ورقة محمد مرسي دليل هوس المرزوقي

هوس بالسلطة ورغبة لا متناهية في الرئاسة دفعا المنصف المرزوقي إلى لعب كل أوراقه وتكتيكاته السياسية والاتصالية الساعية إلى لملمة أنصار من ورق يبدو أنه لا وجود لهم سوى في مخيلته أو في حساباته الخاطئة.
الأربعاء 2018/02/21
تعديل البوصلة مجددا على أنصار النهضة الغاضبين

يصح القول إن الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي مازال بعدُ لم يستسغ، أو بالأحرى لم يهضم، فكرة مفادها أنه في السياسة عادة ما يكون النسيان هو التدريب الحقيقي للخيال على احترام الواقع، ليقوم الرجل بالنقيض بإصراره على التأمّل في مرآة ماض قريب عكست وزوّقت له الواقع بطريقة مغلوطة الحساب، وخيّلت له باستمرار أن أكثر من مليون ناخب تونسي صوتوا لفائدته في الانتخابات الرئاسية السابقة في العام 2014 اقتناعا بسياساته وببرامجه، وليس بأمر فوقي من حركة النهضة الإسلامية.

ومنذ تأسيس مشروعه السياسي، حزب حراك تونس الإرادة، حاول المرزوقي وكابد ليلا ونهارا للملة جراح الانتخابات السابقة وأوجاع هزيمته التي لم تندمل بعد، ليتسلح بكل ما أوتي من قوة ولغة وخطاب وبأي طريقة كانت حالما بالعودة إلى قصر قرطاج (رمز السيادة والحكم في تونس).

هوس بالسلطة ورغبة لا متناهية في الرئاسة دفعا المنصف المرزوقي إلى لعب كل أوراقه وتكتيكاته السياسية والاتصالية الساعية إلى لملمة أنصار من ورق يبدو أنه لا وجود لهم سوى في مخيلته أو في حساباته الخاطئة.

المرزوقي يعلم منذ مغادرته سدة الحكم أنه وحزبه حراك تونس الإرادة، باتا معزولين في المشهد السياسي التونسي من قبل كل الأحزاب، معارضة وحكما، وخصوصا من حركة النهضة الإسلامية الواعية بمخططاته الحالمة للتموقع من جديد في الخارطة السياسية للبلاد عبر مساعيه للنهل من أنصارها.

وعلى نقيض النهضة التي تسعى مُكرهة إلى البرهنة على تفتحها وتطورها بترشيح مواطن تونسي يهودي ضمن قائماتها في الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في مايو المقبل، فضّل المزورقي مواصلة اللعب على أوراق الإسلام السياسي لاستمالة ومغازلة أنصار النهضة، وخاصة الغاضبين منهم ممّا تروجه هياكل الحزب الإسلامي عن الفصل بين الدعوي والسياسي.

ويحاول الرئيس السابق استغلال مأزق النهضة عبر تنويعه وإكثاره من تحركاته الداخلية والخارجية الهادفة إلى معاودة مغازلة مليون نهضوي صوتوا له في الانتخابات الرئاسية الماضية. وبعد أن تبجح سابقا بنشر صور جمعته بالرئيس السوداني عمر حسن البشير، أو بتمجيده النظام التركي والدفاع باستماتة عن رئيسه رجب طيب أردوغان غداة ما عرف بمحاولة الانقلاب في صائفة 2016، سرّع المرزوقي في نسق حملته الانتخابية المبكّرة بالمراهنة على ورقة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي والتي يبدو أنها زادت في تعميق تهيّؤاته وأوهامه.

وربما يصح القول أيضا إن المرزوقي الذي وجد نفسه معزولا في تونس وملاحقا من لعنة حكم الترويكا رفقة النهضة الإسلامية من 2011 إلى 2013 بات ظاهرة فيسبوكية تحاول الاستنجاد بكل طرق ووسائل وآليات الإقناع والاستقطاب لإنقاذ مستقبله السياسي.

غضب أنصار النهضة جعل الرئيس السابق يسرّع من خطواته الدعائية والانتخابية ويراكم تدويناته ونصوصه الفيسبوكية الممجدة للإسلام السياسي

وموازاة مع استعداده لخوض أول امتحان له ولشعبيته منذ مغادرته كرسي الحكم، وجد الرجل نفسه باقتراب الانتخابات البلدية في اختبار جديد وهام لقدرته على التعبئة كي يجوب البلاد شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، باحثا عن آليات قد يجد فيها ضالته أو عساها تعيد له فترة ما بعد ثورة يناير 2011 التي أهدته بلا عناء وبلا شقاء فرصة ترؤس البلاد نتيجة تلقيه هدية التزكية الثمينة من حركة النهضة الإسلامية.

