وسائل التواصل الاجتماعي تلاحق المسؤولين

لا شكّ أن منصات التواصل الاجتماعي صارت أمرا واقعا ولا مفرّ منه.
هنالك من صار ينظر إلى هذه المنصات هكذا: إنها شرّ لا بد منه.
في وقت يشعر السواد الأعظم من المستخدمين بالراحة والرضا لأن هذه المنصات قرّبتهم من كل شيء، من أصدقائهم، من الأخبار اليومية، من الترويج لأفكارهم، من التعرف على أناس جدد كان من الصعب الوصول إليهم من غير هذه المنصات وغيرها من الفوائد.
وحده (السياسي) أو الذي لفظه موج السياسة هو المتطيّر من هذه المنصات.
إنها في نظره شر مستطير، فبكل سهولة يمكن أن يتعرض ذلك السياسي وغيره إلى موج لا ينتهي من الانتقادات كما تسري فضائح الساسة سريان النار في الهشيم وبسرعة صاروخية في منصات التواصل الاجتماعي.
وهذه المنصات لا يحجبها عن الوصول إلى الحقائق حاجب ولا حاجز ولا ممنوع حتى صرنا نقرأ وثائق حكومية مسربة في هذه المنصات وبعضها تفضح ساسة أو برلمانيين أو مكلفين بخدمة عامة أو غيرهم.
وهذه المنصات ولأنها مجانية وبرسم الجميع فبالإمكان أن تتطور القصة إلى صفحات فضائحية لا تبقي للسياسة اسما ولا سمعة. ولأن الأمر فيه ما فيه من متاعب ولتدارك العزلة والنأي بالنفس فإن السياسي يزج نفسه في تيار هذه المنصات، يصنع لنفسه صفحة يعبر من خلالها عن آرائه وينشر صوره ويتعرف على ما ينشر في تلك المنصات ضده وضد حزبه أو زملائه في الحزب.
هنالك بالطبع من يدير تلك الصفحات الخاصة بالسياسيين والمسؤولين من المساعدين وربما يمر صاحب المعالي مرور الكرام على صفحته وربما يقرأ منها نتفا بسيطة.
واقع الحال أن أغلب تلك الصفحات يتم أنشاؤها لتطمين الرأي العام وتقديم عرض مفاده أن صاحبنا السياسي أو صاحب القرار متفاعل مع الرأي العام وقريب من الناس ولهذا لا يتورع عن دعوتهم إلى الكتابة له.
برلمانيون كثر مارسوا هذه الخدعة، ينشرون في صفحاتهم ما يلمع صورهم على أنهم يتابعون هموم الناس وقضاياهم. ينطبق هذا على ثلة من برلمانيي العراق، إذ يعرض كل منهم صفحته مؤكدا أنه في خدمة من انتخبوه وفي خدمة من يتواصل معه.
ولقد خضت تجربة شخصية، اخترت بشكل عشوائي وحسب ما هو متوفر حوالي عشرة برلمانيين ممن تتوفر صفحاتهم في منصة فيسبوك ويدعون الناس إلى التواصل معهم فبادرت بكتابة رسالة واحدة فيها رأي ومقترح.
بعد مرور أكثر من عشرة أيام كانت النتيجة مثلا أن نصف أولئك البرلمانيين اطلعوا على الرسالة لكن أيا منهم لم يجب ولم يعلق بل قرأ الرسالة ثم سكت.
أما النصف الثاني من أولئك العشرة فلم يقترب من صندوق البريد ولا قرأ الرسالة أصلا. فماذا يعني ذلك؟ إنه يعني ببساطة أن هذه المنصات التواصلية هي من لزوم ما يلزم وهي مجرد جزء من موضة وبرستيج لا أكثر وإلا فهي شبح يطارد الكثير من الساسة والبرلمانيين.
هنالك منهم من يتهم الكثير من المستخدمين بأنهم يستغلون هذه المنصات لفبركة قصص وأكاذيب ولهذا طال أولئك المستخدمين ما طالهم من ملاحقة ودعاوى في المحاكم بسبب فكرة أو رأي أو تدوينة في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي.
بعد استقالة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي انهمرت الآلاف من التعليقات والتغريدات من بريطانيين وغير بريطانيين وهم يحاورون برلمانيين عن مستقبل المملكة المتحدة ما بعد الاستقالة.
التفاعل الحي بين البرلمانيين وبين جمهورهم مسؤولية يشعر بها البرلماني ولهذا لا ينقطع عن جمهوره. أما على الضفة الأخرى فبمجرد أن يتسلم البرلماني الراتب الضخم ويختار حراسه وسكرتاريته ويتسلم سياراته المصفحة وجوازه الدبلوماسي حتى يتنكر للشعب الذي منحه تلك الثقة وكان السبب في صعوده وتغدو منصات التواصل عدوا له لأنها تفضح بكل سهولة ما لا يجوز ولا يمكن السكوت عليه.