يومان تعيسان في حياتي الفقيرة
لو لَم يشنّ الخمينيّ حربه على جاره المضياف العراق في الرابع من سبتمبر وثمانينات القرن الفائت، بذريعة وخرافة وكذبة تصدير الثورة وتحرير القدس بعد تحرير بغداد، لَما قام صدام حسين بغزوة الكويت في اليوم الأسود المسخّم وبفجرية الثاني من أغسطس اللهّاب من سنة الرمادة وكسران الظهر ألف وتسعمئة وتسعين.
يا إلهي وإله الكون، لو لم أر هذين اليومين المشؤومين مثل وجه بومة سقطتْ بحبّ غراب أسود، لعبرتُ ظهرية الغد من كرخ بغداد اللذيذة وحيث تأكل قدماي ربع جسر باب المعظّم، سيكون بمقدوري رمي أولى النظرات فوق ضريح الخضر، وصناعة منظرٍ رحيم سيحدث بباب المساء، حيث النسوة الأمهات والزوجات والأخوات والحبيبات المكفهرات المجروحات، ينطرن جنديا مسافرا كنَّ طششنَ الماء المبارك خلفهُ وهو مسافرٌ لا يدري بأيّ أرضٍ سيموت.
كنتُ سأهبط برصافتها قاطعا بناية الدفاع التراثية والمكتبة الوطنية المحروسة بتمثال المتنبي، وكراج باصات ساحة الميدان الحمر التي أشهرها باص رقم إثنين وثلاثة وأربعة، وصولا آمنا غانما إلى مقهى حجّي خليل أبو سعد، وهناك سيبدأ الرجل الملكيّ البديع بتشغيل أسطوانات محمد الكبنجي ويوسف عمر وحسن خيوكة وحمزة السعداوي وعبدالرحمن خضر في رائعته المطلعها يتوسّل وينحب: أستودعُ الله في بغدادَ لي قمراً، في الكرخِ من فلكِ الأزرارِ مطلعهُ، بعدها سيعلّمني الحجّي الأستاذ أولى دروس كشف اسم المقام.
أويلي وأويلاه وواويلتاه على قلبي لو لم يقعْ ما وقع، لكنتُ غداً على ميعاد غداء طيّب يتنزلُ من يمين وشمال النادل العازف بصوتِ الحساب زاير السمين بمطعم كباب وشاورما الإخلاص بحلق شارع المتنبيّ، على مقربة شمرة عصا من صوت نعيم الشطريّ وهو ينادي ويدوزن حنجرتهُ المريحة على بيع تلٍّ عتيق من كتب المفلسين المتحسّرين.