غادي إيزنكوت جنرال يهودي شرقي مرشح لخلافة نتنياهو

القاهرة - في إسرائيل يُعدّ رئيس أركان الجيش قمة الهرم الوظيفي بالمؤسسة العسكرية، ودائمًا ما تكون لديه حظوظ وافرة في تولّي مناصب رفيعة فور خلعه بزته العسكرية، بما فيها المنصب السياسي الأول وهو رئيس الوزراء، وحدث ذلك من قبل مع إسحاق رابين وإيهود باراك، وينطبق الأمر ذاته الآن على رئيس الأركان الحالي الجنرال غادي إيزنكوت.
رئيس الأركان الإسرائيلي غادي إيزنكوت باق له أقل من عام في المنصب (سوف يغادره في فبراير القادم)، وقد يتم مد عام إضافي أخير له، لكن نظرا للجفاء الواضح بينه وبين بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الحالي بسبب تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها إيزنكوت (على الرغم من أن منصب رئيس الأركان في إسرائيل غير مسموح له بإبداء مواقف سياسية)، فإن نتنياهو بات ينظر إليه على أنه “خطر محتمل”.
لذلك فإن العديد من المراقبين داخل إسرائيل يؤكدون أن إيزنكوت، الحاصل على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة حيفا، يصلح لقيادة أحد الأحزاب، بل ويمكنه أيضا أن يقود إسرائيل كرئيس للوزراء بدلا من نتنياهو الذي تلاحقه تهم عديدة بالفساد ويمكن أن تعجّل برحيله.
مع هذا فإن الرجل يعاني في الوقت الراهن من تحوّلات في تعامل الرأي العام والمجتمع الإسرائيلي معه، وهو ما يعتبره البعض، لو أنه حدث وتم استبعاده، ذبحا لأكبر بقرة مقدسة في إسرائيل وهي الجيش، وصدرت تهديدات باغتياله فضلا عن اتهامات وُجّهت له بأنه غير لائق جسديا لتولي المنصب لترهله ومن ثم فهو لم يعد يصلح كرمز للجندية، ووصل حد السخرية منه أن كاتبًا صحافيًا إسرائيليًا شهيرًا شبّهه “براقصة باليه تنزع شعر ساقيها”.
الهجمات ضد إيزنكوت شارك فيها وزراء وأعضاء كنيست وإعلاميون، وبدأت تتصاعد منذ عام حين أفرغ جندي إسرائيلي خزانة رشاشه الآلي كاملة في جسد طفلة فلسطينية عمرها 14 سنة، وتبع ذلك إجهاز جندي آخر على جريح فلسطيني أمام الكاميرات وعلى الفور عبّر رئيس الأركان عن عدم مساندته لهذه الأفعال.
في وقت لاحق قدم رؤية مفادها أن دعم الاقتصاد الفلسطيني يحقّق مصلحة لإسرائيل وبالتالي فإنه ينبغي منح تصاريح عمل للفلسطينيين، وقال إن هناك مئات من آلاف الفلسطينيين العاديين بينما لا يظهر منهم إلا “مخرّب” واحد، هكذا تسمّي إسرائيل كل مقاوم فلسطيني “مُخرّب”.
الرأي العام الإسرائيلي ربط بين هذه المواقف وتصريحات له رفض فيها إغلاق الضفة وغزة، معتبرا أن في هذا التشديد نوعًا من الهيستيريا، وكان أدلى في السابق بتصريح استفز اليمين الإسرائيلي للغاية حين قال “لقد وصلتني شكاوى بخصوص عملية الجرف الصامد، وقلت للمستشار القضائي للجيش الإسرائيلي اجلس مع نشطاء منظمة ‘اكسروا حاجز الصمت’، وهي منظمة تضم في عضويتها جنودًا إسرائيليين أنهوا خدمتهم العسكرية وهدفها جمع إفادات عن جرائم الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين منذ عام 2000 ويعتبرها اليمين المتشدد يسارًا كاذبًا وخائنًا”.
وزراء نتنياهو وعلى رأسهم وزير المواصلات يسرائيل كاتس يشنون هجمة شرسة على رئيس الأركان إيزنكوت، من بين هؤلاء المهاجمين المنتقدين تسيبي حوطوبلي نائبة وزير الخارجية، وأعضاء كنيست من حزب الليكود في حملة تحريضية ضارية تتهمه بشتى أنواع الاتهامات بشكل غير مسبوق
السمين المتمرد
إيزنكوت المولود سنة 1960 ينتمي لعائلة هاجرت إلى إسرائيل من المغرب، وهناك من يفسّر الاسم بأنه يعني “الظبي” باللهجة البربرية، كما أن هناك من يربط بين الاسم ومهاجرين يهودا انتقلوا من روسيا بعد أن تعرّضوا هناك للاضطهاد.
