وباء من نوع آخر في مدارس باكستان الدينية: اغتصاب الأطفال

إفلات من العقاب تضافر مع الطبيعة التقليدية للمجتمع الباكستاني المحافظ.
الخميس 2020/04/16
جرائم لم تؤد إلى إدانة رجل دين واحد

تشهد المدارس الدينية في باكستان اعتداءات جنسية كثيرة على الأطفال، وهي ظاهرة ساهمت في تناميها وانتشارها عوامل متضافرة من قبيل انفلات المدارس الدينية من الرقابة الرسمية وإفلات المعتدين من العقاب، إضافة إلى التقدير المجتمعي لرجال الدين.

كاتي غانون

باكباتان (باكستان) - يكتب موهيمان بكل فخر اسمه ببطء، بحذر، حرف واحد في كل مرة، يبتسم عند الانتهاء. يبلغ موهيمان من العمر 11 عاما فقط وكان طالبا مجتهدا يحلم بأن يصبح طبيبا يوما ما.

لكن المدرسة تعدّ مصدر خوفه الأوحد الآن. حيث في وقت سابق من هذا العام، قام رجل دين، والذي كان يعمل مدرسا في المدرسة التي التحق بها موهيمان في بلدة باكاباتان جنوب البنجاب، باقتياده إلى دورة مياه وحاول اغتصابه. وقالت شازيا، عمة موهيمان، إنها تعتقد أن إساءة معاملة الأطفال الصغار أمر مترسخ في المدارس الدينية الباكستانية. وأضافت أنها تعرف رجل الدين مؤيد شاه منذ أن كانت طفلة صغيرة وتصفه بالمعتدي، لاسيما وأنه كان يطلب من الفتيات الصغيرات رفع ملابسهن.

وتابعت “لقد أخطأ مع الأولاد، وكذلك مع فتاتين أو ثلاث”، متذكرة فتاة واحدة قام رجل الدين بمهاجمتها بوحشية شديدة لدرجة أنه كسر ظهرها.

مدارس منفلتة

توصل تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس إلى العشرات من تقارير الشرطة، المعروفة هنا باسم تقارير المعلومات الأولى، التي تبلغ عن حوادث التحرش الجنسي والاغتصاب والاعتداء الجسدي من قبل رجال الدين الإسلاميين الذين يدرّسون في المدارس الدينية في جميع أنحاء باكستان، حيث يدرس الكثير من أبناء الأسر الفقيرة. كما وثقت وكالة الأسوشييتد برس حالات سوء المعاملة من خلال المقابلات مع المسؤولين عن تطبيق القانون وضحايا الاعتداء وآبائهم.

وهناك أكثر من 22 ألف مدرسة مسجلة في باكستان، تقومُ بتدريس أكثر من 2 مليون طفل. ولكن هناك العديد من المدارس الدينية غير المسجلة. وعادة يتم إنشاء هذا النوع من المدارس على يد رجل دين محلي في حي فقير، ثم يقوم باجتذاب الأطفال بعد أن يعدهم بوجبة طعام وسكن مجاني.

لا توجد هيئة مركزية لرجال الدين الذين يديرون المدارس الدينية. ولا توجد سلطة مركزية يمكنها التحقيق أو الرد على مزاعم الإساءة من قبل رجال الدين، على عكس الكنيسة الكاثوليكية، التي تمتلك تسلسلا هرميا واضحا يعلوه الفاتيكان. ووعدت حكومة رئيس الوزراء عمران خان بتحديث المناهج وإخضاع المدارس للمساءلة، ولكن هناك القليل من الإشراف.

اعتقال لن يوقف الظاهرة
اعتقال لن يوقف الظاهرة

وتقول الشرطة إن مشكلة الاعتداء الجنسي على الأطفال من قبل رجال الدين منتشرة وأن العشرات من تقارير الشرطة التي تلقوها ليست سوى قمة جبل الجليد، ولكن على الرغم من عشرات التقارير، لم يؤد أي منها إلى إدانة رجل دين واحد.

فرجال الدين هم مجموعة قوية في باكستان، يشدون أزر بعضهم البعض عندما يتم توجيه تهم الاعتداء لأحدهم، حتى أنهم تمكنوا من التستر على الانتهاكات المنتشرة عن طريق اتهام الضحايا بالتجديف أو التشهير بحق الإسلام.

وقال نائب مراقب الشرطة صادق بالوش، متحدثا في مكتبه في شمال غرب البلاد، باتجاه الحدود مع أفغانستان، إن العائلات في باكستان غالبا ما يتم إجبارها على الصفح عن رجال الدين.

وأضاف أن الخجل والخوف من أن وصمة الاعتداء الجنسي ستتبع الطفل حتى سن البلوغ، يدفعان الأسر بدلا من ذلك إلى إسقاط الاتهامات. وفي معظم الأحيان، عندما تسامح الأسرة رجل الدين ينتهي التحقيق بعد إسقاط التهم.

