ولاية رئاسية جديدة مليئة بالمطبات أمام أردوغان

تحديات أخرى على الصعيد الخارجي تنتظر أردوغان الذي سيجد نفسه مضطرا إلى ترك سياسة مسك العصا من المنتصف واللعب على الحبلين أمام إصرار الغرب على حسم موضوع انضمام السويد إلى الناتو.
الأربعاء 2023/05/31
ولاية ثقيلة بثقل التحديات الاقتصادية

انتهت الانتخابات التركية دون مفاجآت وكان انتصار رجب طيب أردوغان فيها محسوما قبل بداية جولة الإعادة بينه وبين كمال قليجدار أوغلو، لاعتبارات عديدة نذكر منها الحصار الإعلامي الذي مارسته السلطة على كل من يغرد خارج السرب منذ أن بدأ عهد ما بعد الانقلاب في تركيا، وعاد النظام التركي إلى استعمال أساليب الأنظمة الدكتاتورية في الحفاظ على الحكم من خلال فرض حصار على المشهد الإعلامي وعلى أي مؤسسة إعلامية في تركيا لا تسبّح بحمد سلطة أردوغان، لتطوع بذلك دور السلطة الرابعة وتضعف فرص المعارضين في الاستقطاب من خلال الأداة الكلاسيكية الأكثر تأثيرا في معارك الانتخابات. يكفي فقط أن نذكّر بأن تركيا تحتل المرتبة 149 من أصل 180 في تصنيف حرية الصحافة لنفهم أن أوغلو خسر الحرب بخسارته معركة الإعلام التي كانت توحي منذ البداية بأن الكفة كانت في صالح أردوغان قبل ساعة الحسم بأيام.

انتخابات 2023 التي حسمت في الجولة الثانية لصالح أردوغان بفارق 4.2 في المئة عن منافسه قليجدار أوغلو تؤكد أن النجاح فيها لم يكن بالأمر السهل تماما كما كان في انتخابات 2018 عندما حسمت من الجولة الأولى بفارق واسع وكسب 52 في المئة من الأصوات مقابل 30 في المئة حصل عليها منافسه الرئيسي محرم إينجه، ربما يكون العامل الاقتصادي سببا مباشرا في تعذر حسم الانتخابات في دورها الأول هذه المرة ولكن حصول قليجدار أوغلو على نسبة معتبرة من الأصوات في الدور الثاني لا يمكن أن يجعلنا نتجاهل أن ثمة رغبة في التغيير عبرت عنها شريحة معتبرة من المجتمع التركي قريبة جدا من عدد الأصوات التي قادت أردوغان إلى الفوز.

أردوغان الذي سيكمل العقد السابع من العمر في فبراير القادم، سيجد نفسه أمام تحديات اقتصادية كبيرة أبرزها مكافحة التضخم الذي حاولت الحكومة أن تضع على معدلاته مساحيق التجميل تمهيدا لانتخابات الرئاسة. ولكن في الواقع لن تصمد السياسات الحكومية قصيرة الأمد في ظل الحالة الاقتصادية العالمية وديناميكيات سوق النفط الناتجة عن التوترات الجيوسياسية، وهو كلام تؤكده وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني التي وصفت السياسات التي نفّذتها الدولة لتحقيق مستويات عالية من النمو الاقتصادي والتوظيف قبل الانتخابات بأنها ليست مناسبة للتعافي الدائم.

◙ بما أن الدستور التركي المعدل في 2017 يمنع ترشح الشخص لمنصب الرئاسة أكثر من دورتين كما أن عمر أردوغان وحالته الصحية التي يكتنفها الغموض لن يسمحا له بتعديل جديد يفتح له الباب للمنافسة مجددا

ومع استمرار انخفاض أسعار الفائدة وقيمة الليرة كنتيجة حتمية للسياسات النقدية التي لا مناص منها، فإن زيادة الأجور التي كانت ضمن جملة من الوعود الانتخابية لن يكون لها أثر بالغ على القدرة الشرائية للأتراك، هذه التحديات الاقتصادية ستكون في نفس الوقت معركة سياسية مع المعارضة التي لم تستسلم بعد.

