هل يساعد تحديد سن تشغيل الخادمات في المغرب على تحسين أوضاعهن

الرباط ـ تزايدت في السنوات الأخيرة الدعوات الحقوقية والنداءات المطالبة بالحد من ظاهرة تشغيل الفتيات في المنازل والمتفشية بشكل كبير في المجتمع المغربي.
وقد تدخل المُشَرِّع المغربي لتقنين تشغيل الفتيات وتوفير الحماية الكافية لهن حتى لا يتعرضن لاستغلال المشغل مما يساعد على تحسين أوضاعهن الاجتماعية والمعيشية لكونهن ينحدرن من أسر فقيرة.
وابتداء من 3 أكتوبر 2023 يتم تحديد سن تشغيل خادمات المنازل بـ18 سنة فما فوق، وذلك طبقا لمقتضيات القانون المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل الخاصة بالعاملات والعمال المنزليين، كما يتم فرض الفحص الطبي الدوري كل ستة أشهر على نفقة المشغل وعدم تشغيل الخادمات في أوقات معينة ووضعيات خطيرة تهدد سلامتهن وسلوكهن الأخلاقي أو قد يترتب عليها ما قد يخل بالآداب العامة. وحسب المادة السادسة من قانون تحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين فإنه يحدد الحد الأدنى لسن تشغيل الأشخاص، بصفتهم عاملات أو عمالا منزليين، بـ18 سنة.
ويعاقب بغرامة من 25 ألف درهم إلى 30 ألف درهم: كل شخص استخدم عاملة أو عاملا منزليا يقل عمرهما عن 16 سنة، وكل شخص استخدم عاملة أو عاملا منزليا يقل عمرهما عن 18 سنة، كما يتعرض لنفس العقوبة المالية كل شخص استخدم عاملة أو عاملا منزليا يتراوح عمرهما بين 16 و18 سنة دون إذن من ولي أمر العاملة أو ولي أمر العامل، وكل شخص ذاتي يتوسط في تشغيل عاملات أو عمال منزليين بمقابل، بالإضافة إلى كل من استخدم عاملة أو عاملا منزليا خلافا لأحكام الفقرة الثالثة من المادة السادسة من قانون تحديد شروط الشغل المتعلق بالعاملات والعمال المنزليين.
اللجوء إلى العمالة المنزلية ليس محصورا في الأسر الغنية، بل يشمل تقريبا كل الأسر رغم اختلاف موقعها
ورغم أنه لا تتوفر معطيات رسمية دقيقة حول العمالة المنزلية، إلا أن بعض التقديرات الرسمية تشير إلى 200 ألف عامل وعاملة منزلية، بينما تقدّر مؤسسات نقابية ومدنية العدد بمليون شخص.
وحسب دراسة أعدها مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية بالشراكة مع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تشكل النساء 90 في المئة من العمالة المنزلية بالمغرب، مبرزة أن عدد عقود الشغل لا تتجاوز 2000 رغم صدور قانون العمالة المنزلية سنة 2016، واللجوء إلى العمالة المنزلية ليس محصورا في الأسر الغنية أو الميسورة، بل يشمل تقريبا كل الأسر رغم اختلاف موقعها السوسيو – اقتصادي.
وتطرقت الدراسة، المعنونة بـ”مشروع تعزيز العمل اللائق في المغرب من خلال حماية وتنظيم العمالة المنزلية”، إلى أن القانون المغربي رقم 12 – 19 بشأن عاملات وعمال المنازل دخل حيز التنفيذ في أكتوبر 2018، وكان من المفروض أن يمنح مئات الآلاف من عاملات وعمال المنازل الحماية الاجتماعية التي حرموا منها لفترة طويلة، لكن يتضح أن تطبيقه بعيد جدا عن الأهداف المتوقعة.
ويعتبر أداء الأجر من أهم العناصر المميزة لعقد الشغل، ولأن الأجر يلعب أدوارا اجتماعية واقتصادية جد مهمة، فقد حرص القانون الجديد على اشتراط ألا يقل مبلغ الأجر النقدي الذي يتقاضاه العامل المنزلي عن 60 في المئة من الحد الأدنى القانوني للأجر، المعمول به في قطاعات الصناعة والتجارة، ولا تعتبر مزايا الإطعام والسكن ضمن مكونات الأجر النقدي.
وتشير إحصائيات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى التصريح بـ4523 عاملة وعاملا منزليا فقط في الضمان الاجتماعي إلى نهاية أوت 2021، داعية إلى التعداد الدقيق للعمالة المنزلية وقياسها الوظيفي والإحصائي، ودمجها في نظام المحاسبة الوطنية، وتعزيز الاعتراف بها من قبل الدولة والمجتمع.
