برافو.. لأنك أبكيت ميسي وقسوت على رونالدو

الأحد 2017/07/02

ربما قد يكون هذا المقال مهدى إلى نجوم سابقين تألقوا وساهموا في التعريف بكرة القدم التشيلية، وعرّفوا براية بلادهم في السماء الأوروبية، لكن الساحرة المستديرة بأحكامها القاسية أحيانا أدارت لهم الظهر ولم تسعفهم بتحقيق بطولات كبيرة.

هو مقال قد يهدى إلى ذلك الهداف الخطير إيفان زامورانو النجم السابق لريال مدريد الإسباني وإنتر ميلان الإيطالي وكذلك مارتشيلو سالاس اللاعب السابق لناديي لاتسيو ويوفنتوس الإيطاليين اللذين تركا إرثا كبيرا تتغنى به جماهير الكرة في تشيلي، رغم أنهما لم ينجحا في قيادة منتخب بلادهما إلى منصات التتويج العالمية.

إن ما تحقق خلال السنوات الثلاث الأخيرة صعد بمنتخب تشيلي إلى عنان السماء وجعله يعانق المجد ويدخل كتب التاريخ الكروي من الباب العريض، فكيف لمنتخب لم ينجح طيلة عقود طويلة للغاية من بلوغ منصات التتويج أن يتمكن في نسختين متتاليتين من بطولة “كوبا أميركا” من الحصول على اللقب ثم يبلغ بعد ذلك نهائي كأس القارات؟ كيف تمكن منتخب “لا روخا” من كسر الحظ العاثر ويحقق أحلام الأسلاف؟

إنه بباسطة زمن نجوم اليوم في منتخب تشيلي، هم نجوم تألقوا كأفضل ما يكون في أوروبا مثل إليكسيس سانشيز وأرتورو فيدال وغاري ميديل، وخاصة الحارس كلاوديو برافو الذي يستحق عبارة “برافو”.

وبداية ميلاد هذا الجيل الذهبي في تشيلي ربما انطلقت فعليا في مونديال 2014، حيث بلغ منتخب “لا روخا” الدور ربع النهائي ليواجه منتخب البرازيل، في تلك المباراة احتكم المنتخبان إلى ركلات الجزاء الترجيحية، فتألق كلاوديو برافو وتصدى لركلة جزاء، بيد أن الحظ لم يقف إلى جانب بعض زملائه الذين أخفقوا في التنفيذ، كانت خسارة مرة أبكت برافو وجعلته بمعية بقية زملائه يعدون جماهيرهم بالرد في البطولات القادمة.

مرت الأيام بسرعة واستعدت تشيلي لتنظيم منافسات “كوبا أميركا” سنة 2015 كأفضل ما يكون، كان الهدف هو الوصول إلى النهائي ولمَ لا المراهنة على اللقب، مرت الأمور كأفضل ما يكون ونجح هذا الجيل الذهبي في تحقيق مراده ليواجه المنتخب الأرجنتيني المدجج بالنجوم وفي مقدمتهم ليونيل ميسي، لكن منتخب تشيلي بقيادة هذا الحارس المتألق برافو نجح في الصمود والتغلب على منافسه بفضل ركلات الجزاء الترجيحية التي عرفت نجاح برافو، ليقود منتخب بلاده للحصول على أول لقب قاري، ويستحق بذلك عبارة “برافو”.

مرت الأيام بسرعة مرة أخرى، فتم تنظيم البطولة المئوية لـ”كوبا أميركا” في الولايات المتحدة الأميركية، خاض منتخب تشيلي البطولة من أجل الدفاع عن لقبه، ومرة أخرى يكتب التاريخ مواجهة نهائية متجددة بين منتخب “لا روخا” بقيادة الحارس كلاوديو برافو والمنتخب “السماوي” بقيادة ليونيل ميسي، ومرة أخرى “يقهر” برافو زميله السابق في برشلونة بعد أن تألق وأبدع في ركلات الجزاء، ليبكي ميسي ويندب حظه العاثر ويتأزم إلى درجة دفعته في تلك اللحظات لإعلان اعتزاله اللعب مع المنتخب الأرجنتيني.

وبعد التتويجين الذين يستحق عليهما برافو عبارة “برافو” مرّتين، واصل الحارس التشيلي عروضه القوية سواء مع منتخب بلاده أو فريقه الإسباني برشلونة، قبل أن ينتقل بداية الموسم المنقضي إلى مانشستر سيتي، بيد أنه عاني من “تهميش” مدربه بيب غوارديولا الذي أجلسه على دكة البدلاء، ولم يشارك سوى في بعض المباريات القليلة، غير أن ذلك لم يحل دون أن يقود منتخب تشيلي في مشاركته النادرة ضمن بطولة كأس القارات. وبسرعة سارت الأمور وتقدم منتخب “لا روخا” في البطولة ليبلغ المحطة نصف النهائية، حيث كان برافو ومنتخب بلاده في مواجهة رونالدو ومنتخب البرتغال بطل أوروبا، كان لزاما على الحارس السابق لبرشلونة أن يثبت مرة أخرى أنه “عرّاب” الجيل الذهبي لمنتخب بلاده وقائده نحو المجد السرمدي والأبدي في البطولات القوية والعالمية.

وفعلا نجح هذا الحارس في أن يظهر في ثوب البطل الأوحد الذي لا ينهزم، بل هو من هزم بمفرده منتخبا بأكمله، هزم رونالدو أفضل لاعب في العالم وأطاح به خارج البطولة وكرّر ما فعله مع ميسي سابقا، لقد تصدى لثلاث ركلات جزاء ترجيحية بالتمام والكمال ليبلغ المحطة النهائية في بطولة القارات قبل مواجهة حاسمة وقوية ومشوقة عشية الأحد ضد منتخب ألمانيا.

بفضل برافو وغيره من اللاعبين الرائعين والمحنّكين مثل إلكيسيس وفيدال تمكن منتخب تشيلي من أن يجد مكانا دافئا تحت شمس الإنجازات العالمية الرائعة، فبفضل تصديات “الكابيتانو” الحاسمة والتاريخية أمكن لمنتخب تشيلي كسر حظه العاثر طيلة أكثر من قرن من الزمان من الجفاف والقحط، فحق أن نقول “برافو” لبرافو، وحق لهذا الحارس الألمعي أن يكتب اسمه ضمن أساطير منتخبات أميركا الجنوبية، بل والكرة العالمية.

ليس من السهل على أيّ حارس ينتمي إلى هذه الرقعة من العالم أن يحقق ما حققه كلاوديو برافو، ليس من السهل اللعب مع برشلونة والحصول معه على ثمانية ألقاب بالتمام والكمال من بينها بطولة دوري الأبطال وكأس العالم للأندية، قبل اللعب بعد ذلك مع مانشستر سيتي.

صحيح أن أميركا الجنوبية “ولاّدة” للمهاجمين العباقرة والهدافين، لكنها أيضا أثبتت أنها قادرة على تقديم حراس مرمى من فئة خمس نجوم، غير أن برافو كسّر كل الحوافز فتجاوز الكولومبي هيغيتا ونجم الباراغواي سابقا تشيلافيرت، فهو كاسر الحظ العاثر وصانع المجد الدائم.

كاتب صحافي تونسي

23