الجمال المكتمل ونقائصه
يقف معظمنا مذهولا لأول وهلة أمام الجمال الكامل الذي نعده مطابقا لمقاييس جرى الاتفاق عليها ومعايير فرضتها الذائقة الجمعية أو الثقافة الرائجة في عصر معين، وسواء كان ذلك الجمال الكامل جمال امرأة فريدة في حسنها الطبيعي، أو كان جمال منظر طبيعي مدهش يمتلك جميع عناصر السحر التي تمتعنا بها الطبيعة من جبال خضراء مغبشة وشلالات وغابات غامضة وأزاهير وبحيرات وأجواء فردوسية؛ فإننا سنجد بعد اعتيادنا رؤية هذا الجمال لأمد زمني، أن معاييره المكتملة وحدها ما عادت كافية لإدهاشنا، وكذلك نفعل إزاء المرأة الجميلة بعد زمن من ألفتنا معها عندما تعجز عن تعزيز جمالها بدفء إنساني وحنو يرتقي بوجودها الطبيعي إلى مستوى إنساني تتطلبه القلوب والحياة ذاتها؛ فلا نعود نأبه حينها بذلك الجمال الكامل الذي يبهت سحره عندما تفتقر صاحبته إلى الدفء والحنو.
تظهر نجمات السينما والمطربات والموديلات ومذيعات الفضائيات بمواصفات جمالية تبلغ أحيانا حدود الكمال المنشود المبهر، وقد تتخطى -إذا حصلت المبالغة فيها- حدود ما هو طبيعي وإنساني إلى ما هو مصطنع ممقوت وفاضح في تناقضه مع السمات المألوفة للجمال الدافئ الحنون، ليغدو تشويها محضا لا تتقبله الذائقة الإنسانية السوية؛ فمنذ بزوغ نجم الممثلة الأميركية أنجلينا جولي واتساع شهرتها بأعمالها الخيرية وتبنيها لأطفال يتامى وتبرعها لمؤسسات تعليمية، أصبحت أيقونة شعبية في وسائل الإعلام، لكن عددا كبيرا من النساء لم يلتفتن إلى مواقفها الجادة وخدماتها الإنسانية المشرفة بل انحصر اهتمامهن بشفتيها البارزتين الممتلئتين بطبيعة تكوينهما، فئة من السيدات القلقات اللائي يعوزهن التقدير الشخصي للذات تزاحمن على عيادات الجراحة التجميلية للتحول إلى شبيهات أنجلينا جولي، ودفعت بعض السيدات الشهيرات أثمانا باهظة للحصول على وجنتي أنجلينا وشفتيها العارمتين، غير أن النتائج كانت وبالا على الكثير منهن إذ تشوهت ملامحهن لأنهن لسن أنجلينا وما عدن أنفسهن.
نجالس المرأة الفاتنة المعدلة المخدومة لدى صالونات التجميل ومستشفى الجراحة التجميلية فلا نعثر في جمالها المكتمل على غموض المرأة الطبيعي وسحرها الذي تمتلكه نساء لا يتوفرن على قدر كبير من الجمال بل إن في ملامحهن بعض نقص يتناقض مع معايير الجمال القياسية يمنحهن فرادة الطلعة وغموض الأنوثة.
ومثل النساء نرى المشاهد الطبيعية الساحرة المتوفرة على عناصر أساسية باذخة لجماليات الطبيعة التي تصلح أن تكون منتجعات سياحية مترفة، لكننا لا نعثر فيها على مبتغانا من الألفة والتواصل، ونتساءل: لماذا؟
ما الذي ينقصها لتخاطب أرواحنا ومشاعرنا؟ يتوقف الأمر على أسرار خفية قد لا ندركها للوهلة الأولى، وهي أن الجمال الخارجي وحده لا يكفي ليحرك قلوبنا، ثمة علاقات خفية تربطنا ببعض عناصر الطبيعة نشأت مع نمو شخصياتنا، ولكننا نسيناها في غمار مصاعب الحياة، فصوت خرير الماء في جدول صغير وحفيف سعف النخيل في الصباح الباكر وشروق الشمس من بين أشجار التوت والصفصاف الباكي على ضفة نهر، قد تهز أوتارا خفية في نفوسنا أكثر مما تفعله رؤية البحر والجبال في منتجع سياحي بولغ في تجميله، صوت الجدول وحفيف النخل وشروق الشمس ارتبطت لدينا بنشأتنا الأولى، ذلك الجمال الساذج البريء الذي اشتبك في ذاكرتنا مع اكتشافنا للحياة والزمن والأمكنة، فألفناه كما ألفنا روائح تراب الوطن حين تمطره مزنة ربيع، أو حين تهب علينا غمائم من شذا الجوري فتلامس قلوبنا. الجمال ليس باكتماله بل بما ينطوي عليه من معان وعلاقات غائرة بالروح والذاكرة.
كاتبة عراقية