هل يحقق الديوك النجمة الثالثة في مشاركاتهم بالمونديال

تختتم الأحد نهائيات مونديال قطر بالمواجهة الحلم بين المنتخبين الأرجنتيني والفرنسي، وذلك بعد شهر من المنافسات المثيرة المليئة بالمفاجآت، أبرزها المنتخب المغربي الذي خطف الأضواء. وكانت المواجهة بين الأرجنتين وفرنسا على الأرجح أجمل مباراة في مونديال روسيا 2018 وقد حسمها مبابي ورفاقه، ليحجزوا بطاقتهم إلى ربع النهائي في طريقهم لمنح بلادهم لقبها العالمي الثاني. وبعد أكثر من أربعة أعوام بقليل، يتجدد الموعد بين المنتخبين على ملعب لوسيل، حيث سيتواجه ميسي مع مبابي الذي بات زميله بعد انتقال الأرجنتيني من برشلونة إلى سان جرمان في صيف 2021.
الدوحة - نجح ديدييه ديشامب المدير الفني للمنتخب الفرنسي في الوصول إلى نهائي كأس العالم بكل جدارة واستحقاق للمرة الثانية على التوالي في تاريخ مميز يسطره هذا المدرب الكفء بطل المونديال السابق، حيث يمكن القول إن ديشامب أجبر الاتحاد الفرنسي لكرة القدم على التجديد معه واستمراره بفضل النتائج المحققة في المونديال.
فقبل انطلاقة البطولة كان الاتفاق يسير بتولي زين الدين زيدان المسؤولية عقب نهاية كأس العالم، خاصة أن عقد ديشامب سينتهي بعد المونديال وهناك قرار بعدم التجديد والاستعانة بخبرات زيدان خاصة بعد الخروج من كأس الأمم الأوروبية الأخيرة على يد سويسرا، إلى جانب النتائج السلبية في دوري الأمم الأوربية، ولكن النتائج المحققة والوصول إلى النهائي في بطولة كأس العالم قطر 2022 جعلاه يجدد العقد حتى 2024، ولهذا فإن استمراره مستحق بالفعل. ويتطلع المُدرب الفرنسي إلى مُعادلة الرقم القياسي المُسجل باسم الإيطالي فيتوريو بوتسو الذي تُوّج بلقب كأس العالم مرتَين مع مُنتخب بلاده في نسختَي 1934 و1938، ليكونَ الوحيد الذي فاز باللقب مرتين كمدرب عندما يلاقي المنتخب الأرجنتيني.
كي تفوز بلقب المونديال، تحتاج إلى استغلال أكبر نقطة قوة تميز فريقك، وهذا ما استخدمه ديشامب مدرب الديوك في مونديال روسيا 2018 والنسخة الحالية 2022، ويسعى لتكراره ضد الأرجنتين للحفاظ على لقب كأس العالم. إننا نتحدث عن الاعتماد على “الكرة القبيحة” التي يفضلها ديشامب، بغض النظر عن النجوم المتواجدين تحت تصرفه في المنتخب الفرنسي. ولعل ديشامب يترك المبادرة للمنافس متطوعا في أوقات كثيرة من المباريات، وهذا قد يجعلنا نرى منتخبات مثل إنجلترا والمغرب تتفوق في إحصائيات المباراة على الديوك، لكننا نجد النتيجة في النهاية ترجح كفة فرنسا.
الجيل الذهبي
لم ينجح ديشامب في كسب ثقة جمهور الديوك أو محبي الكرة الفرنسية على مستوى العالم قبل انطلاق مونديال 2018. وكانت الأغلبية تتذكر خسارة ديشامب للقب يورو 2016 على أرض فرنسا، في الأمتار الأخيرة لصالح البرتغال التي فقدت خدمات كريستيانو رونالدو في المباراة النهائية بسبب الإصابة. وكان ذلك بمثابة عبء إضافي على ديشامب قبل انطلاق مونديال روسيا، حيث كان الجميع يتحدث عن امتلاك فرنسا لجيل ذهبي في كل خطوطه قادر على حكم العالم، ولكن ينقصه فقط المدرب الخبير.
