هل يكفي قرض صندوق النقد لوقف تراجع الجنيه المصري

السبت 2016/07/30

يبدو الجنيه المصري مثل الملاكم الضعيف الذي أجبرته الظروف على خوض منافسات شرسة مع مجموعة من الملاكمين الأشداء، فوجد نفسه في مأزق لا يعرف منه خلاصا، وأخذ يتلقى الضربات يمينا ويسارا، ويسقط مجددا كلما حاول النهوض.

هذا ما شعر به قطاع من المصريين الذين عبروا في مواقع التواصل الاجتماعي عن ضيقهم بما وصل إليه حال عملتهم أمام العملات القوية، مثل الدولار واليورو، بالسخرية اللاذعة التي اشتهر بها المصريون، وذلك بعد أن ارتفع سعر صرف الدولار في السوق الموازية (السوداء) ليتجاوز 13 جنيها للمرة الأولى في تاريخ العملة المصرية.

وجاء هذا الارتفاع بعد تصريحات لمحافظ البنك المركزي المصري طارق عامر ألمح فيها إلى خفض محتمل في سعر صرف الجنيه المصري، وقال إنه “لن يفرح باستقرار سعر الصرف والمصانع متوقفة” على حد تعبيره، وذلك في إشارة إلى أن الأولوية بالنسبة له هي تمكين المصانع من استيراد احتياجاتها من الآلات ومستلزمات الإنتاج.

وأقر بأن السياسة السابقة، التي عمدت إلى الحفاظ على استقرار مصطنع في سعر صرف الجنيه، كانت سياسة خاطئة، وكلفت الدولة مليارات الدولارات دون أن تحقق الهدف منها.

ويعبر ضعف الجنيه المصري بشكل مباشر عن ضعف الاقتصاد المصري، تماما كما تعبر قوة الدولار أو قوة اليورو عن واقع وآفاق الاقتصاد الأميركي أو اقتصاد منطقة اليورو. ويمكن القول إن الارتفاع في سعر صرف الدولار يشير ببساطة إلى أن المعروض من العملة الأميركية في السوق المصرية أقل كثيرا من حجم الطلب عليها، وبالتالي من الطبيعي أن يرتفع سعر الدولار.

وتعد السياحة وتحويلات المصريين المغتربين في الخارج من أبرز مصادر العملات الأجنبية في السوق المصري، وقد تراجع عدد السياح في النصف الأول من العام الحالي بنسبة 41 بالمئة بمقارنة سنوية.

كما تراجعت تحويلات المصريين في الخارج بنسبة 10 بالمئة تقريبا بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

وتشير البيانات إلى عجز هائل في الميزان التجاري، وهـو الفارق بين الصادرات والواردات السلعية، والذي بلغ نحو 19.5 مليار دولار في النصف الثاني من العام الماضي.

ومن أسباب هذا العجز الكبير تراجع الصادرات السلعية بنسبة 26 بالمئة.

والنتيجة أن عجز ميزان المعاملات الجارية، الذي يضم الميـزان التجاري وميزان الخدمات وميزان التحويلات، تضاعف في تلك الفترة ليصل إلى 8.9 مليار دولار مقابل عجز بقيمة 4.3 مليار دولار قبل ذلك بعام.

وهذا يعني أن قيمة ما تصدره مصر من سلع وخدمات وما يصل إليها من تحويلات العاملين في الخارج يقل كثيرا عن قيمة ما تستورده، ولهذا يستمر الارتفاع في سعر صرف الدولار.

بعبارة أخرى هناك اختلالات هيكلية في الاقتصاد المصري تجعل قدرته على الإنتاج والتصدير أقل كثيرا من احتياجات المجتمع المصري.

وفي مواجهة الأزمة الكبيرة التي يعيشها الاقتصاد المصري منذ سنوات، لجأت الحكومة المصرية إلى الاعتماد على المعونات والقروض. وحصلت الحكومة على مساعدات كبيرة من دول الخليج العربي في السنوات الثلاث الماضية، ومع ذلك لم يتوقف التراجع في قيمة الجنيه المصري مقابل العملات العالمية.

