تراخ مصري في التعامل مع الأحزاب الدينية حولها إلى قنابل موقوتة

انتفاضة الشعب المصري في يوليو 2013 ضد حكم الإخوان المسلمين كانت في عمقها رفضا للأحزاب الإسلامية بمختلف مسمياتها، ولذلك نادت مختلف القوى السياسية المدنية بسن قوانين تحظر إنشاء الأحزاب على أسس دينية حفاظا على بيئة سياسية سوية لا يعكرها خلط الدين بالسياسة. لكن تحفظات عديدة أصبحت توجه ضد التعامل الرسمي المصري مع الأحزاب الإسلامية، التي تبيّن أنها أصبحت تمثل ملاذا آمنا لقيادات الإخوان، وثبت أيضا أنها أضحت مزوّدا للتيارات الإرهابية بالأفكار وبالكوادر.
الجمعة 2017/03/31
أحزاب دينية في البرلمان: مفارقة القانون والتطبيق

واشنطن - كشفت مواقف للأحزاب الإسلامية المرخص لها في مصر مؤخرا، وجود أجنحة داخلها تميل إلى استخدام العنف بديلا للعمل السياسي، ما حوّلها إلى قنابل موقوتة، في ظل تراخي التعامل مع ما تتخذه بعض الأحزاب الدينية من مواقف مؤيّدة لاستخدام العنف.

ورسم نعي حزب البناء والتنمية (الذراع السياسية للجماعة الإسلامية) لأحد قياداته الهاربة والذي لقي مصرعه في سوريا (أبوالعلا عبدربه) في أثناء قتاله ضمن صفوف تنظيم أحرار الشام، مطلع الأسبوع الجاري، نهجاً جديداً غير مستبعد أن تطبقه داخل مصر مستقبلاً.

وهو ما انعكس على مواقف العديد من كوادر الحزب الذين رثوا القتيل بعبارات تبدو مؤيدة للعنف، ووصفوا ما قام به أبوالعلا بـ”العمل البطولي”، وأن سفره إلى الخارج كان من أجل نيل الشهادة.

هي عبارات تكررت قبل شهر تقريباً في بيانات بعض الأحزاب الإسلامية التي رثت الشيخ عمر عبدالرحمن، مفتي الجماعات المتشددة الذي توفي في أحد السجون الأميركية الشهر الماضي، وحظيت جنازته في مصر باهتمام الكثير من الأحزاب الإسلامية.

ومعروف أن قوانين ووثائق إنشاء الأحزاب في مصر تنص على “الالتزام بأساليب العمل السياسي السلمي ومبدأ التعددية وتكافؤ الفرص واحترام الرأي الآخر وتحقيق السلم الاجتماعي”.

وتورط عدد من قيادات الأحزاب الإسلامية في العنف الذي انتهجته جماعة الإخوان المسلمين منذ رحيلها عن الحكم عقب ثورة 30 يونيو 2013، وهرب عدد من كوادرها خارج البلاد والانضمام إلى تنظيمات إرهابية، ما خلق حالة من التواصل بين كوادرها الموجودة داخل البلاد وأقرانهم ممن انتهجوا العنف وخططوا لتنفيذه في مصر وخارجها.

وثائق إنشاء الأحزاب في مصر تنص على "الالتزام بأساليب العمل السياسي السلمي ومبدأ التعددية واحترام الرأي الآخر"

ويذهب البعض من المراقبين للتأكيد على أن هناك عوامل عدة تدفع باتجاه ميل أعضاء هذه الأحزاب إلى العنف، مثل عدم الفصل بين القيادات والجماعات المنتمية إليها، ما يسبب خلطاً بين مواقف التنظيمات الأم والأحزاب المنبثقة عنها، وقلة خبرة هذه الجماعات في ممارسة العمل السياسي، بعد أن اعتادت العمل السري لسنوات.

يذكر أن مصر تحتوي على ثمانية أحزاب لها مرجعية إسلامية (النور، البناء والتنمية، والوطن، والوسط، والأصالة، والفضيلة، والشعب، ومصر القوية)، رغم أن القانون يمنع تأسيس أحزاب على أساس ديني.

لذلك تغيب معظم هذه الأحزاب عن الساحة السياسية حاليا، باستثناء حزب النور السلفي، الذي يستحوذ على 12 مقعداً في البرلمان، وتعطي له الحكومة قدرا من حرية التحرك السياسي في الشارع المصري.

أصبحت تلك الأحزاب، بحسب متابعين، واجهة تغطي أحيانا على انتهاج بعض القيادات لمواقف ترتبط بالعنف، وتحمل الأدوار الخفية التي تقوم بها عبر تقديم الدعم الفكري للأعمال الإرهابية، رسائل سياسية قد تكون لها مردودات سلبية مستقبلا.