وابتعد الأمر إلى درجة تصنيف بدلاء فرنسا بأنهم قادرون على حصد لقب المونديال، مما يعني أن ديشامب لا يملك أعذارا إذا عاد إلى باريس دون الكأس. ونجح ديشامب في مهمته لكن عبر استغلال “الكرة القبيحة” التي قد لا تمتع الجمهور لكنها تأتي بالنتائج المرجوة.. ويمكننا القول إنها أيضًا سبب تأهل الديوك إلى نهائي 2022، لكن هذه المرة دون مفاجآت للجمهور الذي أدرك أنها أقصر طريق إلى النجاح.
◙ ديشامب نجح في الوصول إلى نهائي بطولة كأس العالم بكل جدارة واستحقاق للمرة الثانية على التوالي في تاريخ مميز
ربما عدم المغامرة والتحفظ الزائد في أسلوب لعب ديشامب، يرتبطان أيضا بأنه عمل تحت ضغط وجود البديل الكفء، الذي كان بمثابة السكين الذي وضع على رقبته في المونديالين السابق والحالي، خاصة أن الاسم المطروح لخلافته لا يرتبط بأي فريق، وتمكن من السيطرة على أقوى بطولة عالمية للأندية لثلاث سنوات على التوالي. ويترشح لهذا المنصب زين الدين زيدان الذي جلب لمنتخب فرنسا اللقب الأول في تاريخها عام 1998، ويشهد العالم بأكمله على إنجازه الاستثنائي رفقة ريال مدريد، و”الكرة الجميلة” التي قدمها مع الميرنغي.
بعدما تخلص من عقدة الفشل في إحراز الألقاب مع المنتخب الوطني بتتويجه ببطولة كوبا أميركا 2021، يسعى ميسي لإنهاء مشاركته الخامسة في كأس العالم بأفضل طريقة من خلال منح بلاده لقبها الأول منذ 1986، لكن مبابي سيحاول جاهدا أن يعكر خططه وأن يجعل من "الديوك" أول منتخب يحتفظ باللقب منذ البرازيل عام 1962. وبالنسبة إلى مهاجم فرنسا أنطوان غريزمان “ستكون مباراة جميلة لخوضها، مباراة جميلة لمشاهدتها، وأعتقد أنها ستكون مباراة نهائية جميلة".
وسيكون النهائي أيضا مسرحا للفوز بلقب هداف النهائيات بين ميسي ومبابي اللذين يتقاسمان الصدارة حاليا بخمسة أهداف لكل منهما، ما يعطي لقاء الأحد طابعا خاصا على الصعيد الفردي ما سيخدم المصلحة الجماعية في نهاية المطاف في حال سجل أحدهما، أو سجلا معا.
ويشكّل الفوز بجائزة الهداف واللقب العالمي دفعا هائلا لأي منهما في السباق على الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، حيث يسعى ميسي عن 35 عاما لنيلها للمرة الثامنة في مسيرته الأسطورية، فيما يبحث مبابي (23 عاماً) عن الانضمام إلى نادي الفائزين بها للمرة الأولى. وإذا فشل اللاعبان في الوصول إلى الشباك في مباراة لوسيل، ستكون الفرصة سانحة أمام زميليهما أوليفييه جيرو وخوليان ألفاريز لانتزاع جائزة الهداف بما أن كلا منهما يملك في رصيده 4 أهداف.
