هل يحسم الذكاء الاصطناعي مستقبل السباق بين أميركا والصين

الصين تشغل مئات "مراكز الأبحاث" في جميع أنحاء البلاد لتسهيل ترجمة الأفكار الجديدة إلى منتجات.
الجمعة 2025/04/04
الرد الصيني السريع على تشات جي بي تي

واشنطن - واجهت الولايات المتحدة لحظات حاسمة من قبل، مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الباردة، والكساد الاقتصادي في السبعينات، وصعود اليابان في الثمانينات، وهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية. لكن المنافسة الحالية مع الصين مختلفة تمامًا. فالصين تنافس الولايات المتحدة على صعيد حجم الاقتصاد، والنفوذ العالمي، والتطور التكنولوجي، وفي طليعته الذكاء الاصطناعي.

في المقابل، لا يمتلك صناع السياسة في واشنطن إستراتيجية متماسكة لمواجهة هذا التحدي غير المسبوق، وإنما يدورون في حلقة مفرغة من القرارات التي تأخذ شكل رد الفعل، وهو ما يصب في النهاية في صالح بكين، على حد قول ديوي مورديك، المدير التنفيذي لمركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة في جامعة جورج تاون الأميركية، ووليام هاناس، المحلل الرئيسي في المركز، في التحليل المشترك الذي نشره موقع مجلة ناشونال إنتريست الأميركية.

تعتمد الولايات المتحدة حاليًا في مواجهة التحديات على أدوات تشمل الإكراه من خلال العقوبات الاقتصادية والتهديد بالعمل العسكري. ورغم فعالية هذا النهج إلى حد ما في الماضي، فإنه غير كافٍ لمواجهة التحدي الصيني.

التكنولوجيا وحدها غير كافية لضمان هيمنة الولايات المتحدة فالصين تدرك ضرورة تحويل الاكتشافات إلى منتجات

تحتاج واشنطن إلى إستراتيجيات جديدة، مدعومة بالبحث والرصد المستمر، لتقييم قدرات الصين التنافسية، وتتبع تقدمها التكنولوجي، وتمييز أنماط تعاملها مع الدول الأخرى. وكلما اتخذت واشنطن تدابير أفضل وحققت فهمًا أعمق للتحديات التي تواجهها الصين، كلما نجحت في بلورة رؤية استباقية لضمان نجاح طويل الأمد في ظل المنافسة الجيوسياسية.

على إدارة ترامب، وقادة الشركات، والمتبرعين في الولايات المتحدة ضخ استثمارات عامة وخاصة غير مسبوقة في تنمية المواهب، بما في ذلك المهارات الصناعية التي لا تتطلب شهادات جامعية، وفي البحث والتطوير عالي المخاطر/عالي العائد، والاعتراف بأن التكنولوجيا وحدها غير كافية لضمان هيمنة الولايات المتحدة. فالصين تدرك ضرورة تحويل الاكتشافات إلى منتجات، وقد صقلت مهاراتها في ذلك على مدى آلاف السنين.

حاليًا، تشغل الصين مئات “مراكز الأبحاث” الممولة من الدولة في جميع أنحاء البلاد، بعيدًا عن المدن الكبرى الساحلية، لتسهيل ترجمة الأفكار الجديدة إلى منتجات. كما تنشئ “سلاسل صناعية متكاملة للذكاء الاصطناعي” لتوفير تقنيات الحوسبة والذكاء الاصطناعي للشركات المحلية، بما في ذلك الشركات العاملة في المناطق الداخلية. هذا يضمن لها تحقيق قفزات كبيرة في هذا المجال ويزيد خطورتها على الولايات المتحدة.

فكرة إمكانية احتفاظ الولايات المتحدة بالريادة العالمية إلى أجل غير مسمى من خلال إبطاء صعود الصين عبر قيود التصدير وغيرها من العقبات، هي فكرة قصيرة النظر. فالقدرة النووية للصين ومكانتها المرموقة في مجال الذكاء الاصطناعي تظهران مدى سخافة الاعتماد على مثل هذه الأساليب.

إذا كان الفوز هو الهدف، فهناك فرصة أمام إدارة ترامب لاستغلال نقاط الضعف الصينية من خلال شن نفس الحرب النفسية التي تمارسها الصين ضد الولايات المتحدة وحلفائها عبر عمليات “الجبهة المتحدة”، أو على الأقل، بتأكيد التمييز بين الشعب الصيني والنخبة التي تحكمه. كما يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة في مواجهتها مع الصين من خلال تشجيع الدول والشركات الأجنبية التي تتعاون مع بكين على وضع مصالح الولايات المتحدة في الاعتبار عند اتخاذ قراراتها بشأن التعاون مع الصين.

المنافسة مع الصين تحدم
المنافسة مع الصين تحدم

في الوقت نفسه، فإن استغلال نقاط ضعف الصين لترجيح كفة الولايات المتحدة يبعد السياسة الأميركية عن دائرة رد الفعل التي تدور داخلها منذ سنوات، لكي تركز على أهداف محددة.

لقد برهنت الأيام الأخيرة أن إيقاف تطور الصين تكنولوجيا أمر شبة مستحيل. الجميع راجع حساباته بعد النجاح الذي حققته ديب سيك، الرد الصيني السريع على تشات جي بي تي. واستطاعت الصين “المتأخرة بسنوات عن منافسيها” قلب كل التصورات في أميركا خلال أيام من إطلاق ديب سيك الذي رأى فيه البعض بداية حرب غير معلنة من قبل الصين.

المفاجأة جاءت في وقت خيل فيه للإدارة الأميركية أن باستطاعتها توجيه ضربة قوية للصين تعيدها إلى الوراء عشرات السنين، وهو ما دفعها لإعلان حظر على تصدير الرقائق وبدء حرب تجارية معها، وشجعتها على ذلك آراء لخبراء ومحللين أكدوا أن بداية بكين التكنولوجية جاءت متأخرة جدا وأن أمامها مهمة مستحيلة لتجاوز عقبة الرقائق.

تجارب الماضي وحدها، لو فكرت فيها الإدارة الأميركية مليا، كافية لتثبت لها أن في الصين لا توجد كلمة مستحيل.

لن تنجح الولايات المتحدة في التصدي للصين بمجرد العمل على وقف صعودها، فهذا أمر غير محتمل وغير ضروري. ولكن ستنجح إدارة الرئيس ترامب في تحقيق الهدف من خلال إعادة بناء الطاقة الإنتاجية الأميركية لخلق فرص لكل الأميركيين. يتطلب هذا النهج الصبر، والاستثمار المستدام، لكن البديل الذي يعتمد على تعليق الآمال على المعرفة المجردة، والرد على تحركات الصين، في حين تتدهور المجتمعات الأميركية، أسوأ بكثير.

12