عودة الجماهير.. قرار تائه في الشارع الكروي المصري

القاهرة- ملّ عشاق الكرة في مصر من كثرة الحديث عن عودة الجمهور إلى الملاعب مرة أخرى، وتنفست الجماهير الصعداء بعد قرار اتحاد الكرة بحضور 400 مشجع للفريق صاحب الملعب و300 للفريق الضيف، خلال المباريات المتبقية للدور الثاني من بطولة الدوري المحلي الممتاز.
وما هي إلا أربعة أيام مرت على اتخاذ القرار حتى أرسل اتحاد الكرة خطابا رسميا إلى أندية الدوري الممتاز لإعلامهم بالتأجيل لدواع أمنية، ويبقى الوضع كما هو باستمرار حضور 75 فردا من مجالس وأعضاء الأندية فقط، وبالتالي لا يجب على أي مسؤول في اتحاد الكرة الإعلان عن عودة الجماهير، إلا بعد الاتفاق النهائي مع الجهات الأمنية، واتخاذ كافة الترتيبات، لا سيما أنه وفقا للجهات الأمنية لا تزال هناك ملاعب تفتقد إلى شروط الأمان المتفق عليها.
وبرر عضو اتحاد الكرة عصام عبدالفتاح ذلك قائلا “إن المباريات المتبقية في بطولة كأس مصرستشهد عودة حقيقية للجماهير”، وأوضح لـ”العرب” أنه لم يُتخذ قرار نهائي بشأن عودة الجماهير إلى مباريات الدوري، وأن الجلسة التي عقدها الاتحاد مع مسؤولي الأندية قبل عدة أيام كانت بشأن عودة الجماهير لمباريات الكأس.
مدرب فريق بتروجت طارق يحيى يرى أن عودة الجماهير لن تكون سهلة، ولا بد أن يكون اتحاد الكرة أقوى من الأندية
ولفت إلى أن البداية ستكون من المواجهة الوحيدة المتبقية في دور الستة عشر، والتي ستجمع بين فريقي الأهلي والداخلية، وألمح إلى أن الحضور الجماهيري سيكون وفقا لنسبة محددة تتناسب مع سعة كل ملعب.
ومن المعلوم للجميع أن قرار منع حضور الجماهير للمباريات جاء منذ ستة أعوام على خلفية كارثة مأساوية، بسبب أحداث شغب أعقبت مباراة للأهلي والمصري على ملعب الأخير (استاد بورسعيد) بالدوري المحلي، وراح ضحيتها نحو 74 فردا من جماهير الأهلي، وتوالت بعدها أحداث الشغب سواء الفردية أو الجماعية.
أفعال غير متوقعة
لا ينكر أحد أن بعض الجماهير هي السبب الحقيقي وراء تردد المسؤولين في اتخاذ قرار جاد، وجاء بعضهم بأفعال كارثية غير متوقعة في مباريات الفرق المصرية بالبطولات القارية، كان آخرها ما حدث من جماهير الزمالك عقب تعادل فريقها أمام أهلي طرابلس الليبي، في دور الستة عشر بدوري الأبطال في نسخته الماضية، حيث قامت الجماهير بتحطيم مدرجات استاد برج العرب.
لكن إذا كان الشغب يحدث في كافة الملاعب العربية والأوروبية، فإن تنفيذ القانون يحول دون تكرار ذلك، وتراهن بعض الدول الكبرى على أمانها واستقرارها من خلال قدرتها على تنظيم مناسبات رياضية، وهو ما حدث في فرنسا حين أصرت قياداتها الأمنية والسياسية على إقامة كأس الأمم الأوروبية 2016 في موعدها، وبعد أشهر قليلة من أحداث تفجير إرهابي وقع بالقرب من مسرح “باتكلان” الشهير في باريس. وحتى البطولة نفسها شهدت أعمال شغب دموية وقعت بين مشجعي منتخبي إنكلترا وروسيا، في مدينة مارسيليا وتعاملت قوات الأمن الفرنسية مع الوضع بشدة وحزم، ونقلت كاميرات التلفزيون مشاهد عدة لرجال الشرطة الفرنسية، في أثناء فض الاشتباكات مستخدمين العصي.