ورغم إمعان زعيم حزب حراك تونس الإرادة في التلذّذ بتلك النشوة أو الغرور المتأتيين أساسا من تصويت أكثر من مليون مناصر لحركة النهضة الإسلامية لفائدته خلال الانتخابات الرئاسية الفارطة، بدا في الآن ذاته واعيا بحدود مربع تحركاته أو خطابات الاستقطاب لديه التي لا تخرج أبدا عن بوتقة المراهنة على مُتبني الإسلام السياسي والمدافعين عنه في تونس.

وحتّم سقوط قناع المدافع الشرس عن حقوق الإنسان وتلاشي رصيده الحقوقي بين 2011 و2013 على المرزوقي وجوب إدارك حقيقة ثابتة أن ملاذه الوحيد لتأمين مستقبله السياسي لا يمكن أن يكون خارج دوائر أنصار حركة النهضة الإسلامية، أو ما تبقى من المتحسّرين على فترة “الترويكا”.

وبعد فشله خلال الأسابيع القليلة الماضية في محاولات ترميم مكونات الترويكا بإعلانه أحادي الجانب أن حزبه حراك تونس الإرادة سيدخل الانتخابات البلدية بقائمات مشتركة مع حزبي التيار الديمقراطي والتكتل من أجل العمل والحريات (شريكين في حكومات الترويكا)، عدل المرزوقي مجددا بوصلته على أنصار النهضة الغاضبين مما يعتبرونه تنكر حركتهم لإرثها الفكري، ولأدبياتها المرجعية المستوحاة من فكر الإخوان المسلمين.

غضب أنصار النهضة جعل الرئيس السابق يسرّع من خطواته الدعائية والانتخابية ويراكم تدويناته ونصوصه الفيسبوكية الممجدة للإسلام السياسي ولقياداته الرمزية وفي مقدمتها الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الذي يحظى بشعبية كبيرة في صفوف أنصار النهضة، رغم محاولات قيادييها الظاهرية وفي مقدّمتهم الغنوشي التبرّؤ منه ومن الإخوان المسلمين.

وللولوج إلى غرضه المعلن نشر المرزوقي على صفحته الرسمية بفيسبوك صورتين للرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وأرفقهما بكل عبارات التحسّر والأسف على ما وصل إليه حال الإخواني المصري السجين من “تدهور صحي بفقدانه البصر والسمع” (وفق المرزوقي).

وبهذا الخطاب الأخير الموجه، لم يعد خافيا على أحد أن الرئيس التونسي السابق نزل بكامل ثقله قبل الانتخابات المرتقبة في محاولة لضرب عصفورين بحجر واحد. أولهما الإيهام بمعاودة ارتداء جبة المدافع الشرس عن حقوق الإنسان، وثانيهما الإبراق برسائل استقطابية لمن يعتبرهم في ذهنه من النهضة مرتدّين ومتمردين على راشد الغنوشي وسياساته، ولمن يعتقد أيضا أنهم صوتوا لفائدته سابقا اقتناعا به وببرامجه، وليس نتيجة حملة استقطاب ثنائية بين النهضة ونداء تونس في عام 2014.

ولتحقيق هدفه المنشود لم يكتف المرزوقي بنشر نصوصه المثيرة للجدل، بل أوغل خلال اجتماعاته الشعبية أو إطلالاته الإعلامية في توجيه سهام النقد إلى أصدقاء وشركاء الأمس من حركة النهضة في محاولة يبدو أنها الأخيرة لمغازلة ما يطلق على تسميتهم في تونس صلب الحزب الإسلامي بـ“الصقور” الرافضين لفصل الدعوي عن السياسي، وغير المقتنعين بتحالف حزبهم مع نداء تونس أو شخصيات من المنظومة القديمة، وخصوصا سليلي حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحلّ الذي حكم عبره الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي البلاد بقبضة من حديد.

ويبدو واضحا أن ما زاد في أوهام وهوس المرزوقي وحزبه الذي يعجّ بقيادات وقواعد إسلامية بإمكانية الاستحواذ على أنصار راشد الغنوشي هي سياسة اللامبالاة المنتهجة من قبل حركة النهضة الواثقة من أن الرئيس السابق يخوض حربا خاسرة، نتيجة إدراكها بشكل قطعي أن قواعدها، حمائم كانت أو صقورا، لا تتحرّك في الانتخابات أو في أي معترك سياسي إلا بأوامرها أو عبر إيماءة من الغنوشي.

9