وصفة "زياد" لدعم علاقات مصر بالخليج

هل وصلت وصفة زياد للمستثمر الخليجي وهل جرت قراءتها على الصورة الصحيحة وهل تشرع الحكومة المصرية في تحويل ما حوته من أفكار إلى واقع ونقل مضامينها من النطاق الإعلامي إلى العملي؟
الجمعة 2023/05/19
على القاهرة أن تتعامل مع الاستثمار الخارجي بجدية كافية

نادرا ما يتحدث الخبراء في مصر بدرجة عالية من الصراحة حول الأوضاع الاقتصادية في أيّ من المنابر الإعلامية المحسوبة على الحكومة أو القريبة منها، لاعتبارات تتعلق بتقديرات كل منهم، وعدم تقبل المنبر الذي يمكن أن يطلّوا منه للشفافية، والتي قد تفهم على أنها انتقادات واتهامات لأداء النظام الحاكم.

خرج عن هذه المعادلة الإعلامي خيري رمضان في برنامجه “حديث القاهرة” على قناة “القاهرة والناس” مؤخرا عندما أجرى حوارا مع زياد بهاءالدين وهو خبير اقتصادي وقانوني تولى منصب رئيس الهيئة العامة للاستثمار وشغل منصب وزير التعاون الدولي ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وأخذ الحوار منحى لافتا في رسم صورة لعيوب الاقتصاد وآليات معالجة الأزمة المستفحلة التي تمر بها البلاد.

جاءت المفاجأة من أن الحوار الساخن أذيع على قناة شبه رسمية وحفل بالكثير من الانتقادات الحادة والناعمة لأداء المجموعة الاقتصادية في الحكومة المصرية وسبل تجاوزها. والأهم أنه عرّج على قضية يتعمد الكثيرون عدم الوقوف عندها وهي المشاكل التي تواجهها الاستثمارات الخليجية في مصر.

◙ وصفة زياد تضمنت محددات يمكن أن تزيل ما حدث من التباسات اقتصادية الفترة الماضية، وتعيد تصويب المسار الاستثماري الذي تحتاجه مصر

أعتقد أن هذه المسألة هي “الماستر سين” في الحوار كله، كما يطلق عليه أهل الفن، أي الزاوية المطلوب التركيز عليها والرسالة المرجوّ وصولها إلى من يهمهم الأمر في مصر والخليج، لأن بهاءالدين تحدث عن ملف شائك ومسكوت عنه كثيرا بقفاز من حرير، ووصل إلى جوهر ما يعوق إصلاحه، حيث وفرت قراءة الرجل، المعروف عنه الهدوء والجدية والنزاهة والصرامة، جزءا مهما من الموقف الخليجي العام.

ويكمن هذا الموقف في ضرورة أن تستوعب القاهرة وجود نمط جديد من العقلية الخليجية في التعامل مع الكثير من القضايا الحيوية، من دون تفقد حظوتها السابقة، لأن مخزونها الثقافي وقوتها الإستراتيجية التي لا يستهان بها يمكّنانها من الحفاظ على علاقة وثيقة إذا راعت التحولات الجديدة.

وعليها أن تتعامل مع الاستثمار الخارجي بجدية كافية وعقلية اقتصادية بحتة، وهو ما سوف يمنحها أولوية لدى المستثمر الخليجي الذي تغيّر نمط تفكيره ويحتاج إلى قاعدة بيانات واضحة وخطوات محددة حول المشروعات التي يمكن أن يشارك فيها.

بدا حوار زياد بهاءالدين كأنه جرى خصيصا لطمأنة الدول الخليجية الراغبة في مواصلة الاستثمار على الأراضي المصرية، وكانت الصراحة التي تحدث بها مقصودة شكلا ومضمونا، فهو لديه خبرة كبيرة في مجال الاستثمار ومكافحة الفساد والرقابة المالية، ما يمكن اعتباره مبررا ليتولى منصبا وزاريا مهما، قد يرقى إلى رئيس الحكومة، فمن أبرز الانتقادات التي وجهت لها مؤخرا أنها في حاجة إلى إدارة اقتصادية تعي التطورات العالمية وتتعامل بشفافية وتؤمن بأهمية توفير بيئة جاذبة للاستثمار.

◙ زياد بهاءالدين لديه خبرة كبيرة في مجال الاستثمار ومكافحة الفساد والرقابة المالية، ما يمكن اعتباره مبررا ليتولى منصبا وزاريا مهما
زياد بهاءالدين لديه خبرة كبيرة في مجال الاستثمار ومكافحة الفساد والرقابة المالية، ما يمكن اعتباره مبررا ليتولى منصبا وزاريا مهما

لا أعلم هل الحوار وتوقيته كان الهدف منهما توصيل هذه الرسالة وطمأنة الخليجيين أم لا؟ لكن النتيجة التي يخرج بها المراقب للحالة المصرية سيعتقد على الفور في وجود هذه الرسالة بين السطور، خاصة أن زياد من الشخصيات التي تتمتع بسمعة جيدة لدى مستثمرين خليجيين وله سابق خبرة اقتصادية كبيرة في كل المجالات التي لها علاقة بالاستثمار والرقابة ومكافحة الفساد، وحقق نجاحات في كلّ منها.

