الباحثين عن الطبيعة وهو ما سيحقق عوائد مالية كبيرة بالرغم من قلة أعدادهم، حيث لا تتخطى نسبهم هؤلاء 10 بالمئة فقط على مستوى العالم .

وأضاف أن المشكلات التي تواجهها السياحة الترفيهية في مصر منذ حادث وقوع الطائرة الروسية قبل عامين تقريبا مهّدت الطريق أمام البحث عن أنواع سياحية أخرى قد تمثل جذبا للسياح، فكان الاهتمام أولا بالسياحة العلاجية ثم بدء التركيز على السياحة الدينية قبل أن يتم لفت الأنظار إلى نظيرتها البيئية.

مصر من البلدان المؤهلة لجذب السياحة البيئية لما تتمتع به من سواحل شمالية وشرقية يصل امتدادها إلى ألفي كيلومتر، بالإضافة إلى عدد ضخم من الأودية الجافة التي تمثل عناصر جذب جيولوجية وعلمية للعديد من الأبحاث العالمية التي تجرى على طبيعة تلك الأماكن، بجانب أنها من أهم الأماكن الآمنة للغطس وتتميز بتركيبات جيولوجية للجبال تعطي لها أهمية خاصة.

وأوضح أنيس أن وضع خطة لتطوير السياحة البيئية لا ينبغي أن ينفصل عن الاهتمام بالأنواع الأخرى من السياحة التي تعاني مشكلات اقتصادية جمّة خلال الوقت الراهن، بمعنى أن يكون هناك تكامل بين أنواع السياحة المختلفة، فالأساس في زيارة المحميات الطبيعية يكون من خلال السياحة الترفيهية التي تبحث عن الطبيعة هربا من صخب المدن الصناعية التي رفعت من معدلات التلوث في العديد من بلدان أوربا وأميركا.

رأس محمد ووادي الحيتان وطابا وسالوجا

ونظرا إلى مشكلات التسويق التي تواجهها الحكومة المصرية للمقاصد السياحية خارج مصر والتي تكون إما بسبب سوء التخطيط لتلك الحملات وعدم وصولها إلى الفئات التي تستهدفها أو بسبب الأوضاع السياحية والأمنية بشكل عام داخل مصر فإنها اختارت أن يكون الترويج لتلك المقاصد داخليا وذلك من خلال جذب السياحة الداخلية أولا كمدخل للترويج السياحي الدولي لتلك المناطق.

ونجحت وزارة البيئة في جذب عدد كبير من الشباب المتطوعين الذين دشّنوا بالفعل مؤسسة “شباب بتحبّ مصر” للترويج للمقاصد الطبيعية داخل مصر، وقاموا بتنظيم رحلات لتلك الأماكن بأهداف السياحة والترويج وتطوير تلك المناطق.

وأنجزت المؤسسة العديد من الحملات الإعلانية بمواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون لجذب الجمهور المحلي إليها، ومن المقرر أن تنتهي خلال الفترة المقبلة من إنتاج ألف فيلم قصير للتوثيق المرئي لمحتويات عدد من المحميات الطبيعية في مصر.

وقال أحمد فتحي، رئيس مؤسسة “شباب بتحب مصر”، لـ”العرب” إن هناك عشرات المتطوعين الذين يشاركون في مشروع “اعرف محميتك” الذي يستهدف عمل معارض فوتوغرافية عن الأماكن التي يمكن زيارتها ويتم نشرها في العديد من الأماكن الثقافية، كما أن الحملة استطاعت جذب 40 مليون مشاهد لفيديوهات الأماكن الطبيعية على اليوتيوب.

