هل نحن بحاجة إلى مؤتمر عراقي للمعارضة
تتداول الأخبار اليومية موضوع عقد مؤتمر للمعارضة العراقية نهاية هذا الشهر في باريس بعد انعقاد عدة مؤتمرات ولقاءات وتجمعات لرافضي العملية السياسية، وصفت من قبل أجهزة الإعلام الحكومية والحزبية في العراق بأنها مؤتمرات “داعشية وبعثية” وهي تهمة جاهزة تحاول ترحيل الأزمة الخانقة التي رافقت العملية السياسية منذ اليوم الأول للاحتلال، علما بأن أكثر حكام اليوم هيمنة، وهم قادة حزب الدعوة، كانوا معارضين للحكم السابق ويدركون بأن ذلك هو حق سياسي تعترف به كل القوانين والأعراف الدولية وشرعة حقوق الإنسان ولا تعاديه سوى الأنظمة الدكتاتورية.
وقبل الإجابة عن سؤال جدوى انعقاد مؤتمر للمعارضة العراقية في باريس، لا بد من الإشارة إلى حقيقة تاريخية وسياسية وهي أن معطيات ومواصفات المعارضات السياسية اليوم قد تغيّرت عما كانت عليه قبل عقود خاصة في شرقي العالم العربي وبالأخص سوريا والعراق حين كانت الأحزاب الشعبية ذات مناهج وطنية وقومية معارضة للاستبداد والتبعية للأجنبي. كان قادة تلك الأحزاب مناضلين حقيقيين لا يهتمون بالمظاهر ويعيشون في الأوكار، يعتمدون في نشاطاتهم على إمكانياتهم الذاتية وإمكانيات جمهورهم من بسطاء الناس وكادحيهم، وكان اللقاء أو التعاون مع السفارات محرّما ويدخل في خانة العمالة للأجنبي.
ولعل المظهر المهم من تلك الخلطة السياسية في السلطة هو عدم تقنين انفراد حزب الدعوة بالحكم مثلما هو واقع الحال وتم تمويه ذلك بما سمي بـ”الشراكة” وهي كذبة طائفية فضحها رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب الدعوة نوري المالكي أواخر أيام ولايته الثانية، ولو تشكلت معارضة حقيقية داخل البرلمان مقابل حكم حزب الدعوة لكانت الأمور مختلفة اليوم.
ففي بغداد يتمتع المعارضون داخل العملية السياسية بامتيازات الحكم، ويدعون المعارضة الشكلية الإعلامية. كان طبيعيا، بعد غياب فرص التأثير داخل البرلمان إضافة إلى وجود قوى وطنية مؤمنة بالعراق من خارج العملية السياسية، أن تتبلور المواقف المعارضة وتتكون معارضة داخل العراق وكذلك خارجه خصوصا لدى أصحاب المواقف الشديدة ضد النظام القائم الذين يخشون التعرض للملاحقة والاعتقال.
ثم يعلن هذا التنظيم البعثي التابع للدوري عدم حضوره “مؤتمر باريس” للمعارضة لأسباب غامضة. ولعل من الأفضل لقادة هذا التنظيم الذين يعلنون عن أسمائهم ومواقعهم التخلي عن الاندفاع وراء شاشات الفضائيات والإعلام وينصرفون بدل المؤتمرات الاستعراضية إلى عقد مؤتمر حزبي يعالج أزمة تنظيمهم الفكرية والسياسية، ويخرجون بتقويم يقنع جمهورهم بما حصل وما جرى.
ويقال إن قطر هي الممول الرئيسي لمؤتمر باريس الذي يسعى جمال الضاري من خلاله، ودون ضجيج إعلامي ينسب إليه، إلى تجميع القوى والطاقات السياسية والفكرية العراقية في خطوة تشكل انطلاقة للعمل المعارضي العراقي الجديد. كما أن هذا المؤتمر مدعوم من الحكومة الفرنسية، ومعلوم أن رجل الأعمال خميس الخنجر كان يشتغل على عقد مؤتمر مماثل في باريس تحت شعار “المشروع العربي” لم يتبناه أو يشجعه الأميركان، وانسحب من المشروع لصالح جمال الضاري.
ورغم شعورنا بأن أي تجميع للقوى والشخصيات الوطنية العراقية مهم في هذه المرحلة الدقيقة، إلا أن عدم وضوح الإستراتيجية السيـاسية لهذا المؤتمر، وسرية أسماء اللجنة التحضيرية وغموض المعايير الموضوعة لاختيار أعضائه، قد تضيع فرصة تحوله إلى قوة مؤثرة في الواقع العراقي وتضع تساؤلات حول جدوى انعقاده وتهدد بفشله، وبذلك تضيف تلك النتيجة إحباطا على إحباط بعد وصول العملية السياسية إلى مأزقها التاريخي، مع قناعتنا بأن المعارضة الحقيقية هي في الداخل، وما يقوم به الشباب العراقي اليوم من حراك سلمي أزعج أقطاب العملية السياسية لدرجة وصف المتظاهرين الشجعان بأوصاف لا تليق بالدماء الزكية، بغض النظر عمن يوظفها، فقطرة دم من شاب عراقي، شيعيا أو سنيا، يعارض العملية السياسية لا تعادلها المئات من المؤتمرات الخارجية، وإذا كانت هناك جدية في عقد مؤتمر لا يستثني إلا المتورطين بدماء العراقيين والفاسدين، فلا بد أن يكون وجهاً إعلاميا داعماً لحراك الداخل.
أيها الباحثون عن الظهور في الفضائيات، ممن ينسبون أنفسهم إلى حركة تاريخية لها مكانتها النضالية في العراق: اتركوا منابر الغربة الإعلامية فلن تثيروا انتباه أحد، واذهبوا إن كنتم شجعانا إلى الداخل فهناك تصنع ملحمة البناء والتغيير يسطرها الشباب المنتفض الذي يقدم دمه في بغداد والبصرة والنجف وغيرها من مدن الوسط والجنوب، بعد أن تم أسر أهل المحافظات العربية الموصل وصلاح الدين وديالى والأنبار في مواكب النازحين. فهناك فقط تأخذ القضية العراقية مكانها اللائق.
كاتب عراقي