هذا “الظبي” تم استبعاده بعد شهر واحد من دورة طيار مقاتل وهي أول وحدة ينضم لها في الجيش الإسرائيلي، وبعد فشله في اجتياز الاختبارات والتدريبات تم نقله إلى سلاح المشاة، وخلال التدريبات، عام 1980، أصابته رصاصة في رأسه وهو داخل مدرعة كان يقودها، لكنه بعد علاجه عاد وشارك في حرب اجتياح لبنان إثر إصابة أحد قادة السرايا في الكتيبة رقم 51 فحلّ هو محله، وخلال القتال لقي اثنان من أصدقائه المقرّبين مصرعهما.
في الفترة بين 1984 و1985 تولى قيادة سرية مضادة للدبابات، لكنه في النهاية أطيح به مجددا من موقعه بعد جدل علني بينه وبين قائد اللواء التابع له، ورفض إيزنكوت قطع السرية لإحدى الإجازات والعودة للعمل.
وبعد سلسلة طويلة من الدورات التدريبية تمت ترقيته لرتبة عقيد وأصبح مسؤولا عن لواء احتياط، ثم عن لواء “جولاني” الشهير بعد إقالة قائده السابق في أعقاب اندلاع حريق كبير ومصرع عدد من الجنود في أحد المعسكرات، وتدرج في المناصب وعمل -وهو في فترة رتبة عميد- كمستشار عسكري لرئيس الوزراء إيهود باراك.
في تلك الفترة أوكل إليه باراك مهمة إجراء مفاوضات مع سوريا، واستمر لفترة في منصبه في عهد رئيس الوزراء أرئيل شارون أيضا، وفي عام 2001 تم تعيينه قائدًا للواء احتياط مدرع، لكن اسمه لم يبرز ولم ترتفع أسهمه إلا حين قمع الفلسطينيين في الضفة وغزة في فترة الانتفاضة الثانية بدءا من عام 2003، خاصة في مخيم بلاطة وحي القصبة في نابلس عام 2004. ثم عاد وارتفعت أسهمه مجددا في حرب لبنان الثانية حين اعترض على خطط داني حالوتس (أول رئيس أركان يأتي من سلاح الطيران) التي قامت على استدعاء الاحتياطي، وتكبّدت إسرائيل بالفعل خسائر كبيرة في تلك الحرب، ما اضطر حالوتس إلى الاستقالة، وفي وقت لاحق تم تعيين إيزنكوت قائدا للمنطقة الشمالية لمدة خمس سنوات، وبعد عمله لمدة عامين كنائب لرئيس الأركان تولى هو رئاسة الأركان.
خبرته السابقة مع المنطقة الشمالية جعلت رئيس الأركان غادي إيزنكوت يركز في محاضراته أمام قادة الجيش الإسرائيلي مؤخرا على خطر حزب الله، وعلى عزم الجيش الإسرائيلي الاستمرار في سياسة منع حزب الله من امتلاك أسلحة متقدمة.
عن موقفه من التصعيد الخطير في الأقصى مؤخرا ورفض المصلين الفلسطينيين الإجراءات الإسرائيلية وعلى رأسها تركيب بوابات كشف المعادن وكاميرات، ومصرع عدد من قوات حرس الحدود ومن المستوطنين، توقع رئيس الأركان فترة “صعبة ومعقدة”، لكنها أقلّ وطأة من هجمات للمقاومة الفلسطينية قبل عام ونصف العام.
من تصريحاته الحديثة أيضا قوله إن “التحدي الباقي لإسرائيل منذ 67 هو سوريا”، لذلك فهو اهتم بوحدة التجسس الإلكتروني 8200، وشدد على أنها أنقذت حياة إسرائيليين كثيرين وتعاونت معها وحدات قتالية، هذا على الرغم من الانتقادات التي تمّ توجيهها لتلك الوحدة وللاستخبارات الداخلية بعد أن أعلن مقاومون فلسطينيون على الفيسبوك عزمهم تنفيذ عمليات ثم قيامهم بذلك بالفعل دون أن يتم رصد تلك المواقف والتحذير منها مسبقا.
|
ماء عكر
مياه كثيرة جرت في نهر العلاقة بين نتنياهو وإيزنكوت، فبعد لقاءات مطولة ومفاضلة وتردد بين إيزنكوت ومرشح آخر اختار نتنياهو إيزنكوت لرئاسة الأركان نتيجة لمانشيتات ساخنة لصحيفة معاريف حذرت فيها نتنياهو من وقوع “زلزال” إذا لم يتم اختيار إيزنكوت لهذا المنصب.
بالفعل حاول نتنياهو للمرة الثانية في تاريخه تجاوز مرشح وزير الدفاع موشيه يعلون، لكنه تراجع في النهاية وعيّن إيزنكوت في المنصب كما سبق وتراجع في عهد وزير الدفاع إسحاق موردخاي، والذي كان قد رشّح شاؤول موفاز وكان نتنياهو يريد تعيين مرشح آخر ثم تراجع عن الفكرة لخشيته من اصطدام قراره برؤية مراقب الدولة، وهو منصب رقابي على أداء وقرارات الحكومة.
