حسابات جيوسياسية وطائفية في انتظار مدينة الموصل بعد التحرير

الاثنين 2017/07/03
مستقبل مجهول

الموصل (العراق)- تواصل القوات العراقية السيطرة على مساحات جديدة من المدينة القديمة في غرب الموصل لتحقق تقدما ميدانيا ينبئ بنهاية تواجد تنظيم الدولة الإسلامية في آخر مواقعه وفي ثاني أكبر مدن العراق.

وعلى الرغم من النجاح العسكري للقوات العراقية عقب إعلان الحكومة العراقية السبت القضاء على تنظيم داعش، بعد تحرير جامع النوري الكبير، والذي شهد الظهور العلني الوحيد لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبي بكر البغدادي في يوليو 2014، يتخوف سكان الموصل من مستقبل المدينة بسبب تداعيات عملية التحرير على مستوى أمني، وما سينجر عنها من مواجهات دموية بين أهالي المدينة تعيق استقرارها.

ويبدو أن الحلّ الواقعي للأوضاع الأمنيّة التي تعيشها محافظة نينوى والأطماع الإقليميّة المحدقة بها، يتطلّب حكما عسكريا عرفيّا يضبط الأمن ويحافظ على مستقبل المدينة، ثاني أكبر المدن العراقيّة سكّانا، من شبح التشرذم والتقسيم.

واستجاب رئيس الحكومة حيدر العبادي لهذا الحل وعيّن حاكما عسكريا موصليا للمدينة هو الفريق الركن رياض جلال توفيق، إلا أنه حاكم من دون أي صلاحيات حقيقية، في حين يقتضي واقع ما بعد داعش تعيين حاكم عسكري بكامل الصلاحيات لإدارة المدينة أمنيا.

رئيس الحكومة حيدر العبادي عين حاكما عسكريا موصليا للمدينة هو الفريق الركن رياض جلال توفيق، إلا أنه حاكم من دون أي صلاحيات حقيقية

ويعتقد مراقبون وضباط من الجيش العراقي السابق أن تسمية حاكم عسكري للموصل يدعم عملية السيطرة على المحافظة، ويعيد ترتيب شؤونها، بخاصة تحقيق الاستقرار والتعامل الحازم والجدي مع دعوات الثأر والانتقام التي باتت تلوح في الأفق ضد العائلات التي انخرط بعض أبنائها في تنظيم داعش. وأمام الحاكم العسكري مهمة كبرى تتمثل في إعادة إعمار المدينة التي دمرتها الحرب وقضت على بنيتها التحتية ومعالمها الحضارية والتاريخية، وهي مهمة ليست يسيرة، بخاصة وأن السياسيين السُنة يهيئون أنفسهم للحصول على حصة الأسد من مهمة الإعمار، والتي يشاع أنها ستتم بإشراف البنك الدولي بالتعاون مع شخصية سنية هي مصطفى الهيتي، رئيس صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة المكلف بالتعامل مع إعمار المحافظات السنية التي دمرها داعش.

وبحسب مصادر خاصة في بغداد، فإن الموصليين يرغبون في حاكم عسكري مهني يحظى بدعم واسع، وغير منتم إلى أيّ حزب سياسي، وتبدو هذه الأوصاف أكثر انطباقا على شخصية القائد الميداني في جهاز مكافحة الإرهاب عبدالوهاب الساعدي الذي يتمتع بشعبية واسعة بين أهالي الموصل.

لكن أي حاكم عسكري يتم تعيينه سيواجه معضلات ومشكلات كثيرة، ما لم تبدأ حكومة بغداد باتخاذ خطوات إيجابية مطمئنة للأهالي، وتمنع القوى السياسية من استخدام الخطابات الطائفية، واعتماد الحوار السياسي المبني على التوافقات كونه الحلّ الأمثل للخروج من المأزق الأمني والسياسي الذي يعاني منه العراق.

ويرى سعد ناجي جواد الأستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد والمحاضر في إحدى الجامعات البريطانية خلال تصريحات لـ”العرب” أن “اتباع أساليب المحاصصة في إدارة الموصل بعد التحرير بدعوى الاستحقاق الانتخابي سيكون بمثابة كارثة جديدة”.

ويشير إلى “ضرورة اختيار شخصية موصلية نزيهة يفضل أن تكون عسكرية لإدارة المحافظة، كما يجب ألا يسمح لأي قوات غير الجيش والشرطة المحلية بالبقاء في الموصل”.

