هل ينفلت عقد أقطاب النظام الإيراني من يد المرشد

أحمدي نجاد يجدد هجومه على النظام ويدعو إلى تقليص صلاحيات المرشد، وروحاني يستثمر الانقسامات لإنهاك خصومه.
الاثنين 2018/03/12
نجاد يضع النظام الإيراني أمام مأزق جديد

القاهرة - تفاقمت وتيرة الصراع بين التيارات السياسية داخل بنية النظام الإيراني، منذ اندلاع احتجاجات شعبية ضربت عدة مدن في البلاد في ديسمبر الماضي، من بينها العاصمتان السياسية طهران، والدينية قم؛ احتجاجا على السياسات القمعية التي يتبناها النظام الإيراني داخل وخارج طهران.

وجدد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد هجومه ضد النظام الإيراني، وشن حملة قوية ضد حكومة الرئيس الحالي حسن روحاني ورئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، بلغت حد توجيه انتقادات غير مباشرة للمرشد الأعلى علي خامنئي، حيث هاجم نجاد النظام الإيراني بشدة، واصفا السلطة بـ”الحلقة المغلقة التي وصلت إلى مراحلها الأخيرة وستسقط قريبا".

ونشر نجاد رسالة وجهها إلى الشعب الإيراني ونشرها موقع دولت بهار التابع لتيار نجاد وقال فيها “إن الحلقات المغلقة للحكم والتي تتحكم في المجتمعات المختلفة، هي نتيجة لاحتكار مجموعة من الناس للحكم وهذه المجموعة هي بعيدة عن القيم الفطرية الإلهية”.

وفي المقابل دخل تيار المعتدلين بقيادة روحاني على الخط برده على انتقادات نجاد وبتأكيده ولاءه للنظام ومحاولته فتح الملفات الخلافية الأكثر تعقيدا، مثل ملف الإقامة الجبرية المفروضة على قادة “الحركة الخضراء” لمير حسين موسوي ومهدي كروبي، ومحاولات تقليص النفوذ الاقتصادي للمؤسسات النافذة وفي مقدمتها الحرس الثوري.

وتحاول معظم القوى التي تنتمي لتيار المحافظين الأصوليين إعادة ترتيب أوراقها من جديد والتوصل إلى صيغة توافق مشترك بين أقطابه الرئيسيين، لا سيما رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف والمشرف على العتبة الرضوية في مدينة مشهد إبراهيم رئيسي، الذي خسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام روحاني.

 

تشهد الساحة السياسية الإيرانية صراعا حادا بين تيار الرئيس الأسبق أحمدي نجاد والمرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، وانكشف هذا الصراع بوضوح عندما رفض خامنئي أن يترشح أحمدي نجاد للانتخابات الرئاسية في عام 2017، لكن وتيرته احتدت منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية الأخيرة بالبلد ديسمبر الماضي المنددة بخيارات النظام الاقتصادية والسياسية التي تبحث عن التوسع البراغماتي على حساب الشعب داخليا وبالتدخل في شؤون دول الجوار وتهديد أمنها خارجيا، ويعتقد مراقبون أن هجوم نجاد ضد النظام محاولة منه لقطف ثمار الغضب الشعبي في حين يجد النظام نفسه أمام مأزق داخلي جديد

ويحاول أحمدي نجاد بدعم من فريقه السياسي الذي عمل معه خلال فترتي رئاسته (2013-2005)، استقطاب تأييد فئات شعبية جديدة سبق أن استعداها بسبب سياسته الشعبوية واتهاماته المتكررة لها، على رأسها الفئات المجتمعية المؤيدة لتيار المعتدلين، الذي يضم الإصلاحيين الموالين للنظام والمحافظين التقليديين، من خلال استخدام الشعارات نفسها التي تبناها التيار الأخير.

وتتمثل أبرز تلك الشعارات في منع مؤسسات النظام، لا سيما مجلس صيانة الدستور من التدخل في تحديد نتائج الانتخابات ومحاربة الفساد في هذه المؤسسات وتعديل الدستور.

استقطاب الإصلاحيين

لم يحدد الرئيس السابق ما يقصده من مطلب تعديل الدستور، ويبدو أن ذلك كان متعمدا للحصول على تأييد القوى الداعية إلى تقليص صلاحيات المرشد الأعلى للجمهورية على المستوى التنفيذي.

 وهو المطلب الذي سبق أن ألمح إليه أحمدي نجاد خلال فترته الرئاسية الثانية (2013-2009)، بعد دخوله في خلاف علني مع المرشد، على خلفية إلغاء الأخير القرار الذي اتخذه الأول بإقالة وزير الاستخبارات حيدر مصلحي.

ويسعى أحمدي نجاد عبر هذا التوجه إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: الأول، تجاوز الاستقطاب الثنائي القائم حاليا بين المحافظين الأصوليين والمعتدلين، عبر تكوين تيار ثالث وسط يضم أقطابا وكوادر من الطرفين، ومن هنا يمكن تفسير أسباب تعمد الرئيس السابق وضع حكومة روحاني والمؤسسات المتشددة داخل النظام في سلة واحدة، رغم التباينات التي تفاقمت بينهما.

ويسعى الرئيس السابق من خلال ذلك إلى تقريب الرؤى مع التيارات التي تهاجم الطرفين، سواء القوى التي تنتقد نفوذ وتدخل المؤسسات المتشددة في إدارة شؤون الدولة، أو التيارات التي تتحفظ على أداء الرئيس روحاني لفشله في تنفيذ الالتزامات التي أعلنها قبل وصوله إلى منصب الرئيس.