ويقول بالوش “رجال الدين منافقون، يطلقون اللحية الطويلة ويلبسون عباءة التقوى فقط للقيام بهذه الأعمال الرهيبة وراء أبواب مغلقة، بينما ينتقدون علانية حليقي الذقن والليبراليين المنفتحين. في مجتمعنا الكثير من هؤلاء الرجال، الذين يقولون إنهم متدينون، بينما يفعلون هذه الأفعال غير الأخلاقية”.

"أريد أن يُشنق رجل الدين هذا!"

يقول مسؤولو الشرطة إنه ليست لديهم فكرة عن عدد الأطفال الذين يسيء إليهم رجال الدين في باكستان، وأن رجال الدين غالبا ما يستهدفون صغارا لم يبلغوا سن البلوغ بسبب الطبيعة التقليدية للمجتمع الباكستاني المحافظ، حيث يكون تفاعل الذكور مع الفتيات والنساء غير مقبول. وكان معظم رجال الدين قادرين على الوصول إلى قلوب الأولاد واكتساب ثقتهم، وهم أقل فئة يمكنها الإبلاغ عن تعرضها للاعتداء الجنسي.

ياووس البالغ من العمر ثماني سنوات من منطقة كوهستان الشمالية النائية في باكستان هو أحد هؤلاء الأولاد.

كان والد ياووس عاملا فقيرا لم يتلقّ تعليما ويتحدث فقط اللغة المحلية في منطقته، ولكنه أراد تعليم ابنه. كان قد سمع عن مدرسة دينية في بلدة مانسيرا، على بعد عدة مئات من الكيلومترات جنوب قريته، حيث ذهب صبية آخرون من المنطقة. وبسبب عدم قدرته على امتلاك هاتف جوال، غاب الوالد لشهور دون التحدث إلى ابنه.

لا يزال جسم ياووس صغيرا وملامحه دقيقة. وفي مقابلته مع وكالة أسوشييتد برس، بحضور عمه، ارتجف جسد ياووس الصغير عندما تذكر أزمته.

كانت قرب نهاية ديسمبر من العام الماضي عطلة في المدرسة. غادر معظم الطلاب، وبقي فقط ياووس وعدد قليل من الطلاب. كانت قريته على بعد ساعات، وكانت تكلفة انتقاله للمنزل باهظة للغاية بالنسبة لوالديه.

ذهب الطلاب الآخرون لغسل ملابسهم، وقال ياووس إنه كان بمفرده داخل المسجد مع رجل الدين قاري شمس الدين. كان الاعتداء الجنسي غير متوقع ووحشي. قال الصبي إن شمس الدين أمسك بيده وجره إلى الغرفة وأغلق الباب.

يقول ياووس “كان الجو باردا جدا. لم أفهم لماذا كان يخلع ملابسي الدافئة”. وكلما تذكر ياووس ما حدث، كان يدفن رأسه بعمق في سترته. قال “إن رجل الدين أمسك بعصا. كانت صغيرة، ربما حوالي 12 بوصة. أوجعتني الضربات الحادة القليلة الأولى”.

مجتمع محافظ
مجتمع محافظ

وأضاف “الألم جعلني أصرخ وأبكي لكنه لم يتوقف”. احتجز رجل الدين الصبي لمدة يومين، واغتصبه مرارا وتكرارا حتى مرض الطفل كثيرا وخشي رجل الدين من أن يموت وأخذه إلى المستشفى.

وفي المستشفى، قال الدكتور فيصل منان سالارزاي إن ياووس كان يصرخ في كل مرة يحاول الاقتراب منه. كان ياووس صغيرا وشاحبا للغاية “كان الطفل يعاني من الكثير من الكدمات على جسده، على رأسه وصدره وساقيه، والكثير من الكدمات في أجزاء أخرى من جسده”.

وبعد أن اشتبه في إصابته، أمر سالارزاي بنقل ياووس إلى جناح العزل حيث فحصه، مشتبها في أنه تعرض لاعتداء جنسي. كشف الفحص عن اعتداءات وحشية ومتكررة.

لكن سالارزاي قال إن عم ياووس رفض الاعتقاد بأن ابن أخيه تعرض للاعتداء الجنسي، وبدلا من ذلك قال إن الصبي ربما وقع. وقال سالارزاي “لكن العم قال في النهاية إذا انتشرت أخبار في منطقتنا بأنه تعرض لاعتداء جنسي، فسيكون من الصعب عليه أن يعيش في منطقتنا بعد الآن”.

وأضاف سالارزاي “لم يكن ياووس مستعدا للحديث عن الأمر، أو حتى يعتقد أنه تعرض للاعتداء الجنسي”، لكن الأدلة كانت واضحة جدا واتصل الطبيب بالشرطة.

تم القبض على رجل الدين وهو الآن في السجن. قامت الشرطة بمطابقة عينات الحمض النووي الخاصة به مع تلك الموجودة في ياووس، ولكن على الرغم من الاعتقال، فإن زملاءه من رجال الدين والمصلين في مسجد مدرسة تعليم القرآن الواقع في منطقة نائية شمال غرب باكستان يشككون في الاتهامات، ويقولون إن شمس الدين بريء وهو ضحية العناصر المعادية للإسلام في البلاد.