ومؤخرا أعلن وزيـر المالية المصـري عمرو الجارحي أن مصر تسعى للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار. وتؤكد الحكومة أنها ستجمع تمويلات أخرى من مؤسسات مالية عالمية وإصدار سندات ليصل المبلغ الإجمالي إلى 21 مليار دولار على مدى 3 سنوات.

أما نائب وزير المالية أحمد كوجك فقد أكد الخميس الماضي أن مصر ستحصل على دفعة أولى تقدر بنحو ملياري دولار خلال شهرين بمجرد توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وأوضح أن سعر الفائدة على قرض صندوق النقد أقل من سعر الفائدة على القروض الداخلية، التي تتم عادة بإصدار سندات على الحكومة المصرية، وبالتالي فإن مثل هذا القرض هو أنسب لظروف مصر في المرحلة الحالية.

وكشف كوجك أنه إلى جانب قرض صندوق النقـد، فإن مصر تتفـاوض مع البنك الأفريقي للتنمية للحصول على دفعة ثانية من قرض بقيمة 1.5 مليار دولار، سبق أن تم الاتفاق عليه في العام الماضي. وقد تلقت مصر بالفعل الدفعة الأولى منه بقيمة 500 مليون دولار.

وهناك قرض ثالث، يجري التفاوض عليه مع البنك الدولي بقيمة 3 مليارات دولار لتنمية مناطق الصعيد، بحسب وزير المالية.

المشكلة أن هذه القروض تأتي ومعها قائمـة طويلة مـن الشـروط من قبل المؤسسات المانحة، وقد يكون تنفيذها شاقا. وعلى سبيل المثال يشترط صندوق النقد الدولي حزمة من الإصلاحات الاقتصادية لضمان قدرة الدولة المقترضة على سداد ديونها، من أبرز تلك الشروط عادة تخفيض الدعم على السلع الأساسية بهدف خفض الإنفاق العام، وبالتالي خفض عجز الموازنة.

ونظرا لأن مثل هذا الدعم تستفيد منه عادة الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فإن تخفيضه يعني زيادة معاناة تلك الطبقات، وتخفيض مستوى معيشتها.

كما يطالب صندوق النقد عادة بتشجيع برامج خصخصة الشركات والمؤسسات العامة، والتي عادة توظف أعدادا كبيرة من العاملين، الأمر الذي يعني تسريح أعداد غير قليلة منهم وزيادة البطالة.

أما البنك الأفريقي للتنمية فيطالب بدوره بإصلاحات، مثل تحسين سبل إدارة المالية العامة، وطرق توزيع الدعم على من بحاجة إليه.

كل هذا يعني أن الطبقات الفقيرة والمتوسطة، التي تمثل الأغلبية الساحقة من الشعب المصري، ستدفع ثمن الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها صندوق النقد وغيره مـن الجهات الدوليـة المانحة للقروض.

مشكلة القروض التي تندفع الحكومة المصرية للحصول عليها، تكمن في أنها بالمسكنات التي تحد من نتائج وتداعيات الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المصري، لكنها لا تعالج أسباب تلك الاختلالات. وهي تهدف أساسا إلى توفير احتياجات البلاد من العملة الصعبة لكي تستمر عجلة الإنتاج وهذا أمر جيد، ولكنه غير كاف!

لا بد في النهاية من جهود أوسع لرفع تنـافسية المنتجـات المصرية، ولا بـد من رؤيـة اجتماعية اقتصادية شاملة للتنمية تراعي احتياجات الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتشجع الملايين من المصريين المغتربين في الخارج على استثمار مدخراتهم في مصر.

وإذا لم يتحقق كل ذلك سيكون مصير القروض الجديدة هو نفس مصير المساعدات والقـروض القديمـة التي لم تنجح رغم كثرتها في تحقيق نقلة حقيقية في أداء الاقتصاد المصري، وفي قيمة عملته.

كاتب مصري مقيم في لندن

11