وبرهنت المواقف السياسية لغالبية الأحزاب الإسلامية على وجود أزمة كبيرة في تعامل الحكومة معها، إذ بدا أن لجنة شؤون الأحزاب المنظمة لعمل الأحزاب لا ترغب في اتخاذ خطوات قانونية لحل هذه الأحزاب.

وتأكد هذا الاتجاه من خلال حيثيات الحكم الصادر الشهر الماضي برفض حل حزب النور السلفي بحجة شكلية قالت “بعدم تقديم الدعوى القضائية من قبل الجهة المختصة”.

ووجهت دوائر سياسية مدنية انتقادات واسعة للحكومة لسماحها بتواجد الأحزاب الدينية حتى الآن.

وترى هذه الدوائر أن تحركات المواطنين كانت ضد الإسلام السياسي بتوجهاته المختلفة، وليس ضد جماعة الإخوان فقط، التي اتخذت من الحركات الإسلامية الأخرى ذراعا لها لتحقيق هيمنة سياسية.

في هذا الصدد قال رفعت السعيد الرئيس الشرفي لحزب التجمع اليساري، لـ”العرب” إن استراتيجية الحكومة في التعامل مع الأحزاب الإسلامية أثبتت فشلها بعد أن لجأت الأخيرة إلى العمل الخفي بديلاً عن الممارسة السياسية العلنية.

وأضاف أن التعامل الحالي مع الأحزاب الإسلامية يخدم التوجه نحو المزيد من العنف، لأنها تجيد العمل في الخفاء تحت لافتة كيانات سياسية رسمية تسعى من خلالها للوصول إلى أكبر عدد من المؤيدين.

التعامل الحالي مع الأحزاب الإسلامية في مصر يخدم التوجه نحو المزيد من العنف، لأنها تجيد العمل في الخفاء

ورفض السعيد المبررات التي يسوّقها مقربون من الحكومة المصرية والتي قالت إن “السماح لعمل تلك الأحزاب يأتي حفاظاً على التنوع السياسي”، لافتا إلى أن هذه الطريقة تساهم في خلق بيئة مواتية للإرهاب الذي تحاربه الدولة بكل مؤسساتها، وعقد صفقات مع التيار السلفي تحديداً تصب في صالح تقوية شوكة حزب النور الذي يتوقع أن يحصد مكاسب سياسية كبيرة في الفترة المقبلة.

ويسلط بعض السياسيين الضوء على ازدواجية التعامل مع هذه الأحزاب، ففي الوقت الذي تقف فيه الرغبة الرسمية عند احتواء كبير للتيار السلفي، مع أن هناك علاقات وطيدة تربطه بتيارات تتبنى العنف، تسعى الحكومة إلى تجديد الخطاب الديني لتقليص الأفكار الإرهابية.

وأكد ماهر فرغلي، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، أن تعامل الحكومة مع تيار الإسلام السياسي يأخذ مناحي مختلفة، فهي تصطدم بالتنظيم الأم (جماعة الإخوان) وتحاول تحييد التيار السلفي وتفتح له أبوابا للمشاركة السياسية، وتقوم بتضييق الخناق على الجماعة الإسلامية وذراعها السياسية، دون أن تتبنى رؤية تقصيها تماما من العمل السياسي.

وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، أن التدرج يعني أن الحكومة ترفض أن تلقي بجميع التنظيمات الإسلامية داخل سلة واحدة، انتظاراً لحسم ملف الإخوان والتنظيمات الإرهابية في سيناء، كما أن الجذور الشعبية لتلك التنظيمات في القرى والأقاليم تضاعف من صعوبة مهمة الاصطدام معها في وقت واحد.

وأوضح فرغلي أن هذه السياسة المصرية قد تمتد لفترات طويلة، دون أن يستبعد حدوث بعض التعديلات في ما يتعلق بمواجهة الأدوار الخطرة التي تمارسها تلك الأحزاب باعتبارها المفرخ الأول للجماعات الإرهابية، وبالتالي فإن الملاحقات الأمنية لأعضائها من المتوقع أن تتزايد خلال الأيام المقبلة.

وطالب خبراء بضرورة مواجهة الأحزاب الإسلامية عبر ثلاثة طرق، الأول التعامل القانوني مع تلك الأحزاب بإجبارها على الالتزام بالأسس المدنية التي تقوم عليها الدولة أو حلها في حال عدم التزامها. والثاني التعامل أمنيا مع الأفراد المتورطين في أعمال عنف. والثالث تشجيع الأحزاب المدنية والسماح لها بحرية العمل السياسي.

وقال محمد عطية، منسق حملة “لا للأحزاب الدينية” في مصر إن غياب دور الأحزاب المدنية سمح بحرية تحرك الأحزاب الإسلامية، فحزب النور يحاول القيام بالدور الذي كانت تقوم به جماعة الإخوان، ويجعل شبح التيارات الإسلامية لا يزال موجودا.

13