هل يُحدث القطريون تغييرا جوهريا هذه المرة

الثلاثاء 2014/12/23

في الوقت الذي حاول البعض دق إسفين في العلاقات الخليجية - الخليجية من خلال الزعم بأن هناك اتصالات مشبوهة تريد إفشال المصالحة الخليجية - القطرية، كانت القوى الوطنية العربية ترحّب بجهود المصالحة بين مصر وقطر، التي تقودها المملكة العربية السعودية وتكتسب تأييدا كاملا وواضحا من كل دول مجلس التعاون الخليجي ومن دول عربية أخرى تلتقي، على نفس الطريق العربي الحرج، مع الخليجيين والمصريين.

السبت الماضي التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي برئيس الديوان الملكي السعودي، الشيخ خالد التويجري، ومبعوث أمير قطر من أجل تفعيل مبادرة العاهل السعودي الذي أكدت الأخبار والمداخلات، بعد لقاء القاهرة الأخير، أنه يُشرف شخصيا على بناء الجسور المصرية القطرية الجديدة. وأن تكليفه لرئيس ديوانه لإدارة هذا الملف يدل على ما تكتسبه علاقات مصر وقطر من حساسية وأهمية في واقع الأمة العربية اليوم. هذا الواقع الذي تتهدده مخاطر داخلية وخارجية تقتات على الحروب السياسية والإعلامية فيما بين الدول العربية.

الشيخ خالد التويجري، في ظهور لافت ونادر على قناة العربية، أمّن على اهتمام خادم الحرمين الشريفين الشخصي بمبادرة المصالحة بين المصريين والقطريين. وأكد أن الملك عبدالله تابع كل خطوة من المفاوضات. وأن هناك عزما سعوديا حقيقيا لإنجاح هذه المبادرة بعد لقاءات متعددة مع قادة الدولتين، الأمر الذي، كما قال التويجري، يُحسب لهاتين القيادتين ويعود إلى المكانة الكبيرة التي يحظى بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

أمر آخر من الجانب المصري يوفر أرضية إعلامية مناسبة لإنجاح هذه المبادرة، وهو أن الأقلام المصرية المعروفة بحساسيتها تجاه ما تسميه أحيانا (الإملاءات) على القرار المصري، بدت أكثر ترحيبا وحصافة في تناول المبادرة وقت إطلاقها مطلع نوفمبر الماضي، وفي خطوة تفعيلها الأخيرة، فقد نظر كثير من المحللين المصريين إلى أن آخر ما يمكن أن تعارضه مصر هو لحمة دول الخليج وصون أمنها. وهي مسألة، حتى لدى الخليجيين قبل المصريين، لا يمكن أن تكون بمعزل عن العمق المصري، ما يعني، بالنتيجة، أن التزام قطر وتعهدها بعدم المساس بأمن أي دولة خليجية يكون حاصله بالضرورة عدم تهديدها لأمن مصر، باعتبار أن أمن الخليج ومصر مترابط، وأن الخليجيين والعرب جميعا لا يمكن أن يحققوا استقرارهم، أو ما تبقى منه، دون الوجود المصري وقوة اللحمة الداخلية المصرية.

دول الخليج تحتاج مصر في كل وقت، وتحتاجها في هذا الوقت بالذات لأسباب متعددة. ومن أهم هذه الأسباب أن حليفتها التقليدية أميركا تفتح طرقا واسعة وناعمة مع الإيرانيين الذين يتدخلون في الشؤون الداخلية الخليجية، وتدير ملف الأزمة السورية وبعض الملفات في العراق على غير ما يرى الخليجيون.

وإذا أضيف إلى ذلك وعي الدول الخليجية بمخاطر الإرهاب، الذي يقابل بتراخ دولي ويتهددها من كل جهة على حدودها، فلا بد أن يفهم الجميع بأن الحاجة الخليجية إلى مصر الآن، ليست على سبيل العاطفة أو على سبيل العزف على وتائر الانتماء العربي المشترك فحسب، بقدر ما هي حاجة أمنية إستراتيجية ملحة كان يُنتظر من قطر أن تفهمها، كما تفهمها جميع دول الخليج الأخرى.

