وهم أم حقيقة تراجع إيران عن غطرستها النووية

العزلة الدبلوماسية ترغم طهران على العودة للتفاوض بشأن برنامجها النووي.
السبت 2020/08/29
العقوبات تخنق النظام الإيراني

لندن - منذ وقت طويل يقول منتقدو حملة العقوبات التي تفرضها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران، إن الجمهورية الإسلامية منيعة بالنسبة للضغط. ولكن هذا الزعم لم يكن له أي أساس قوي على الإطلاق. إذ أن العزلة الدبلوماسية نتيجة فترة الضغط الطويلة، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي أصابت إيران بالشلل، أرغمت حكام طهران على بدء المفاوضات التي أدت إلى إبرام الاتفاق النووي عام 2015.

وذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء في تقرير لها الجمعة، أنه كان هناك دليل آخر مؤخرا على قابلية خضوع إيران للضغط عندما تعهد النظام الإيراني بتوسيع نطاق تعاونه مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد جاء هذا التعهد مباشرة بعد أن انتقدت الوكالة إيران لعدم سماحها بدخول موقعين يعتقد أنهما شهدا نشاطا نوويا في السابق.

والأربعاء الماضي وأثناء زيارة قام بها لطهران، قال رافائيل ماريانو غروسي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن النظام الإيراني وافق على السماح للمفتشين بتفقد الموقعين. ولم يذكر بيان مشترك موعد قيام المفتشين بهذه المهمة، لكنه ذكر أنه تم الاتفاق على تواريخ محددة.

وأتاح البيان لإيران فرصة الزعم بأنها سَمحت بتفقد الموقعين “طواعية”. ويبدو أن غروسى مال إلى عدم إثارة بعض تصرفات إيران التي كانت أكثر غموضا أثناء عمليات التفتيش السابقة. ففي أكتوبر الماضي زعمت إيران بصورة غريبة أن أحد مفتشي الوكالة حاول تهريب متفجرات إلى داخل منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز. لكن غروسى يحتفظ رغم ذلك بحق إثارة هذا الموضوع في أي وقت من الأوقات.

ومن ناحية أخرى لم يتضمن البيان المشترك ذكر أي مطالب من إيران تقدمت بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال غروسي في حديثه للصحافيين لدى عودته من طهران “إنه كان يمكنه تخيل تقديم مطالب جديدة إذا كان تم تقديمها مصحوبة بالمزيد من المعلومات عن نشاط مشكوك فيه”.

ومن الممكن أن تصل هذه المعلومات من المفتشين، أو ما تكشفه أجهزة المخابرات الأجنبية، ومن أبرزها أجهزة الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تتابع عن كثب البرنامج النووي الإيراني.

وأكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن الاتفاق مع الوكالة أوضح أن “إيران على استعداد كما كانت دائما للتعاون عن كثب مع الوكالة في إطار الضمانات”. وهذا التفسير موجه لمجلس الأمن الدولي، حيث تسعى إدارة ترامب جاهدة لإعادة فرض عقوبات ما قبل اتفاق عام 2015.

حتى البرنامج النووي الأكثر أهمية بالنسبة للنظام الإيراني أثبت أنه عرضة للتخريب، ويشهد على ذلك انفجار منشأة نطنز

ويأمل روحاني في أن تستغل الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني تعاون طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتعزيز موقفها ضد ما يسمى بآلية “سناب باك”، أي العودة للوضع السابق.

لكنّ المراقبين الحذرين سوف يدركون أن إيران كانت مرغمة على هذا التعاون. وأوضح غروسي نفسه أن ما تم إعلانه كان “نتيجة حوار ممنهج اتسم بعدم التساهل”، وهو يعني بطريقة دبلوماسية أنه كان حوارا صعبا.

ولا شك أن إدارة ترامب سوف تفسر هذه النتيجة كحجة لإبقاء النظام الإيراني في حالة تقييد اقتصادي ودبلوماسي. وإذا ما لم تنجح جهود إعادة فرض العقوبات الدولية، وهو الأمر المتوقع، من المرجح أن تقوم الولايات المتحدة بتشديد عقوباتها التي تهدف إلى معاقبة الشركات والأفراد الذين يسعون لممارسة نشاط تجاري مع إيران.

ومنذ وقت طويل قبل جائحة كورونا، عرقلت العقوبات الأميركية الاقتصاد الإيراني؛ وأدت أزمة فايروس كورونا إلى تفاقم المعاناة.

وتقترب حصيلة الوفيات الرسمية من 20 ألف حالة وفاة، ولكن يعتقد أن الرقم الحقيقي هو ثلاثة أضعاف هذا العدد. ولا يمكن حتى لأي فقاعة في سوق الأسهم الإيرانية إخفاء الكآبة التي تعاني منها إيران.

والآن، فإن سعيد لايلاز وهو خبير اقتصاد بارز في طهران زعَم قبل عام مضى أن الاقتصاد الإيراني بدأ “يستقر”، يُقر بأن إيران لم تتعرض لمثل هذا الكم الهائل من الضغط منذ غزو المغول في القرن الثالث عشر.

وحتى البرنامج النووي الأكثر أهمية وقيمة بالنسبة للنظام الإيراني أثبت أنه عرضة للتخريب، ويشهد على ذلك الانفجار الذي وقع في منشأة نطنز الشهر الماضي. ولا شك أن غروسي ومفتشيه كانوا يودون إلقاء نظرة أكثر قربا هناك.

وسوف تبذل إيران كل جهدها لاستغلال الاتفاق الجديد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كوسيلة للحصول على بعض الارتياح. ولكن لا يمكن إخفاء حقيقة أن الجمهورية الإسلامية واقعة تحت الضغط.

7