يحتاج المستثمر الخليجي الراغب في توسيع استثماراته بمصر أو الدخول إليها لأول مرة، هذا النوع من الشخصيات العاقلة التي لديها ذخيرة اقتصادية في صميم ما يريده الخليجيون من الحكومة المصرية.

وقد تحدث زياد في الحوار المشار إليه عن معوقات عديدة في الأداء الاقتصادي المصري، وطالب بالتخلص منها، واعترف صراحة بخطورة التقارير الدولية الأخيرة حول مصر، لأنه يتم التعامل معها كثيرا كمرشد للمستثمرين.

نكأ الرجل جرحين في غاية الأهمية، الأول يتعلق بتغيير طريقة التعامل مع رجال الأعمال المصريين، فهم القاطرة التي تجر نظراءهم من منطقة الخليج وغيرها، وجذب الحكومة لهم أو خسارتهم من المؤشرات الدالة على الحالة الاقتصادية في مصر، لذلك فنقطة البداية تحسين أوضاعهم وتعزيز العلاقة معهم، والتي تجر بعدها الآخرين.

والجرح الثاني الذي عالجه زياد بهاءالدين بمشرط طبيب ماهر هو شركات الجيش التي أصبحت محل نقاش طويل في الأسابيع الماضية، وتحدث عنها بما يؤكد ضرورة تقليصها وقصرها على المجالات الحيوية، كظاهرة موجودة في دول كثيرة، في إشارة رافضة إلى التغول الذي باتت عليه، ورغم أهميتها ودورها، لكنها من العناصر المزعجة لأيّ مستثمر يريد دخول السوق المصري، لأنه لن يكون قادرا على المنافسة.

حوت وصفة زياد الكثير من الملامح المطلوبة لتغيير الصورة الذهنية عن الاقتصاد المصري ولامست هواجس آثارها الخليجيين بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الآونة الأخيرة، ما منحها مصداقية عالية، وعدم استبعاد استعداد الحكومة المصرية لمناقشتها، سواء أكان على رأسها زياد أو أحد عناصرها أو حتى خارجها، حيث بدت القاهرة مستوعبة لما وجه من انتقادات موضوعية، وربما مستعدة للتعديل والتجاوب مع المخاوف الخليجية بما يعيد ضبط الأمور بالطريقة التي تخدم جميع الأطراف.

◙ بهاءالدين تحدث عن ملف شائك ومسكوت عنه كثيرا بقفاز من حرير، ووصل إلى جوهر ما يعوق إصلاحه

تكاد المطالب الخليجية في المجال الاقتصادي، وغيره من المجالات، غير متداولة صراحة على ألسنتهم، لكن ثمة إشارات تصدر من خلال وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تكون غالبا معبرة عن وجهة نظرهم، خاصة إذا كانت محملة بمعلومات ومن قريبين من صناع القرار الاقتصادي في بعض دول الخليج.

تأتي أهمية وصفة بهاءالدين من أنها رفعت الغطاء عن الكثير من المحتوى المسكوت عنه مصريا وخليجيا، فالرجل له علاقات قوية على الناحيتين تؤهله لتبني قائمة من الأفكار المتوازنة التي تراعى مصالحهما معا، ومن دون تشكيك أو تخوين أو تهوين فيما يحمله خطابه الاقتصادي الرصين من تقديرات.

هل وصلت وصفة زياد للمستثمر الخليجي، وهل جرت قراءتها على الصورة الصحيحة، وهل تشرع الحكومة المصرية في تحويل ما حوته من أفكار إلى واقع ونقل مضامينها من النطاق الإعلامي إلى العملي، أم هي لا تتعدى اجتهادات خبير رأى أن هناك فرصة حقيقية لتصحيح العلاقات الاقتصادية بين مصر والخليج؟

تنطوي طبيعة الإجابة على هذه النوعية من الأسئلة على شكل العلاقة الفترة المقبلة، وهل سيستمر الفتور الاستثماري أم يبدأ التصحيح سريعا.

في الحالتين، تضمنت وصفة زياد محددات يمكن أن تزيل ما حدث من التباسات اقتصادية الفترة الماضية، وتعيد تصويب المسار الاستثماري الذي تحتاجه مصر، مع اليقين بأن ما كان سائدا من علاقة تزاوج مع الخليج دخلت عليه تحولات تستلزم وضع أسس لإبرام عقد اقتصادي متين وجديد يتناسب مع التطورات المتسارعة في الخليج.

8