ويتعلق الهدف الثاني بمحاولات التغطية على الملفات القضائية المفتوحة ضده أو ضد بعض أقرب مستشاريه ومساعديه، مثل حميد بقائي، الذي قدم معه أوراق ترشيحه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت في مايو الماضي، لكن تم إقصاؤهما بقرار من مجلس صيانة الدستور.

ويمثل ذلك امتدادا للآليات نفسها التي كان يتبعها أحمدي نجاد خلال فترتي رئاسته، وكان يرد دائما على انتقادات خصومه السياسيين بشن حملات عنيفة ضدهم تطال نزاهتهم المالية، على غرار ما فعله مع الشخصيات النافذة في عائلة لاريجاني، خاصة أنه رئيس مجلس الشورى وشقيقه صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية.

 أما الهدف الثالث، فهو ممارسة ضغوط على تيار المحافظين الأصوليين من أجل دفعهم إلى التنسيق معه قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، بعد أن تعمدوا تجاهله في الترتيبات السياسية التي توصلوا إليها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة.

عقبات مختلفة

تبدو مهمة أحمدي نجاد صعبة، وقد تدفع محاولاته المتكررة لإحراج المرشد علنا النظام إلى تبني سياسة مغايرة تجاهه، رغم أن النظام مازال حريصا على عدم إقصائه من مؤسساته، ويتجلى ذلك من خلال استمرار إشراكه في اجتماعات مجلس تشخيص مصلحة النظام، التي عقد آخرها في مارس العام الماضي.

لكن لم يمنع ذلك أقطاب المحافظين الأصوليين من شن حملات عنيفة ضده، لدرجة تحذيره من مصير بني صدر، في إشارة إلى الرئيس الأول للجمهورية أبوالحسن بني صدر، الذي هرب إلى خارج البلاد بعد أن اصطدم بقادة النظام في بداية الثمانينات من القرن الماضي.

بل إن بعضهم اتهمه بالتحول إلى “إصلاحي أكثر من الإصلاحيين”، في إشارة إلى محاولاته التقرب من قوى التيار الإصلاحي، التي مازالت تتحفظ على بعض سياسات النظام وإجراءات حكومة روحاني الاقتصادية وخياراته السياسية التي تكشف عن براغماتية دولة المرشد ومساعيها التخريبية في المنطقة.

وبدا أن انشغال تلك الأطراف بالاستعداد مبكرا للانتخابات القادمة، البرلمانية عام 2020 والرئاسية عام 2021، يدفعهم إلى تكثيف الحملات ضد الرئيس السابق، وربما الاتفاق على ضرورة إضعاف قدرة تياره على تحقيق نتائج بارزة في الانتخابات الأولى، باعتبار أن الاحتمال الأقرب هو منع مرشحيه من المنافسة في الانتخابات الثانية.

وتتجه النية داخل الجناح الذي يقوده رئيسي وقاليباف داخل تيار المحافظين الأصوليين إلى محاولة تحقيق الأغلبية في الدورة البرلمانية القادمة، باعتبار أن ذلك قد يفضي إلى تعزيز النفوذ السياسي لرئيسي وقاليباف، بعد الضربات التي تعرضا لها في الفترة الماضية، حيث خسر رئيسي الانتخابات الرئاسية أمام روحاني، فيما فقد قاليباف منصبه كرئيس لبلدية طهران لصالح محمد علي نجفي مرشح تيار المعتدلين الذي فاز في الانتخابات البلدية الأخيرة.

يحاول نجاد ممارسة ضغوط على تيار المحافظين من أجل دفعهم إلى التنسيق معه قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة

علاوة على إضعاف جناح لاريجاني المتحالف مع الحكومة، وربما محاولة إقصاء الأخير أو على الأقل منعه من تجديد رئاسته للبرلمان مرة أخرى، وعرقلة أي طموح سياسي لديه للوصول إلى منصب الرئيس.

ويمكن لتيار روحاني أن يستثمر الانقسامات المتصاعدة داخل تيار المحافظين الأصوليين لإنهاك خصومه الذين يتحينون الفرصة لفرض المزيد من الضغوط عليه، أو حسم الملفات المفتوحة من خلال استغلال الموقف الداعم للنظام الذي أبداه الإصلاحيون في الاحتجاجات الأخيرة.

وغير مستبعد أن يسعى تيار روحاني إلى إقناع قيادة النظام بأهمية رفع الإقامة الجبرية عن موسوي وكروبي، بعد أن أثبتا، وفقا له، ولاءهما للنظام، في ظل رفضهما مجاراة الاحتجاجات الأخيرة أو استغلالها لصالحهما.

 ويعتقد متابعون للساحة الإيرانية أن تكثيف الهجوم على أحمدي نجاد ومحاولة تبرئة ساحة زعماء الحركة الخضراء يأتيان في إطار تفاقم صراع الأجنحة في البلاد خاصة عقب الاحتجاجات الأخيرة حيث يتجه النظام إلى إيجاد بدائل، في حال خرجت الأمور عن السيطرة مع عودة الاحتجاجات. ويتماهى ذلك مع رؤى جديدة بدأت تظهر في إيران وترى أن من يستحق الخضوع للإقامة الجبرية هو أحمدي نجاد ورفاقه، وليس موسوي وكروبي.

 وقد لا تنتظر الصراعات السياسية المحمومة في إيران الانتخابات البرلمانية المقررة بعد عامين، خاصة في حالة اضطرار النظام لمواجهة استحقاق آخر يتحسب له، وهو اختيار مرشد جديد خلفا لخامنئي، في ظل تواصل مرضه، وهو استحقاق آخر سيكون محل الخلاف وسببا للتصدع بالمشهد السياسي الإيراني.

6