هل يتوقع الإخوان تحرير الشيعة للموصل وتسليمها لهم
ظهر الأستاذ طارق الهاشمي قبل أسبوعين على برنامج “الذاكرة السياسية” في قناة العربية. وردّا على سؤال مهم لماذا بقيت في السلطة رغم اغتيال أخيك المهندس محمد الهاشمي، وبعدها اغتيال شقيقتك ميسون الهاشمي، وأخيرا اغتيال شقيقك الفريق أول ركن عامر الهاشمي؟ قال الهاشمي إنه بقي في منصب الأمين العام للحزب الإسلامي) الإخوان المسلمين) في العراق ومنصب نائب رئيس الجمهورية العراقي لأن معاناته الشخصية أقل من معاناة الناس الآخرين. وهذا جواب محيّر.
هل يضحّي الإنسان بجاذبية السلطة والمنصب إذا تم استهداف أهله وأقاربه؟ الإخواني الآخر سليم الجبوري مرتاح جدا لقمع أهله في محافظة ديالى، ولا يمكن أن يضحّي بمنصب رئيس البرلمان حتى لو تم محو مسقط رأسه من الوجود.
كانت سمة القرن السادس عشر هي التخلص من أفراد الأسرة لضمان الملك خصوصا في الدول المغولية والعثمانية والصفوية. حين اعتلى الشاه عباس الحكم مثلا لم يكن من أفراد أسرته سوى والده وأخويه وابني أخيه فأمر بحبسهم جميعا ثم سمل عيون الأمراء الأربعة وأعادهم إلى قلعة أَلَموت حيث توفوا فيها؟ أما أبوه فهو أصلا ضرير. كما قتل الشاه عباس ابنه الأكبر محمد باقر عام 1615، وحين اكتسب ابنه خدابندة شعبية بين القزلباش سمل عينيه لينتحر الفتى بالسم، ولم يبق سوى الابن الأخير مقلي الذي أمر الشاه عباس بسمل عينيه عام 1627. هذا هو تاريخ السلطان في الشرق “الملك عقيم”.
لو قال السيد طارق الهاشمي بأنه قد بقي في منصبه بسبب أوامر من تنظيم الإخوان ووعود من تركيا وقطر بالسلطان لكنا صدقناه، أما ما يقوله عن البقاء لأجل الشعب فلا أساس له من الصحة بالدليل التاريخي.
الهاشمي يقول إن إيران حرّضت السنة على مقاومة أميركا أو جعلت قتل الجنود الأميركان في المناطق السنية حصرا. طيب ماذا عن مواقف الشيخ حارث الضاري؟ هل هو إيراني أيضا؟ والبعث والنقشبندية إيرانيون؟
|
هل ننسى بطولاتنا بسهولة؟ أليست الفلوجة أذاقت المحتل الأميركي الويل والثبور؟ هل نسينا ملاحم المجاهدين السنة ضد الصليبيين؟ هل نسينا المقاومة الباسلة التي جعلت الأميركان يعودون إلى بلادهم معاقين جسديا ونفسيا؟ أحفاد عمر المختار وصلاح الدين وصدام حسين. هل نسينا الروافض حلفاء الصليب الخونة التاريخيين أحفاد ابن العلقمي الذين يطعنون الأمة الإسلامية من الخلف؟ كيف فجأة يتنكر الإخوان لكل كلامهم السابق ولا يريدون الآن لا أمة إسلامية ولا مقاومة بل يريدون ماما أميركا.
هذا الخطاب المضطرب والفاشل للسياسيين السنّة هو سبب بلائنا. نحن نعيش اليوم انفصال سنّة العراق النهائي عن كل السنّة في العالم. انفصال وجداني عميق وأبديّ، فقد تخلى الجميع عنهم ووقف معهم الشيعة.
في استجواب لجون كيري بالكونغرس 2014 بعد عودته من الشرق الأوسط بسبب ظهور داعش، قال له أعضاء الكونغرس هل وافقت أي دولة عربية على إرسال قوات على الأرض لقتال داعش؟ فقال: كلا. القوات التي على الأرض اليوم وحررت معظم الموصل هي قوات شيعة العراق.
جنرالات شيعة يحررون الموصل من داعش بتغطية إعلامية خاصة من الـ”بي بي سي”، والمواكب الحسينية تعمل كمنظمات إغاثة للنازحين، والسيد السيستاني خصص ميزانية لشباب الموصل.
عن وكالة رويترز قال قائد عسكري عراقي بارز يوم الخميس إن معظم قادة تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل قتلوا في معارك مع قوات الحكومة العراقية تستعر منذ ثلاثة أشهر في الجانب الشرقي من المدينة. وأبلغ الفريق الركن عبدالغني الأسدي رويترز أن استعادة الجانب الغربي من الموصل لن تكون أكثر صعوبة من تلك التي دارت في الجانب الشرقي.
