هل يعود الكبير إلى منصبه كمحافظ لمصرف ليبيا المركزي ولو مؤقتا

تصريحات موجهة من الكبير بهدف شرح موقفه لواشنطن ولندن.
الأحد 2024/09/08
الأزمة طالت أكثر من اللزوم

لئن بدا أن الليبيين قد بدأوا بمناقشة مرحلة ما بعد الصديق الكبير، والبحث عن صيغ توافقية، عاد النقاش من جديد إلى نقطة الصفر في ظل رغبة أطراف خارجية متنفذة بعودة الصديق الكبير ولو بشكل مؤقت. وقد يكون الكبير أقنع هذه الأطراف بضرورة عودته وأهمية ما يمتلكه من معطيات.

ينتظر الليبيون حسم ملف المصرف المركزي في ظل مؤشرات على وجود توافقات إقليمية ودولية على ضرورة تجاوز الخلاف الحاصل بين المجلس الرئاسي المدعوم من حكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب المستند إلى توافقات سابقة مع مجلس الدولة، والاتجاه نحو حل للأزمة خلال الأيام القادمة.

وينتظر أن يعود وفدا مجلسي النواب والدولة إلى الاجتماع غدا برعاية البعثة الأممية بالتزامن مع وصول وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روز ماري دي كارلو إلى طرابلس، في ما تتسع دائرة الجدل الدولي حول مصير مصرف ليبيا المركزي في ظل التجاذبات متعددة الأبعاد عليه.

وكانت البعثة الأممية قالت إن ممثلي مجلسي النواب والدولة توصلا إلى تفاهمات هامة حول أزمة مصرف ليبيا المركزي، وخاصة بشأن آلية وآجال تعيين محافظ ومجلس إدارة المصرف، وأضافت أن ممثلي المجلسين طلبا مهلة إضافية مدتها 5 أيام لاستكمال مشاوراتهما والتوصل إلى توافق نهائي بشأن الترتيبات اللازمة لإدارة المصرف إلى حين تعيين محافظ جديد ومجلس إدارة.

ورجحت مصادر ليبية أن يتم الاتفاق على عودة الصديق الكبير إلى منصبه كمحافظ لمصرف ليبيا المركزي إلى حين التوافق على محافظ جديد، وهو ما سيمثل هزيمة مدوية للمجلس الرئاسي ولرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة.

وقال الكبير إن الوضع الراهن قيد التقييم، وهو ما يتيح له إمكانية العودة إلى ليبيا قريبا.

وأضاف في مقابلة مع صحيفة «بوليتيكو» أن المحكمة في بنغازي قد حكمت بعدم شرعية الانقلاب، مما يزيد من احتمالية استعادته لمنصبه، خاصة بعد فشل القوات التي حاولت السيطرة على البنك في الحصول على دعم دولي.

◄ الكبير يعتبر أن محاولة عزله انقلاب يهدف إلى خلق واقع جديد في غرب ليبيا، والسيطرة على المؤسسات الحكومية الرئيسية بدعم من بعض  الدول الأجنبية
الكبير يعتبر أن محاولة عزله انقلاب يهدف إلى خلق واقع جديد في غرب ليبيا، والسيطرة على المؤسسات الحكومية الرئيسية بدعم من بعض  الدول الأجنبية

ولاحظ مراقبون أن الكبير اقتصر في تصريحاته الصحفية على صحف ومواقع أميركية وبريطانية بما يشير إلى رغبته في تفسير مواقفه وإبلاغ تصوراته عن الراهن المصرفي والمالي في بلاده إلى واشنطن ولندن أكثر من أيّ عاصمة أخرى.

ويعوّل الكبير على أهمية موقعه في ظل استمرار عجز مجلس الإدارة المنصّب من المجلس الرئاسي على تحقيق شرعية تمكنه من أن يكون محاورا جديا للمؤسسات المالية الدولية.

وقالت مجلة “الإيكونيميست” البريطانية أن عددا من البنوك الخارجية قررت عدم التعامل مع البنك المركزي الليبي بناء على توصيات من وزارة الخزانة الأميركية، وذلك حتى تتضح الجهة التي تديره بشكل واضح.

وأوضحت المجلة أن ليبيا قد تواجه تحديات كبيرة إذا تم عزلها عن النظام المالي العالمي، مما سيؤثر على قدرتها في الحصول على الأساسيات، والتي يعتمد معظمها على السلع المستوردة، بما في ذلك المواد الغذائية.

وفي مقابلة مع موقع «المونيتور» الأميركي، اعتبر الكبير أن ما حدث بشأن عزله من منصبه انقلاب يهدف إلى خلق واقع جديد في غرب ليبيا، والسيطرة على المؤسسات الحكومية الرئيسية، بدعم من بعض الدول الأجنبية، وقال إنه وفريق عمله اضطروا للفرار من ليبيا بسبب التهديدات، وهم الآن في إسطنبول، وسيبقون في الخارج حتى حلحلة الأزمة وتلقي ضمانات بالعودة الآمنة إلى مكاتبهم.