مؤخرا شن وزراء نتنياهو، وعلى رأسهم وزير المواصلات يسرائيل كاتس، هجمة شرسة على تصريحات لرئيس الأركان، وكانت من بين هؤلاء المهاجمين المنتقدين تسيبي حوطوبلي نائبة وزير الخارجية، ثم انضم للهجمة أعضاء كنيست من حزب الليكود في حملة تحريضية ضارية ضد إيزنكوت، حيث اتهموه بشتى أنواع الاتهامات بشكل غير مسبوق.
كانت تلك الهجمة بسبب ما تفوّه به إيزنكوت حين قال في إحدى الندوات “لا أريد أن يفرغ جندي إسرائيلي خزينة بندقية آلية كاملة في طفلة فلسطينية تحمل مقصا”، وذلك في إشارة إلى جريمة وقعت بالفعل، زاعما أن الجيش الإسرائيلي لا يعمل وفق شعار “من يعتزم قتلك اقتله أنت أولا”، وهي قاعدة يرتكز عليها المفسرون بناءً على فتوى في التوراة منذ قرون. وكان نتنياهو ومعه مجموعة من الحاخامات قد استغلوا تصريحات مشابهة لإسحاق رابين، فنالوا منه وحرضوا عليه، خاصة بعد أن وقّع اتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين، وبالفعل تم اغتيال رابين في النهاية على يد يهودي متطرف ارتكازا على هذه الفتوى.
شائعات عن مصرعه
الضرب تحت الحزام نال ومازال ينال رئيس الأركان إيزنكوت، لدرجة أن غالبية الإسرائيليين تلقّوا على أجهزة هواتفهم المحمولة رسائل عبر تطبيق “واتس آب” بشكل متواكب تزعم سقوط مروحية جنوب إسرائيل وعلى متنها إيزنكوت فلقي مصرعه على الفور.
المتحدث العسكري السابق باسم الجيش الإسرائيلي وصف تلك الشائعة بأنها “إجرام غير مسبوق وأمر مخيف ستكون له نتائج خطيرة إذا ما حدث وتم الترويج لإشاعات كتلك بشكل مواكب لنشوب حرب فعلية”، كما أدان وزير الدفاع إفيجدور ليبرمان هذه الشائعة، ولم يصل المحققون حتى الآن إلى من وقف وراءها وما الهدف الحقيقي منها.
|
الشائعة أتت بعد انزواء إيزنكوت لأسابيع في مطلع هذا العام ونقل صلاحياته لنائبه بعد إجراء جراحة دقيقة، وفي نفس الوقت تعالى الجدل حول قراره النهائي بشأن العفو عن الجندي الإسرائيلي الذي قتل أمام الكاميرات فلسطينيا مصابا في الخليل وتمّ الحكم عليه بالحبس لعام ونصف العام فقط، وسبق لنتنياهو أن أيّد هذا الجندي المجرم دون أيّ تحفظات وحاول التأثير على قرار المحكمة (التي أصدرت في النهاية حكما مخففا للغاية)، بل وزار نتنياهو بنفسه أسرة القاتل وأدلى بتصريحات مؤيده تماما للجندي.
ما لفت الانتباه أيضًا ذلك التصريح الذي أدلى به “شفتيئيل” محامي الجندي “أزارياه” قاتل المصاب الفلسطيني، حيث قال “رئيس الأركان يبدو مثل موظف سمين في إدارة الصرف الصحي في البلدية”، والغريب أن المحامي الإسرائيلي سيحتاج إلى هذا الموظف السمين نفسه لأنه الوحيد الذي من صلاحياته تخفيف الحكم على الجندي، أو حتى العفو نهائيا عنه بعد أن يقدم الجندي التماسًا لرئيس الأركان في هذا الصدد.
إيزنكوت إذن مرشح بقوة لخلافة نتنياهو، إلا أن الخبراء يختلفون على موعد هذا الترشح والطريقة التي يتحايل بها حتى يكون ترشيحه قانونيًا، لأن في إسرائيل شرطًا قانونيًا ينصّ على ضرورة أن تكون هناك 3 سنوات تفصل بين تقاعد العسكريين ودخولهم مجال السياسة، وتذهب حيثيات مؤيديه (ومنهم المحلل السياسي لصحيفة جلوبس “ماتي جولان”) الذي كتب قائلًا “إن إيزنكوت يتّسم بالمنطق وبالعقل المتفتح بدون قيود سياسية فهو رجل عسكري يتحدث ويتصرف كسياسي متّزن وحصيف ولو كان نتنياهو يخشاه فهو محق في هذا بكل تأكيد”.
كدليل على ذكائه، فإن إيزنكوت يرفض دائمًا التعليق بالسلب أو بالإيجاب على ملف الغواصات المتهم فيه نتنياهو بالفساد والحصول على رشى وبشراء الغواصات بدون موافقة وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، وعلاوة على هذا فإن لإيزنكوت عبارة غازل بها الإسرائيليين والجيش في لقاء مغلق له مؤخرًا هي “لو لم يعد هناك خيار آخر سنأكل أقلّ لكن سنتدرب”، وكان يعلّق على الآراء التي تطالب حاليًا بتقليص ميزانية الجيش.