وكان نتيجة ذلك إقبال عدد كبير من المواطنين المصريين على زيارة تلك الأماكن تحديدا خلال إجازة عيد الفطر المنقضي، وبحسب خالد فهمي وزير البيئة المصري فإن إجمالي عدد زوّار المحميات الساحلية والقريبة من المدن خلال أيام العيد فقط بلغ ما يقرب من 64 ألف زائر، وكانت “محمية وادي الريان” على رأس تلك المحميات التي شهدت إقبالا كثيفا من الزوار حيث تخطى عدد زائريها الـ32700 زائر للمحمية.

وأضاف فتحي أن هناك توسعا في حجم الترويج الخارجي للمقاصد السياحية البيئية غير أن ذلك مرتبط بالانتهاء من عملية التطوير التي تجرى حاليا للعديد من المحميات، موجها انتقادات واسعة لوزارة السياحة المصرية لفشلها في تسويق تلك الأماكن منذ سنوات طويلة، إلى جانب عدم تقديم المساعدة للطاقات الشابة التي تحاول أن تبرز الأهمية السياحية لمصر.

تهديدات خطيرة

أبرز ما يهدد المحميات الطبيعية المصرية ويجعلها غير قادرة على جذب السياح إليها عدم وجود تنسيق بين الجهات المعنية بتأمينها والحفاظ عليها من التهديد البشري لها، فمثلا نبات “الأكاشيا” المتواجد بكثافة بمحمية “جبل علبة” ويعاني بشدة من الانقراض يتم استخدامه من قبل أهالي تلك المنطقة لإشعال النيران، كما أن المناطق التي تعدّ ملاذا آمنا للطيور المهاجرة لا تسلم من تلويثها بالمواد الكيميائية لتواجدها بالقرب من المناطق الصناعية.

مصر تواجه تحديا من نوع آخر يتمثل في إطلاق العديد من المشروعات السياحية المرتبطة بالبيئة على سواحل البحر الأحمر

كذلك فإن مصر تواجه تحديا من نوع آخر يتمثل في إطلاق العديد من المشروعات السياحية المرتبطة بالبيئة على سواحل البحر الأحمر، وكان آخرها ما أعلنت عنه المملكة العربية السعودية مؤخرا بإطلاقها مشروع البحر الأحمر السياحي والذي سيقام على 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي أملج والوجه السعوديتين بالقرب من الجزر المصرية، وهو ما يفرض مزيدا من الاهتمام الحكومي المصري بتطوير تلك المحميات.

وأكد سامي سليمان، رئيس جمعية مستثمري جنوب سيناء، لـ”العرب” أن هناك العديد من الإجراءات الحكومية اللازم اتخاذها لجذب السائحين وعلى رأسها تقليل القيود الأمنية على التوسع في جلب الأفواج السياحية إلى تلك المناطق، إلى جانب إقامة العديد من الفنادق البيئية التي تكون صالحة لاستقبال السياح بعيدا عن زيارات اليوم الواحد التي تنظم بكثافة في الوقت الحالي كجزء من السياحة الترفيهية.

وأضاف أن وزارة السياحة المصرية مازالت تتعامل مع تلك المزارات باعتبارها تأتي ضمن البرنامج السياحي الشامل في وقت يغيب فيه الترويج للسياحة البيئية كنوع خاص بذاته، إضافة إلى أن الجنسيات التي تهتم بهذا النوع من السياحة وعلى رأسها الألمان والفرنسيون والإنكليز واليابانيون بحاجة أيضا إلى زيادة تركيز الحملات الترويجية الموجهة إليهم في وقت مازالت تفرض فيه بعض البلدان حظرا على السفر إلى مصر. وتعوّل مصر على مؤتمر السياحة البيئية الذي ستعقده المنظمة العربية الأوروبية للبيئية بالقاهرة خلال شهر ديسمبر المقبل حيث ترغب في استغلاله بالشكل الأمثل لتؤسس لنوع جديد من السياحة الرابحة اقتصاديا، خاصة وأن المؤتمر يشارك فيه ممثلو الدول الأوروبية و14 دولة عربية من الأعضاء باتحاد المرشدين السياحيين العرب.

17