70 ثانية من الحرية

الأربعاء 2015/10/28

تلك الـ70 ثانية التي انطلق بها ذلك الشاب الفلسطيني اليافع ذو الـ17 سنة في حملة طعن بسكين ضد جنود الاحتلال الصهيوني، هي زمن الحرية الوحيد التي حظي به في حياته.

باقي حياته قضاها مكبّل الجسد والروح حتى أحلامه تدور في دائرة صغيرة متواضعة. عكس أحلام باقي الشباب في سنه التي ليست لها حدود. في ذهابه وإيابه توقفه نقاط تفتيش، هذا يهينه وذلك ينهره وآخر يمسك به من (قفا) قميصه بطريقة مهينة ويركله بقدمه أمام كل كاميرات العالم.

يعيش في سجن صغير مقطّع إلى عشرات الأجزاء لا يستطيع التحرك عدة أمتار خارجه وإلا كان رصاص قوات الاحتلال له بالمرصاد.

اكتشف عن طريق ثورة الإنترنت وفوران وسائل التواصل الاجتماعي أن هناك عالما جميلا وحياة أجمل خارج أسوار سجنه الصغير. تعرف على بشر كثيرين وتخاطب معهم وأخبروه عن حياة كريمة عزيزة يعيشونها في أوطانهم. يعبرون عن آرائهم بكل حرية، ويعارضون أنظمتهم دون قمع بغاز مسيل للدموع أو برصاص مطاطي.

أوطان مستقلة وشعوب حرة. وكلهم بشر مثله فبدأ السؤال يقتله لماذا وطني محروم من الاستقلال ولماذا أنا محروم من الحرية؟ وبأي حق يقف ذلك الأجنبي الذي أتى من كل أصقاع العالم سواء من أدغال أفريقيا أو حواري أوروبا ليتحكم في حياتي ويذلني بهذه الطريقة؟

شعب صغير تتآكل أراضيه كل يوم، وتصغر المساحة التي يحق له العيش فيها كل يوم أمام أنظار العالم كله، ولا أحد يحرك شعرة. يريدون تحويله إلى شعب يعيش ويموت في كانتونات صغيرة. حتى هذه الكانتونات قد لا تسلم من السلب والاحتلال وهدم بيوتها وتهجير ساكنيها بل وإبعادهم خارج فلسطين، كما حدث عدة مرات في سابقة دولية شاذة حينما أبعدت إسرائيل بعض الفلسطينيين إلى لبنان.

حالة بشعة لم تتكرر في تاريخ الإنسانية. احتلال يمزّق وطنا صغيرا ويلتهم أجزاء منه كل فترة ليعطيها إلى أجانب أتوا من الخارج ويذيق أبناءه شتى أنواع الاستفزاز والإهانة.

لهذا السبب فإن ذلك الشاب الصغير لم يذق طعم الحرية والعزة والكرامة إلا في آخر 70 ثانية من حياته.

نقطة أخيرة: لن يحرر فلسطين غير أهلها.

كاتب كويتي

9