تحديات أخرى على الصعيد الخارجي تنتظر أردوغان الذي سيجد نفسه مضطرا إلى ترك سياسة مسك العصا من المنتصف واللعب على الحبلين، أمام إصرار الغرب على حسم موضوع انضمام السويد إلى الناتو، خاصة بعد تصريح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايكل ماكول، الذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة تحصلت على تعهدات تركية بقبول عضوية السويد في الناتو بعد الانتخابات، سيكون أردوغان أمام معضلة حقيقية، فالاستمالة إلى معسكر الغرب مقابل تمرير صفقة طائرات أف – 16 تعني ضرب العلاقات الحيوية مع روسيا وخسارة إمدادات النفط الروسي التي تتدفق بسخاء مقابل استمرار تعطيل عضوية السويد في الناتو، وهنا سيحتاج أردوغان ذو الشخصية البراغماتية إلى التضحية بأحد الطرفين حسب ما تقتضيه مصالحه، أو محاولة الهروب إلى الأمام ريثما تتمخض انتخابات الولايات المتحدة الأميركية عن مشهد جديد وقيادة جديدة تبدي استعدادا لقبول تسوية سياسية مع روسيا في أوكرانيا، ومن ضمنها تجميد مقترح حصول السويد على عضوية الناتو.

ينتظر أن تكون قضية اللاجئين السوريين على رأس الملفات الإقليمية التي سيبدأ أردوغان ولايته الانتخابية بها، فبعد الحصول على توافق تركي – روسي – إيراني – سوري حول مسألة العودة الطوعية والآمنة لهم يتضح أن المياه الراكدة بين النظام السوري وأنقرة ستتحرك في اتجاه يفتح الباب لعلاقات جديدة بين الدولتين الجارتين.

صحيح أن وصول قليجدار أوغلو إلى السلطة كان بالإمكان أن يخدم النظام السوري أكثر بكثير من وصول أردوغان إلى السلطة، ولكن النظام السوري يلتقي مع أردوغان في موقفه من وحدات حماية الشعب الكردي وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” ولا يمانع في أن يكون تطبيع العلاقات مع تركيا فرصة لتطويق أحد أقوى التنظيمات المسلحة شريطة أن يكون التدخل العسكري التركي مشتركا مع الجيش النظامي وفي خدمة إنهاء خروج الأراضي السورية عن السيطرة وليس العكس، ومن باب أن أردوغان يعي بأن تخفيف عبء اللاجئين سيكون له أثر إيجابي على الصعيد الداخلي، وأن الملف السوري يفتح الباب لتقاطع المصالح مع السعودية خاصة وأن هذه الأخيرة هي التي قادت الإجماع العربي نحو إنهاء عزلة النظام السوري الدبلوماسية على الصعيد العربي.

لا نستبعد أن تكون الرياض هي الراعي لترتيبات لقاء رسمي بين بشار الأسد وأردوغان، ولا يجد هذا الأخير حرجا في تغيير موقفه من النظام السوري تماما كما غير مواقفه من النقيض إلى النقيض في مرات عديدة حسب ما تقتضيه كل مرحلة مع روسيا وأرمينيا والسعودية والإمارات وإسرائيل ومصر وتونس.

وبما أن الدستور التركي المعدل في 2017 يمنع ترشح الشخص لمنصب الرئاسة أكثر من دورتين كما أن عمر أردوغان وحالته الصحية التي يكتنفها الغموض لن يسمحا له بتعديل جديد يفتح له الباب للمنافسة مجددا، فإن هذه الولاية الثقيلة بثقل التحديات الاقتصادية لا شك أنها ستكون الأخيرة لأردوغان، أو ربما ستكون تمهيدا للخلافة التي ستفتح الباب لتوريث السلطة في تركيا، ومن يدري ربما ستعمر الأردوغانية طويلا مع أحمد براق أو نجم الدين بلال في الانتخابات الرئاسية القادمة. وإلى ذلك الحين نتمنى للشعب التركي الخير وللمعارضة التعلم من أخطائها لكي لا تفوت فرصة التغيير مجددا على الراغبين فيه من الأتراك.

9