ابتداء من 3 أكتوبر 2023 يتم تحديد سن تشغيل خادمات المنازل بـ18 سنة فما فوق طبقا لمقتضيات القانون المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل الخاصة بالعاملات والعمال المنزليين
ودعمّت دراسة مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية بالشراكة مع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل فكرة العمل المشترك والمتكامل والمندمج من أجل تعزيز العمل اللائق للعاملات والعمال المنزليين، بما يشمل السلطة التنفيذية (وزارة الإدماج الاقتصادي ووزارة المالية ووزارة الصحة ووزارة التضامن ووزارة الشباب)، والسلطة التشريعية لإصلاح القانون (الغرفتان)، والسلطة القضائية (النيابة العامة)، ونقابات العمال وأرباب العمل، وجمعيات المجتمع المدني.
واعتبرت خديجة الرباح، الفاعلة الحقوقية والعضو المؤسس للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، أن من أسباب استمرار ظاهرة تشغيل الفتيات الظروف الاجتماعية والفقر والهشاشة والأمية التي تعرفها بعض الأسر، الأمر الذي يتطلب من الدولة العمل على وضع قوانين تحمي الأطفال، ومن المجتمع المدني الانخراط والتعبئة والتوعية إلى جانب وسائل الإعلام والجامعة والمدرسة، بهدف جعل مكان أطفالنا المدرسة وليس الشغل أو العمل في المنازل.
وركزت مرافعات الجمعيات والنقابات المعنية بالعمالة المنزلية على مطالب ضرورية؛ منها عقد عمل مكتوب قانونيا، وأجر لائق للحياة الكريمة، والتصريح في الضمان الاجتماعي، ومدة عمل قانونية، وصحة وسلامة مهنيتان، والحق في الراحة والعطل والرخص والإجازة، ومنع العمل الجبري والإلزامي وتشغيل الأطفال، وحق التعبير والتنظيم النقابي، وضمان حقوق مماثلة للعمالة المنزلية المهاجرة بالمغرب.
وخلال جائحة كورونا وجدت الكثير من العاملات أنفسهن دون عمل ودون أجر، إذ استغنت مجموعة من الأسر عن العاملة المنزلية خوفا من العدوى، ولم تستفد شريحة كبيرة من العاملات من المساعدة الصحية بسبب عدم توفرهن على التغطية الصحية.
ودعت مجموعة من الفعاليات النقابية والجامعية والحقوقية إلى هيكلة قطاع العمالة المنزلية بالمغرب، من أجل تعزيز العمل اللائق لهذه الفئة المهنية، مع توفير الحماية الاجتماعية الضرورية للعمال والعاملات المنزليات، واحترام التشريعات القانونية المنظمة للقطاع.
وأوضح عبدالرحمن ملين، باحث بمركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، أن “هذه الفئة تتميز بضعف الأجور والحماية الاجتماعية”، لافتاً إلى أن معظمها “ينحدر من أوساط فقيرة، بما فيها القرى والمناطق شبه الحضرية والأحياء الهامشية بالمدن”. كما أكد أن “الظاهرة بدأت تتغير قليلا في السنوات الماضية”.

وللتدليل على تغير ظاهرة العمالة المنزلية بالمغرب توقف عبدالرحمن ملين عند هذه النقطة بالتأكيد على أن “الفئة العمرية التي يتراوح سنها بين 35 و50 هي المهيمنة على القطاع، إلى جانب ندرة العمالة المنزلية لدى القاصرات، ومن ثم يحتمل أن تضمحل هذه المسألة على المدى المتوسط”.
وذكر الباحث في مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية أن العامل المتغير يتجلى كذلك في بروز عمالة منزلية ذات مستوى تعليمي عال، قد يصل أحيانا إلى المستوى الجامعي، لاسيما العمالة المنزلية الموجهة إلى الأشخاص كبار السن والأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة.
وانطلاقا من ذلك دعا نقابيون ومحامون إلى تطبيق القانون رغم أوجه قصوره، ورفع الحد الأدنى من الأجور، وتكوين مفتشي الشغل في هذا الميدان رغم صعوبة الأمر بسبب حرمة المنزل، ودعم قيم الهيكلة عبر التوعية، وتنظيم القطاع على المستوى الاقتصادي (تعاونيات أو جمعيات) والمستوى النقابي (تأسيس منظمات).
وترى الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن العمالة المنزلية تجسد جانباً من جوانب القطاع غير المهيكل في المغرب، وهو ما رصدته تقارير سابقة للمندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وأن القانون المنظم للعمالة المنزلية مسألة إيجابية، لكن الإشكال الحقيقي يكمنُ في ترجمة بنوده على أرض الواقع، ومعالجة القضايا الاجتماعية التي يطرحها في المجتمع.
ويؤكد القيادي النقابي خالد الهوير العلمي أن مئات الآلاف من المواطنين يشتغلون في هذا القطاع غير المهيكل دون حقوق، فيما يضمن الدستور لكل المغاربة حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، داعيا إلى تسليط الضوء على العمال المنزليين الذين يشتغلون لدى الوزراء والبرلمانيين أنفسهم.