وفي الأثناء، كشفت وسائل إعلام محلية إنه وعقب انتهاء دوام العمل اليومي بالمصرف المركزي أظهرت عدم استجابة البنوك الخارجية للتعاملات المالية الخاصة بمدفوعات مصرف ليبيا المركزي، والمتعلقة بالاعتمادات والحوالات وتغطية التزامات المصارف التجارية، كما تحفظت بعض المصارف الخارجية على ودائع مصرف ليبيا المركزي لديها.

وينتظر أن يحتدم النقاش خلال الأيام القليلة حول ملف المصرف المركزي وحول الوضع المالي في البلاد في حال عدم التوصل إلى حلحلة الأزمة، في ما يشير متابعون للشأن الليبي أن الموضوع لا يحتاج إلى اجتهادات كبيرة، وأن القرار الحقيقي موجود لدى القوى الإقليمية والدولية قبل أن يكون لدى السلطات الليبية، وأن هناك رسائل وصلت إلى الكبير وقد قرأها بوضوح وأدرك ما وراء السطور وخصوصا في علاقة بالصراع السياسي ومعركة النفوذ الدائرة رحاها في البلاد.

وتعتزم وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روز ماري دي كارلو زيارة ليبيا الأحد لتلتقي مع شخصيات سياسية لمناقشة أوضاع البلاد.

وتستمر زيارة المسؤولة الأممية إلى الأربعاء للقاء “أصحاب المصلحة الرئيسيين”، حيث ستناقش معهم “سبل دعم الجهود الليبية والدولية لإعادة تنشيط العملية السياسية، بهدف استعادة السلام والاستقرار والوحدة في ليبيا”.

وتأتي الزيارة في وقت تسعى فيه البعثة الأممية لوضع حل لأزمة إدارة مصرف ليبيا المركزي إذ رعت البعثة الأسبوع الماضي اجتماعات منفصلة لممثلين عن مجلسي النواب والدولة والمجلس الرئاسي وانتهت إلى طلب ممثلي البرلمان مهلة إضافية من خمسة أيام تنتهي الاثنين لاستكمال المشاورات بشأن وضع المصرف.

وكانت محكمة استئناف بنغازي، قضت لصالح الصديق الكبير بوقف تنفيذ القرارات المطعون فيها، إلى حين الفصل في الأمر، حيث اعتبرت جميع قرارات المجلس الرئاسي بشأن المصرف المركزي منعدمة

وبدورها أصدرت هيئة رئاسة مجلس النواب الليبي في وقت سابق قرارا باستمرار العمل بالقرار رقم ( 25) لسنة 2023، الذي يفوض باختصاصات وتكليف كل من الصديق عمر الكبير محافظا للمصرف، ومرعي مفتاح رحيل البرعصي نائبا للمحافظ”.

◄ رجل الأعمال الليبي حسني بي حذر من تداعيات أزمة مصرف ليبيا المركزي على استقرار سعر الصرف، في ظل استمرار الخلاف بين مجلسي النواب والدولة بشأن تعيين محافظ جديد للمصرف
رجل الأعمال الليبي حسني بي حذر من تداعيات أزمة مصرف ليبيا المركزي على استقرار سعر الصرف، في ظل استمرار الخلاف بين مجلسي النواب والدولة بشأن تعيين محافظ جديد للمصرف

وتضمن قرار الهيئة، كذلك “إنهاء القرار السابق الذي قضى بتكليف محمد عبدالسلام الشكري محافظا لمصرف ليبيا المركزي، وذلك لمضي المدة المحددة دون مباشرته لعمله”.

واعتبر وكيل وزارة الخارجية بالحكومة الليبية المؤقتة حسن الصغير، أن عودة محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير إلى منصبه لا تعني استمراره طويلا، ولكن تؤكد رحيل الدبيبة ومعه محمد المنفي قريبا.

وقال الصغير ”يبدو أن الكبير سيكون في مكتبه في طرابلس الأسبوع القادم، ويبدو أن سرت أو غدامس ستكون ملتقى حوار ليبي قادم”.