أما في مصر فهناك من يسكبون الزيت على النار، وإذا التقطت الكاميرات مشهدا لأحد رجال الأمن وهو يتعامل بقسوة مع مثيري الشغب، قامت الدنيا ولم تقعد، ونادى هؤلاء بتدخل منظمات حقوق الإنسان، لكن ذلك لا يمنع الاعتراف بأن الاحتقان المعروف بين رجال الأمن وروابط المشجعين، سببه المعاملة السيئة التي يلقاها الشباب في المدرجات، وقد تصل إلى حد تفتيشهم.
البطولة نفسها شهدت أعمال شغب دموية وقعت بين مشجعي منتخبي إنكلترا وروسيا، في مدينة مارسيليا وتعاملت قوات الأمن الفرنسية مع الوضع بشدة وحزم
ويبدو أن ما تمر به مصر الآن من أوضاع بسبب الحرب الدائرة ضد الجماعات الإرهابية في سيناء وبعض المناطق الأخرى، ناهيك عن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في مارس المقبل، قد يرجئ عودة الجماهير خشية تسلل مخربين، قد يأتون بأفعال تحوّل المباراة الرياضية إلى مأتم.
وبعيدا عن الحسابات الأمنية، فإن بعض الأندية المصرية رفضت من قبل عودة الجماهير إلى المدرجات مع بداية الدوري الثاني من مسابقة الدوري الممتاز، لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، وهي الرغبة التي نقلها اتحاد الكرة إلى الجهات الأمنية، وهو سبب آخر يمنع مسؤولي الاتحاد من الإفصاح عن القرار الذي نقلته وسائل الإعلام المصرية قبل أيام.
أندية ترفض
رفضت بعض الأندية غير الجماهيرية، منها الأسيوطي والإنتاج الحربي، قرار عودة الجماهير معللة ذلك بأنه لا يعقل مواجهة فريق مثل الأهلي أو الزمالك أو الإسماعيلي دون جمهور في مباريات الذهاب بالدور الأول، ثم تقام مواجهة العودة بحضور جماهيري، ولم تعترض هذه الأندية على قرار العودة مع بداية الموسم الجديد، وبضوابط معينة تخطر بها الجميع قبل انطلاق المسابقة. ويرى المدير الفني لفريق بتروجت طارق يحيى أن عودة الجماهير لن تكون بالسهولة التي يتوقعها البعض، ولا بد أن يكون اتحاد الكرة أقوى من الأندية، بحيث يضع العقوبات المناسبة للحد من الشغب، ويتم تطبيقها على كل فرد في المنظومة دون التفرقة بين ناد كبير وآخر صغير. وشدد على ضرورة تطبيق دوري المحترفين، وتكون هناك لجنة من خارج اتحاد الكرة لإدارة مسابقتي الدوري والكأس، مثلما يحدث فى الدوري السعودي، أما غير ذلك فإن الوضع حاليا لا يسمح بعودة الجماهير.
ويعتقد كثيرون أن قرار اتحاد الكرة هذه المرة سيكون إلزاميا، لا سيما مع تقنين عقوبات مغلظة على المشاغبين، منعا لتكرار الكوارث التي شهدتها الملاعب من قبل، كخطوة أولى نحو اتخاذ القرار
النهائي بعودة الجماهير بصورة طبيعية، خصوصا وأن رئيس اتحاد الكرة هاني أبوريدة اتفق مع رؤساء الأندية على المشاركة في وضع ميثاق ملزم لجميع الأطراف، وتطبيق العقوبات على المشاغبين تقضي بمنع الجماهير من حضور المباريات لمدة 5 لقاءات، وفي حالة تكرار الشغب يتم منعها حتى نهاية الموسم، وقد يصل الأمر إلى عقوبات جنائية.