النهائي الحلم
ويستعد الساحر الأرجنتيني ليونيل ميسي للانفراد بالرقم القياسي كأكثر اللاعبين خوضا للمباريات في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، عندما يقود منتخب بلاده ضد فرنسا، في المباراة النهائية لنسخة المونديال المقامة حاليا في قطر. وفي حال مشاركته في هذا اللقاء الذي سيجرى على ملعب لوسيل، سوف يفض ميسي شراكته مع النجم الألماني السابق لوثر ماتيوس، حيث سيخوض قائد منتخب الأرجنتين حينئذ مباراته الـ26 في مسيرته بالمونديال، التي بدأت قبل 16 عاما. وفي تقرير لها، سلطت وكالة الأنباء البريطانية "بي.أي ميديا" الضوء على مشوار ميسي مع منتخب الأرجنتين في البطولة الأهم والأقوى في عالم الساحرة المستديرة.
ولم يتواجد ميسي في القائمة الأساسية لمنتخب الأرجنتين في معظم المباريات بمونديال 2006 بألمانيا، التي شهدت ظهوره الأول بكأس العالم عندما كان مراهقا، حيث جلس على مقاعد البدلاء في بداية أغلب اللقاءات، واكتفى بتسجيل هدف وحيد خلال انتصار منتخب بلاده الكاسح 6 – 0 على منتخب صربيا الذي كان يشارك آنذاك في البطولة باسم صربيا والجبل الأسود، حيث سجل آخر أهداف "راقصي التانغو" في المباراة.
وأكد المنتخب الأرجنتيني الذي وصل إلى الدور النهائي لبطولة كأس العالم 2022، أن الترشيحات التي صبت في صالحه لم تكن وليدة الصدفة وإنما نتيجة العمل الكبير الذي يقوم به المدرب ليونيل سكالوني مع مجموعة من اللاعبين المميزين.
ويعيش منتخب التانغو أفضل فتراته في آخر سنتين خاصة بعد تتويجه ببطولة كوبا أميركا عام 2021 ضد المنتخب البرازيلي في البطولة التي أقيمت وقتها بالبرازيل، وتمكن المنتخب الأرجنتيني من كسر نحس دام لمدة 28 عاما، كما توج رفقاء ميسي أيضا بالكأس الدولية ضد منتخب إيطاليا بطل أوروبا، وكان المنتخب الأرجنتيني يمتلك سلسلة بـ35 انتصارا قبل أن يوقفها المنتخب السعودي، ليحقق رفقاء ميسي الأهم وهو حلم الوصول إلى النهائي بعد 14 سنة عن آخر نهائي خاضه الأرجنتين عام 2014 ومحاولة التتويج والعودة باللقب إلى الأرجنتين بعدما غاب 36 سنة عن آخر تتويج أرجنتيني سنة 1986.
بمؤازرة هائلة من جمهوره الذي جعله يشعر كأنه يلعب على أرضه، كان المنتخب المغربي مفاجأة النهائيات القطرية من دون منازع بعدما تصدر مجموعته أمام كرواتيا وصيفة 2018 وبلجيكا الثالثة التي انتهى مشوارها عند الدور الأول، قبل أن يقصي العملاقين الإسباني والبرتغالي في الدورين ثمن وربع النهائي.
ودخل رجال المدرب وليد الركراكي التاريخ بعدما بات المغرب أول منتخب أفريقي وعربي يصل إلى نصف النهائي، لكن المغامرة انتهت على يد فرنسا بالخسارة أمام أبطال العالم صفر – 2، لينحصر الطموح الآن بمحاولة تتويج هذه المشاركة التاريخية بالميدالية البرونزية من خلال الفوز بمباراة المركز الثالث ضد كرواتيا التي تعادل معها في دور المجموعات 0 – 0.
وعن المشوار التاريخي لفريقه، قال الركراكي “كانت لدينا هذه الطاقة من الأفارقة، العالم العربي، الذين مدونا بهذه الموجات الإيجابية (..) في مرحلة ما، أراد الجميع أن يفوز هذا الفريق”. واستحق “أسود الأطلس” دخول التاريخ بفضل روحهم القتالية وأدائهم الدفاعي الرائع الذي أبقى شباكه عصية على المنافسين حتى مباراة نصف النهائي، بما أن الهدف الوحيد الذي تلقوه كان ضد مرماهم في مباراة كندا (1 – 2) في دور المجموعات بعدما حوّل نايف أكرد الكرة في شباكه عن طريق الخطأ.
