هل يكون التعداد السكاني في العراق بداية لأزمات جديدة

أكثر من سؤال يثار حول السبب في عدم احتساب أعداد العراقيين في الخارج ضمن التعداد وقبله لم يشملهم التصويت في الانتخابات البرلمانية العامة التي أُجريت في العراق قبل عامين.
الاثنين 2024/11/25
متاهة تضاف إلى متاهات

لا نبالغ بالحديث إذا قلنا إن التعداد السكاني الذي أجراه العراق، والذي يعتبر أول تعداد شامل منذ أكثر من ثلاثة عقود، هو بداية لأزمات جديدة تنتظر لحظة الإفصاح عنها لتفجّر معها صراعاً كان يتستر بغطاء عدم معرفة الأعداد الحقيقية للعراقيين.

ذلك الصراع يتوزع بين إقليم كردستان وبغداد أو بين المحافظات العراقية وحصص الموازنة التي تُخصص لها، والتي كانت دائماً مثار جدل حول تلك النسب.

بداية الأزمة المنتظرة ستكون مع ما سيُثيره هذا التعداد السكاني من أسئلة، من بينها إمكانية زيادة عدد المقاعد في مجلس النواب العراقي نظراً إلى زيادة نسب السكان مع وجود نص دستوري يُلزم بأن يكون عدد المقاعد مساوياً لعدد محدد من السكان. واستناداً إلى هذا النص الدستوري، فمن المرجح أن تزداد مقاعد البرلمان العراقي إلى أكثر من 400 مقعد على اعتبار أن لكل 100 ألف نسمة من نفوس العراق يُخصص لهم مقعد في مجلس النواب.

وقد تزداد أعداد المقاعد إلى أكثر من 500 مقعد في السنوات القادمة نظراً إلى الزيادة الحاصلة في أعداد العراقيين.

◄ التعداد السكاني الذي أجراه العراق مؤخراً سيفجّر أزمات كانت مختبئة تحت الرماد وسيشعل صراعاً كان مختفياً وراء عدم معرفة الأعداد الحقيقية للعراقيين

هناك مثل شعبي يتداوله العراقيون بالقول “ما رِضَه بِجزّة… رِضَه بِجزّة وخروف”، أي إن العراقيين الذين كانوا يرفضون مخصصات وامتيازات ومنافع 325 نائباً في البرلمان الحالي، ويعتبرون ذلك الإنفاق من المال العام تبذيراً وهدراً، فيما يعيش ثلث الشعب العراقي تحت مستوى خط الفقر، لتأتي الزيادة الجديدة في أعداد المقاعد كارثة جديدة من كوارث هذا البلد المنهوب على العراقيين أن يتقبّلوها. لكن ذلك لا يمنع من تفجّر أزمة جديدة بين بغداد وإقليم كردستان على اعتبار أن الأخير وجد في التعداد السكاني فرصة لإعلان زيادة مواطنيه مما يوجب زيادة المخصصات الممنوحة له من موازنة العراق العامة. وقد يشعل ذلك صراعاً بين بعض الأطراف في بغداد وبين حكومة كردستان، على اعتبار أن المخصصات التي تمنحها الحكومة المركزية لكردستان طالما كانت تثير جدلاً واسعاً وحتى رفضاً من قبل تلك الأطراف التي تتهم الإقليم بعدم تسليمه الإيرادات الداخلة إليه إلى بغداد. فكيف سيكون الحال إذا ما طلب الإقليم بزيادة حصته في الموازنة استناداً إلى زيادة أعداد مواطنيه؟

الأزمة الأخرى التي قد يفجّرها ذلك التعداد السكاني هي حصص المحافظات من الموازنة العامة، وخصوصاً المحافظات التي تنتج النفط والتي تعتبر حصصها ضئيلة قياساً إلى كميات النفط المنتج من أراضيها.

أكثر من 120 ألف موظف شاركوا في عملية جمع المعلومات والإحصاء في محافظات العراق وإقليم كردستان، وميزانية تقترب من 500 مليار دينار، أي ما يعادل 360 مليون دولار، وهو رقم يراه بعض المختصين مُبالغاً فيه.

التعداد السكاني لن يشمل العراقيين في الخارج، وهو ما وجده البعض ثغرة في نسب أعداد العراقيين على اعتبار أن المعلومات التي يمكن الحصول عليها من عراقيي الخارج ستوفر للدولة معلومات عن أعداد العراقيين الذين يتقاضون رواتب وإعانات. ويثار أكثر من سؤال حول السبب في عدم احتساب أعداد هؤلاء في التعداد، وقبله لم يشملهم التصويت في الانتخابات البرلمانية العامة التي أُجريت في العراق قبل عامين.

بالمحصلة، فإن التعداد السكاني الذي أجراه العراق مؤخراً سيفجّر أزمات كانت مختبئة تحت الرماد وسيشعل صراعاً كان مختفياً وراء عدم معرفة الأعداد الحقيقية للعراقيين. وتلك هي متاهة أخرى تضاف إلى متاهات زمنهم الصعب الذي يعيشون أيامه.

8