ويلفت جواد إلى “إمكانية بروز تنظيمات لا تقل سوءا عن داعش لاستغلال فراغ أمني وأخطاء حكومية مستقبلا، كما استغل تنظيم الدولة تذمر أبناء الموصل والإهمال، والإذلال الذي تعرضوا له من سياسات الحكومات السابقة”.

ويستبعد الحقوقي ناجي حرج تحقيق الاستقرار في المدينة في المدى المنظور “لعدم وجود إرادة حقيقيّة تدعم هذه الخطوة”.

وأوضح حرج خلال تصريحات لـ”العرب” أن “الأطراف الحكوميّة التي سهلّت احتلال الموصل لا تكترث لعملية الاستقرار بسبب أهداف طائفيّة تسعى إلى تحقيقها، من ذلك أن الأحزاب الشيعيّة راحت تقيم مكاتب لها في المدينة المنكوبة، وفي مقدمتها حزب الدعوة الذي فتح فروعا له في الموصل والمدن المجاورة”.

ويشير إلى أن “ميليشيات مرتبطة بإيران أخذت تجوب الشوارع براياتها وهتافاتها الطائفيّة، وهو ما ولدّ شعورا يائسا لدى الكثير من أبناء الموصل بأنهم مقبلون على عصر ظلامي جديد ربما يفوق ظلام عصر داعش حالك السواد”.

سكان الموصل يتخوفون من مستقبل المدينة بسبب تداعيات عملية التحرير على مستوى أمني، وما سينجر عنها من مواجهات دموية بين أهالي المدينة تعيق استقرارها

وحذر حرج من استغلال تضحيات الجنود والضباط التي ساهمت في تحرير المدينة، مشيرا إلى “ضرورة تفطن السلطات الحكوميّة إلى محاولات توظيف براغماتي لنجاحات القوات العراقية في دحر داعش في آخر معاقله، وأن تترك لأهلها وكفاءاتها مهمة تنظيم شؤون مدينتهم بأنفسهم”.

ويرى المحامي سليمان الجبوري، وهو من أبناء الموصل ومحامي الدفاع عن وزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم المعتقل حاليا في سجن الحوت بالناصرية، أن “مستقبل تنظيم داعش مفتوح على كل الخيارات نظرا إلى تشعبه وامتداده إلى أكثر من منطقة جغرافية، ولأن دوائر التفكير الاستراتيجي تبحث عن بديل داعش بعد خسارته لمدينة الموصل”.

ويقول إن “الحديث عن مستقبل مدينة الموصل في مرحلة ما بعد داعش ليس سهلا نظرا لكثرة الفواعل الموجودة على الساحة الموصلية وتخومها، والتي تتربص جميعها بالكعكة الموصلية لاقتسامها، انطلاقا من حسابات جيوسياسية وطائفية عنصرية متعددة”، ملفتا إلى أنه “مع التقدم الحاصل في تحرير الموصل من قبضة داعش، تزايدت التهديدات بالقتل وتدمير البنى التحتية والإخلاء القسري للذين يُشتبه في أنهم من عناصر تنظيم داعش”.

ومن وجهة نظر قانونية، يعتقد الجبوري أن “تعرض المئات من الأسر في الموصل للتهديد بالتشريد القسري غير القانوني يرتقي إلى مستوى العقاب الجماعي ويشكل انتهاكا للدستور العراقي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني”.

ودعا إلى ضرورة “تفعيل المصالحة الوطنية والتوقيع على عقد اجتماعي يحفظ حقوق جميع الأقليات والطوائف وترسيخ مبادئ السلام والأمن والتعايش السلمي، وتشكيل لجان مختصة بالأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لمعالجة مخلفات ما بعد داعش، وسحب الميليشيات بمختلف مسمياتها من المدينة وإلغاء المظاهر المسلحة وانسحاب الجيش من داخل المدينة”.

ويضيف “تشكيل قوة عسكرية وطنية من أبناء مدينة الموصل سيدعم عمل الجيش العراقي والقوات الأمنية العاملة في مدينة الموصل”. وكان مجلس النواب العراقي صوّت يوم 26 من سبتمبر الماضي على بقاء محافظة نينوى ضمن حدودها الإدارية قبل 2003، وأعطى لأهالي المدينة الحق في تقرير مصير مدينتهم خلال مرحلة لاحقة.

6