مونديال الحراس
صحيح أن المغرب كان صاحب المفاجأة الأكبر في النهائيات، لكنه لم يكن الوحيد الذي خالف التوقعات في قطر، إذ كانت مشاركة المنتخبات الآسيوية لافتة جداً، بدءاً من السعودية التي صدمت ميسي ورفاقه في مستهل المشوار بإسقاطهم 2 – 1، لكنها لم تبنِ على هذه النتيجة لبلوغ ثمن النهائي، فخسرت مباراتيها التاليتين وودّعت.
المفاجأة الآسيوية الأكبر كانت يابانية بالتأكيد، إذ وبعدما تمكن “الساموراي الأزرق” من قلب الطاولة على ألمانيا بطلة العالم أربع مرات بالفوز عليها 2 – 1 ما تسبّب لاحقا في انتهاء مشوارها عند دور المجموعات، عاد وكرّر السيناريو أمام إسبانيا بطلة 2010 بالفوز عليها 2 – 1 ليحجز بطاقته إلى ثمن النهائي حيث انتهى المشوار على يد كرواتيا بركلات الترجيح.
◙ النهائي سيكون مسرحا للفوز بلقب هداف النهائيات بين ميسي ومبابي اللذين يتقاسمان الصدارة بخمسة أهداف لكل منهما
أما كوريا الجنوبية شريكة اليابان في استضافة نهائيات 2002 فحققت المفاجأة في الجولة الأخيرة من دور المجموعات بإسقاطها برتغال كريستيانو رونالدو 2 – 1، ما سمح لها بالتأهل على حساب الأوروغواي بطلة العالم مرتين، لكن المشوار انتهى بقساوة على يد البرازيل (1 – 4).
وحملت الجولة الأخيرة من دور المجموعات مفاجأة مدوية أخرى بفوز تونس على فرنسا 1 – 0 في لقاء خاضته الأخيرة بتشكيلة رديفة بما أنها كانت ضامنة تأهلها، لكن هذا الانتصار التاريخي لم يكن كافيا لـ”نسور قرطاج” من أجل العبور إلى ثمن النهائي لأول مرة في تاريخهم.
صحيح أن الحديث دائما ما يكون عن نجوم مثل ميسي، مبابي، البرازيلي نيمار أو الكرواتي لوكا مودريتش الذي أنهى حلم “سيليساو” بلقب أول منذ 2002 وسادس في تاريخه بإقصائه من ربع النهائي، لكن ذلك لا يقلل من أهمية ما قدمه حراس المرمى في نهائيات قطر لاسيما في الأدوار الإقصائية. وهذه إحصائية تلخص أهميتهم: تم التصدي بنجاح لربع ركلات الجزاء (من دون احتساب ركلات الترجيح وركلات الجزاء التي لم تُسدد على المرمى)، أي 5 من أصل 20 محاولة، مقابل 4 من 29 في روسيا 2018.
وكان ياسين بونو (المغرب) ودومينيك ليفاكوفيتش (كرواتيا) وإميليانو “ديبو” مارتينيس (الأرجنتين) وأندريس نوبرت (هولندا) أو القائد الفرنسي المخضرم هوغو لوريس عناصر حاسمة في هذه النهائيات. وقال الحارس الدولي الكولومبي السابق فريد موندراغون، عضو مجموعة الدراسات الفنية في الاتحاد الدولي "فيفا"، إنها "كأس عالم استثنائية لحراس المرمى. كان حراس المرمى الأربعة الذين قادوا فرقهم إلى الدور نصف النهائي، حاسمين جميعا وعازمين من خلال تصدياتهم، لكن أيضا في مساهمتهم ببناء الهجمات".