السعودية والإمارات، بتضامن خليجي تنقصه قطر حينها، أظهرتا دعما سياسيا واقتصاديا واضحا للمصريين بعد تخلصهم من كابوس جماعة الإخوان الذين حكموا مصر في تلك السنة المشؤومة بغباء، ووقّعوا، أثناء سنة حكمهم، مع قوى أجنبية على بياض لإضعاف الدولة الوطنية المصرية وتحطيم صورة الجيش المصري القوي، وتفريغ مصر، على وجه الإجمال، من مكوناتها الحضارية والسياسية التاريخية وحضورها ودورها العربي والإقليمي.

المصلحة إذن بين دول الخليج ومصر في هذا الوقت مشتركة وحقيقية. أي أنها بعيدة كل البعد عن ذلك الإرث (الشعاراتي) الذي طالما أصاب العلاقات الثنائية بين الدول العربية بكوارث وصلت إلى حد اندلاع المعارك فيما بينها، واتخاذ مواقف سياسية واقتصادية لم يكن لها من نتيجة سوى مزيد من خسائر الطرفين المتنازعين أو مجموعة الأطراف المتحالفة مع هذه الدولة أو تلك. وهو ما منع الدول العربية، طوال عصرنا الحديث، من تفعيل مقولة المصير المشترك، الذي يحقق مصالح جميع العرب على أسس عملية واضحة، وليس مصلحة دولة على حساب دولة أو دول أخرى.

في إطار من هذا التغير المهم في صيغة العلاقات العربية، بعد دروس الماضي، ودروس ثورات ما يسمى الربيع العربي، نرجو أن تكـون قطر، التي طالما مارست الفعل المضاد وتركت للآخرين ردود الفعل، قادرة على أن تغير أجندتها السياسية والإعلامية لتصبح أفعالها الجديدة، تبعا لحماسة المبـادرة السعودية ونتائجها المبشرة إلى الآن، أفعالا تراعي المصلحة الخليجية بشكل خاص، والمصلحة العربية بشكل عام.

لا الخليجيون ولا المصريون، في خضم هذه الأحداث والمهددات التي تحيط بهم، بمقدورهم أن يقبلوا من القطريين أقل من التغيير الفوري للغة الإعلام القطري، قناة الجزيرة بالذات، تجاه مصر، والكف عن احتضان ودعم جماعة الإخوان المسلمين، أو دعم جماعات أخرى تعمل ضد المصلحة المصرية أو الخليجية هنا أو هناك. وهذا يتطلب إثباتات على الواقع وليس مجرد نوايا أو موافقات تسقط قبل أن يجف حبرها كما حدث في مرات سابقة.

على قطر هذه المرة أن تثبت بشكل قاطع، بالرغم مما يظهره البعض من تشاؤم، بأنها جادة في المصالحة وفي تفهم الموقف الخليجي والمصري. وبأن الخليجيين والمصريين، على المستويين الرسمي والشعبي، يريدون فعلا أن يروا شقيقتهم قطر وقد عادت إلى سربها العربي الذي أصابته جروح غائرة من جراء تغريدها كل هذه السنوات خارجه، لحسابات كانت في الأغلب ملتبسة وغير مفهومة.

وما لاحظناه في اليومين الأخيرين، بعد لقاء القاهرة، في لهجة قناة الجزيرة وقناة الجزيرة مباشر، باعتبارهما مؤشري التغير القطري تجاه مصر، هو تراجع في حدة الانتقادات والتوصيفات التي كنا نسمعها من قبل، لكن التغير الجوهري في لهجتي القناتين لم يحدث إلى الآن، ما يشي بأن ليس هناك تغير جوهري في موقف القطريين من الحكم الجديد في مصر.

ومع ذلك نريد أن نفتح مزيدا من مساحة التفاؤل، وأن نراهن على الوقت القصير القادم، فإما أن تكون قطر فعلا عادت إلى أهلها على الرحب والسعة، وإما تكون لا تزال بعيدة عن آمالنا بعودتها.

ووقتها لن يكون بمقدور أحد أن يلوم السعوديين، والخليجيين بصفة عامة، أو يلوم المصريين على إدارة ملفاتهم معها بالشكل الذي يناسبهم ويحفظ أمن وتنمية بلدانهم.


كاتب سعودي

9