وأشارت أوساط ليبية إلى أن الملف بات شديد التعقيد، وذلك لاعتبارات عدة من بينها، أن مجلسي النواب والدولة غير مؤهلين حاليا للتوافق على تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي وفق اتفاق أبوزنيقة المغربية الصادر في يناير 2021، وأن تمسك المجلس الرئاسي ومن ورائه حكومة الدبيبة بقرار الإطاحة بالكبير سيعيد تقسيم المصرف، وبالتالي سيدفع الأمر نحو انقسام مالي واقتصادي يضاف إلى حالة الانقسام العسكري والحكومي والبرلماني، لاسيما أن الكبير مستعد للانتقال إلى بنغازي أو البيضاء في شرق البلاد لتولي مهمة المحافظ من هناك وهو الذي لا يزال يحظى بشرعية من مجلس النواب، وطلب من رئيسه عقيلة صالح توفير مقارّ ومباني للمصرف في المدينتين، وعرض قائمة جديدة لأعضاء مجلس الإدارة للمصادقة عليها خلال أيام.

وحذر رجل الأعمال الليبي حسني بي من تداعيات أزمة مصرف ليبيا المركزي على استقرار سعر الصرف، في ظل استمرار الخلاف بين مجلسي النواب والدولة بشأن تعيين محافظ جديد للمصرف، لافتا إلى أنه في حال الاتفاق على حل للأزمة وتكليف محافظ جديد، سواء كان مؤقتا أو دائما، فإن أحد الإجراءات المحتملة هو إلغاء الرسم المفروض بنسبة 27 في المئة على سعر صرف الدولار.

وأوضح حسني بي أن القيمة الحالية لسعر الصرف في السوق تبلغ نحو 4.850 دينار مقابل الدولار، مع احتمال ارتفاعها إلى 6.150 دينار إذا لم يتمكن مصرف ليبيا المركزي من توفير ما لا يقل عن 2 مليار دولار شهرياً في السوق، مردفا أن تجاوز سعر الصرف حاجز 6.150 دينار أمر وارد إذا استمر العجز في تلبية الطلب على الدولار.

وبحسب الأوساط الليبية، فإن الكبير وعدد من مساعديه الذين اختاروا اللجوء إلى إسطنبول وجدوا تفهما من تركيا التي تسعى إلى رأب الصدع وتجاوز الخلاف، وهو ما كان محور لقاء رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين مساء الخميس مع الدبيبة وعدد من المسؤولين بالمجلس الرئاسي في طرابلس، حيث بحث سبل التوصل إلى حلول توافقية بين الأطراف الليبية من خلال حوار وطني شامل يضمن الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها، مشددا على التزام بلاده بوحدة ليبيا واستقرارها.

ولا يستبعد المراقبون من وجود تنسيق تركي – مصري بخصوص أزمة مصرف ليبيا المركزي، خاصة بعد زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى أنقرة ولقائه مع الرئيس رجب طيب أردوغان.

وبحث المبعوث الأميركي إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند مع نائب وزير الخارجية التركي برهانتين دوران والمديرة العامة لإدارة الشرق والجنوب الأفريقي إليف أولجن معالجة أزمة مصرف ليبيا المركزي.

‏وقال نورلاند، عبر حساب السفارة الأميركية بموقع إكس، “أقدّر المشاورات القيّمة في أنقرة مع نائب وزير الخارجية دوران والمديرة العامة أولجن حول كيفية تعاون المجتمع الدولي بأكمله لدعم المفاوضات التي تسهّلها الأمم المتحدة ليس فقط لمعالجة الأزمة الحالية في ‎ليبيا المتعلقة بالمصرف المركزي، ولكن أيضاً لحلّ الانقسامات السياسية الكامنة من أجل تأمين مستقبل مستقر وديمقراطي للشعب الليبي”.

وكان المبعوث الأميركي حذر في وقت سابق من محاولة استبدال قيادة مصرف ليبيا المركزي بالقوة، مما قد يؤدي إلى فقدان ليبيا الوصول إلى الأسواق المالية الدولية.

وأشار المبعوث الأميركي إلى ضرورة حماية نزاهة مصرف ليبيا المركزي، مثله مثل المؤسسات السيادية الأخرى في ليبيا، مؤكداً أن النزاعات حول توزيع ثروات ليبيا يجب أن تُحل من خلال مفاوضات شفافة وشاملة نحو تحقيق ميزانية موحدة تعتمد على التوافق.

ويعيد بعض المحللين اتصالات نورلاند مع المسؤولين الأتراك إلى دور أنقرة المهم في ملف المصرف المركزي الليبي وهي التي تحظى بعلاقات قوية مع جميع الأطراف بمن فيهم المحافظ المعزول من قبل المجلس الرئاسي الصديق الكبير، والذي أصبح مرشحا للعودة من جديد إلى منصبه ولكن لمدة وجيزة مرشحة لأن تطول في غياب القدرة عن التوصل إلى توافق حول من يخلفه.

في الأثناء، أكدت الخارجية الفرنسية أنها تدعم جهود الوساطة الأممية في ليبيا لحل أزمة رئاسة المصرف المركزي، داعية جميع الجهات الفاعلة إلى العمل مع البعثة بحسن نية بغية التوصل إلى تسوية.

6