هل سيرحل الجنود الأميركيون مرة ثانية من العراق؟

يبدو أن واشنطن تدرس بشكل عملي إدخال حلف الناتو في العراق على غرار ما قامت به في أفغانستان وهناك ترحيب لدى مسؤولي الناتو بهذه المهمة.
الأربعاء 2018/02/14
ما جدوى الوجود العسكري الأميركي

دخل الجنود الأميركان الأراضي العراقية محتلين في العشرين من مارس 2003 من دون تفويض دولي أو عراقي شعبي. تم هذا الاحتلال العسكري بمباركة بعض فصائل “المعارضة العراقية” التي اتخذت من طهران ودمشق ولندن مقارّا لها وحتى تلك الأحزاب والمنظمات الشيعية، وفي مقدمتها حزب الدعوة، التي كانت تدعي علنا أنها ضد الغزو الأميركي رحبت بهذا الاحتلال وخدمت أغراضه وأهدافه.

قصة الفظائع التي ارتكبتها القوات الأميركية بحق شعب العراق لا تعدّ ولا تُحصى، أبشعها ما أعلنته الجهات الأميركية ذاتها من تفاصيل حول جريمة تعذيب الأسرى العراقيين في معتقل أبوغريب عام 2004 ولم تفضحها جهات عراقية رسمية أو حزبية. كما نشرت وثائق عام 2013 أشارت إلى أن مستشارين بالجيش الأميركي تورّطوا في انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها قوات خاصة في الشرطة العراقية، والتي أنشأت شبكة لمراكز تعذيب في عراق ما بعد الحرب.

وحدّد التقرير الصادر عن صحيفة الغارديان البريطانية المستشارين بالاسم وهما: الكولونيل المتقاعد جيمس ستيل، وهو أحد المحاربين القدامى للقوات الخاصة، والكولونيل جيمس إتش كوفمان. لم تقابل الانتهاكات الأميركية من الأحزاب الحاكمة بالرفض أو التنديد، لكن كانت هناك مقاومة شعبية عامة.

ومنذ عام 2008 جرت مفاوضات بين حكومة المالكي وقيادة الاحتلال الأميركي على الانسحاب من العراق في نهاية عام 2011. وتم عقد اتفاقية أمنية عراقية أميركية كانت المرجعية التي عادت بموجبها القوات الأميركية إلى العراق في يونيو 2014 مع حشد دولي قادته واشنطن لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.

حصل انقسام داخل الولايات المتحدة حول جدوى الوجود العسكري والأهداف المتوخاة من ذلك الوجود لتلبية متطلبات الإستراتيجية الأميركية في المنطقة والتي اهتزّت بسبب نتائج سياسة بوش الابن تجاه العراق. فشل الأميركيون وتركوا بعد عام 2011 العراق فريسة للصراعات الإثنية والعرقية. واستفادت الأحزاب الحاكمة كما استفادت طهران من ذلك الفشل.

رغم ذلك عادت القوات الأميركية للعراق عام 2014 في ظل حكومة باراك أوباما الذي عارض بقاء القوات الأميركية وقرّر ترحيلها، لكنه اضطر ذلك لحماية المصالح الأمنية الأميركية الكبرى.

بغداد كانت محتاجة إلى العودة العسكرية الأميركية وطهران لم تعارض ذلك، وحتى تشكيلات الحشد الشعبي استفادت من الاستشارات القيادية في المعارك الصعبة، وبالمقابل كانت القوات الأميركية تقدم المظلة والحماية لقوات الحشد الشعبي في معارك بمناطق متعددة في صلاح الدين ثم في معركة الموصل الحاسمة.