ويقول رجال الدين والمصلون أيضا إن الاتهام جزء من مؤامرة لتشويه سمعة الزعماء الدينيين الباكستانيين وتحدي سيادة الإسلام، وهو خطاب حاشد يستخدمه رجال الدين اليمينيون في الغالب لإثارة غضب الغوغاء لترسيخ سلطتهم.

وقال والد ياووس، عبدالقيوم، إنه يشعر بالخجل لأنه لم يتحدث إلى ابنه منذ أكثر من ثلاثة أشهر قبل وقوع الهجوم. وقال “أريد أن يُشنقَ رجل الدين هذا”.

سامحني!

Thumbnail

الأولاد ليسوا الضحايا الوحيدين للاعتداء الجنسي من قبل رجال الدين، فقد تم استهداف العديد من الفتيات الصغيرات مثل مصباح، وهي من قرية باستي قاسي جنوب البنجاب المحافظة بشدة، من قبل الزعماء الدينيين.

لا يعرف والدها محمد إقبال بالضبط كم يبلغ عمر مصباح. يعتقد أنها تبلغ من العمر 11 عاما لأن العديد من الولادات في الريف الباكستاني غير مسجلة أو يتم تسجيلها بعد الولادة بكثير.

تعيش مصباح مع أفراد أسرتها في منزلهم الذي يتشاركونه مع أغنامهم ومع أسرة أخرى يلعب أطفالها دائما ويركضون حول هذه المنازل الفقيرة. وقالت مصباح، التي ناضلت من أجل إخراج الكلمات، إنها تعرضت للاغتصاب في المسجد المجاور، حيث كانت تدرس القرآن لمدة ثلاث سنوات.

وقع الاعتداء في صباح أحد الأيام بعد أن بقيت في مكانها لتمسح المسجد. تم إرسال الأطفال الآخرين إلى المنزل وطلب رجل الدين، الذي تثق به، من مصباح المساعدة.

وقالت، بلغة الساريكي الأصلية، “كنت قد بدأت للتو في التنظيف عندما أغلق باب المسجد. لم أكن أعرف لماذا، ثم أمسك بي فجأة وسحبني إلى غرفة مجاورة. كنت أصرخ وأبكي”.

لم تستطع تحديد المدة التي استمر فيها الاعتداء. كل ما كانت تتذكره أنها كانت تصرخ باسم أبيها ليأتي لإنقاذها لكنه لم يتوقف.

وكان عمها محمد تنفير الذي أنقذها، في طريقه إلى الكلية لكنه توقف عند المسجد لاستخدام الحمام. لاحظ وجود حذاء طفل خارج الباب.

قال تنفير “ثم سمعت صراخا من الداخل، كانت تصرخ باسم والدها”. حطم الباب ورأى ابنة أخته ممتدة عارية على الأرض. وقال “بدا الأمر وكأنها أغمي عليها”. كان سروالها ملطخا بالدماء مرميا في زاوية. ركع رجل الدين عند قدميه.

يتذكر تنفير أن المعتدي ظل يقول له “سامحني”. تم القبض على رجل الدين ولكن تم الإفراج عنه بكفالة.

هذا الوحش لا ينبغي أن ينجو

Thumbnail

في أعقاب محاولة اغتصاب موهيمان، الصبي الصغير الذي أظهر بفخر مهاراته في الكتابة، قالت خالته إنه كانت هناك محاولة متضافرة لإسكات الأسرة. قالت شازيا “يقول أهالي القرية إنهم قادتنا الروحيون وأئمة أماكننا الدينية، ويرفضون طرده”.

بعد الهجوم على ابن أخيها، قالت لقد جاء القرويون إلى منزلهم وناشدوهم أن يغفروا لرجل الدين مؤيد شاه الذي هرب من المنطقة. وأضافت شازيا “لقد جاؤوا جميعا إلى منزلنا وهم يعرفون أننا فقراء وهو إمام، وقالوا إن علينا أن نغفر له لكننا لن نفعل ذلك”. وقالت إن والدها، جد موهيمان، رفض.

ولم يتم القبض على مؤيد شاه حتى الآن، على الرغم من أن الاعتداء تم تصويره من قبل العديد من الفتيان في القرية الذين كسروا باب الحمام وصوّروا شاه عندما كان منهكا بعد اعتدائه على موهيمان.

وتقول الشرطة إنها تحقق في ذلك وقد تم توجيه تهمة، لكن شاه هارب. وقال بعض الجيران بالقرب من المسجد إن الشرطة لا تبحث عنه بقوة. بدوا غاضبين لكنهم بدأوا يتقبلون حقيقة أنه لن يُسجن.

وقالت شازيا “لا ينبغي أن ينجو مثل هذا الوحش بفعلته على الإطلاق!”.

13