كلما اقترب تحرير الموصل يقترب السؤال السياسي ما هي الفائدة السياسية لبغداد؟ السنّة يقولون الشيعة سلّموا مدينتهم لداعش وواجب عليهم استرجاعها، وحرس نينوى والنجيفي مفروضان على حكومة بغداد فرضا بأوامر من تركيا. والتعامل الحسن بسبب الرقابة الدولية والإعلام الأجنبي لأهمية الموصل. باختصار يقولون إن على الشيعة حمل جثث أبنائهم والعودة بها إلى النجف بعد التحرير، والمدينة يتسلمها حليف تركيا السيد النجيفي. هذا الكلام غير معقول برأيي. لا بد عند حكومة بغداد هدف سياسي كبير.
تأثرت كثيرا حين قام الدكتور بشار الجعفري مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بعرض صورة لجندي عراقي مسكين يجعل من جسده معبرا لسيدة عراقية مسنة في الأنبار. وحدثت فضيحة للدكتور الجعفري لأنه عرض الصورة مدعيا أنها في سوريا وأن الجندي سوري. لو كانت هناك صور كهذه لجندي سوري لما اضطر الجعفري إلى سرقة صورة جندي عراقي. الجنرال عبدالوهاب الساعدي احتضن طفلة من الموصل ترتجف من الخوف ضمها إليه بحنان أب حتى تغيرت ملامح وجهه.
مدينة الموصل فيها مليون ونصف مليون إنسان. كانت تحت حكم داعش لعامين ونصف العام.
فهل تحررها بغداد بالآلاف من القتلى وتسلمها للنجيفي؟ مَن سيقوم بالأمن والمخابرات والمداهمات والتحقيق والاعتقالات والسيطرات والتفتيش؟ خصوصا في السنة الأولى بعد التحرير؟ هل يُعقل أن تترك الحكومة كل ذلك؟ وماذا لو سقطت مرة أخرى بيد داعش؟
سنّة العراق تغيّروا كثيرا فقد عصرتهم المحنة. يقول لي رجل سنّي محترم من بغداد تسبب التعذيب بإصابته بعجز كلوي دائم يا أسعد، صحيح أن الأمم المتحدة قد أحصت 34 ألف قتيل بعد تفجير الإمامين العسكريين 2006 ورغم أن صور الجثث البغدادية مجهولة الهوية كانت في ذهنه. إلا أن الرجل يقول نحن “خرجنا بالوجه الأسود”. خلال الأيام الماضية أصدر السيد مقتدى الصدر بيانا على خلفية إعدام البحرين لإرهابيين شيعة ووصف حكومة البحرين بأنها “داعشية”.
سنّة العراق تعلموا الدرس وليسوا بحاجة لتحريض جديد من السيد طارق الهاشمي. الحكومة شيعية متحالفة مع إيران لإيران ونحن نازحون هاربون من داعش ترحمنا حكومتنا وتحمينا، ولا نستفيد شيئا من الإخوان المسلمين، بعضهم في الخارج يحرّض على إيران وبعضهم الذي في الداخل مثل رئيس البرلمان سليم الجبوري يعزّي السفير الإيراني بوفاة رفسنجاني قبل أن يتسلم السفير الإيراني الجديد مهامه.
شيعة العراق هيأوا أنفسهم جيدا لمرحلة الرئيس دونالد ترامب. إذا ضرب ترامب إيران فهم حلفاء الولايات المتحدة قبل إيران. وإذا شدد ترامب على الإرهاب السني فهم القوات التي هزمت داعش بمساعدة الأميركان. وأهم شيء أن الشيعة قاموا ببناء قوات عسكرية ضخمة يستطيعون حماية أنفسهم ومدنهم من أيّ تمرد إرهابي.
من المستبعد أن يدعم ترامب تحولا سياسيا لصالح السنّة في العراق. طائفة ذبحت خمسة آلاف جندي أميركي وقاومت الاحتلال، وخرج منها خليفة الدولة الإسلامية، وتم تفجير وذبح الأجانب باسمه في مدن غربية، لا يمكن أن تمنح أميركا السلطة لثقافة من هذا النوع، بينما شيعة العراق لا يشكلون خطرا على مصالح الغرب.
لسان حالنا يقول: حكومة شيعية عراقية اكتسبت خبرة مع الزمن أفضل من الإخوان المسلمين الذين أوصلونا بيدهم إلى داعش وهربوا.
كاتب عراقي