استفاد رئيس الوزراء حيدر العبادي من وجود القوات الأميركية رغم الأصوات التي تنطلق من هنا وهناك للضغط عليه لكي يخفف من اعتماده على الأميركان لأن ذلك لا يريح طهران على مستوى المستقبل السياسي للعراق، وسط أحاديث تحاول اتهام العبادي بميوله الأميركية، لكن حصاد الحقل ليس كحصاد البيدر مثلما يقول المثل، فالانتصارات العسكرية الفعلية حققتها القوات الأميركية الجوية في ظل غياب للسلاح الجوي العراقي، ومعروف ما حققته الضربات الجوية في تهديم الموصل، والتي لم يتم طرد داعش منها إلا بعد هدمها على رؤوس أهلها. ولكي يتخلص العبادي من عبء الضغوط السياسية الصادرة من قيادات الحشد ومن خلفهم إيران، سعى إلى عقد مباحثات مع الأميركان لخروج بعض قواتهم من العراق مع إبقاء القوة الجوية الأميركية في العراق لأنه يعلم أن سماء العراق لم تخل من الأميركان منذ عام 2003 ولحد اليوم.

ورغم نهاية داعش، لكن هناك فعاليات عسكرية داعشية ما زالت في مناطق مختلفة غرب الأنبار وفي كركوك. قصة إنهاء المهمة الثانية للقوات الأميركية بعد مهمة القضاء على نظام صدام والاستيطان في العراق لثماني سنوات، تحوم حولها الكثير من الشكوك في ظل السيناريوهات والتوظيفات والتسريبات والأخبار المتناقضة. فالقيادات الشيعية أرادت الأميركان واحتضنت قواتهم ما بين عامي 2003 و2011، وذلك لم يزعج طهران، لكن اليوم مع الإعلانات الوهمية للرئيس دونالد ترامب بتقليص النفوذ الإيراني في العراق يصبح الردّ الإيراني هو شنّ حملة تعبئة “شيعية” عراقية مضادة للوجود الأميركي.

وقبل أيام تسرّع مدير المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي في إعلان بدء الانسحاب بنسبة 60 بالمئة استنادا إلى أخبار صحافية لم تصدر من وزارة الدفاع الأميركية، بل إنّ المتحدث باسم وزارة الدفاع البنتاغون إيريك باهون قال إن “واشنطن لا تنوي سحب أي جندي أميركي من العراق في المدى القريب”، مضيفا أن “البنتاغون متفق مع حكومة بغداد على تحويل مهمات القوات الأميركية إلى عمليات تركز على تدريب وحدات الجيش العراقي، ورفع جاهزيتها وقدراتها على محاربة الإرهاب”.

على النقيض من التصريحات العراقية الرسمية نقلت مصادر صحافية عراقية أن حركة القوات الأميركية في البلاد تشير إلى البقاء وقتا أطول مما تعتقده الدوائر السياسية في العراق. وتقول لجنة الأمن في البرلمان إن البلاد مازالت في حاجة إلى الدعم الأميركي في مجالات الاستخبارات والتدريب.

وبحسب البنتاغون، هناك 5262 عنصرا من القوات الأميركية في العراق قد يرحّل منهم عدد لا يتجاوز 1500 جندي.

لكن قوى الحشد الشعبي تعلن رفضها للوجود الأميركي بشكل قاطع حيث ترى أن البلاد مكتفية بما لديها من قوات وخبرة اكتسبتها في المعارك ضد داعش.

ويبدو أن واشنطن تدرس بشكل عملي إدخال حلف الناتو في العراق على غرار ما قامت به في أفغانستان وهناك ترحيب لدى مسؤولي الناتو بهذه المهمة الطويلة القائمة على المراقبة والتدريب. وتذكر الأنباء إن هناك مؤتمرا سيعقد قريبا لهذا الغرض وسط ترحيب من حيدر العبادي الحالم بولاية ثانية.

في ديسمبر عام 2011 لم يعلن تحرير العراق من المحتلين الأميركان بعد أن أعلنوا هم أمام العالم بأنهم محتلين، ولم يعلن سياسيو الحكم في بغداد أنهم حرروا بلادهم. تم إبقاء بضعة آلاف من المقاتلين بصفات استشارية وأمنية إلى جانب وجود أكثر من 15 ألف موظف داخل السفارة الأميركية ببغداد. واليوم يجري الحديث عن إبقاء 4 آلاف من المجموع الكلّي المعلن رسميا 5500 كمستشارين ورجال أمن. فهل هذا هو التحرير الثاني للعراق؟

6