هل سيسقط أفارقة الساحل في فخ وكلاء الاستعمار الجدد

على فرض أن روسيا ستتمكن من توسيع موطئ قدمها في أفريقيا وتصبح بديلا لفرنسا سيبقى التساؤل المهم هو ما فائدة هذا الوجود وانعكاساته على المشهد السياسي والاقتصادي للدول الأفريقية.
الثلاثاء 2023/08/08
انقلاب النيجر ضربة موجعة لفرنسا

هل كان انقلاب النيجر حدثا تقليديا اعتادت عليه أفريقيا، أم أن لروسيا يدا فيه؟ وما هي تداعيات سقوط حليف الغرب محمد بازوم على الأنظمة العسكرية الأخرى في القارة السمراء.

يأخذ الصراع الدائر في السودان والانقلاب الأخير في النيجر حيزا بالغ الأهمية، على عكس الانقلابات والحروب الأهلية السابقة التي مرّت مرور الكرام، ذلك لأن أفريقيا اليوم ليست بمنأى عن صراع الغرب مع روسيا، وهي ميدان يشبه إلى حد كبير لعبة شطرنج، يتلخص مبدؤها بموت أكبر عدد من القطع إلى أن يتمكن أحد الطرفين من حصار الملك وتركه في وضعية “كش مات” لتكون بذلك نهاية اللعبة.

روسيا التي سعت منذ بداية عمليتها العسكرية لنقل المعركة إلى خارج حدود أوكرانيا، كانت قد مهدت باكرا لنقل الصراع إلى أفريقيا عبر تغذية بروباغندا معادية للغرب. وكانت المرحلة الأولى من نقل الصراع مقتصرة على التأثير الإعلامي وحملات السوشال ميديا، في محاولة لكسب تعاطف الشعوب الأفريقية ضد الإمبريالية الغربية.

◙ إلى أن يستفيق الأفارقة من سباتهم العميق ويوقنوا أن الانقلابات العسكرية لا يمكن أن تكون سوى واحدة من مراحل تغيير الوكلاء، ستبقى أفريقيا مستودعا للسلاح وزبونا سخيا له

كان هذا تجهيزا لمرحلة ثانية تضع فيها موسكو خطة لتغيير وكلاء الاستعمار بتأييد شعبي يستعمل فيه الانقلابيون الشارع للرد على الضغط الغربي الرافض لها. وهو ما حصل في حادثة اقتحام السفارة الفرنسية في نيامي، ليعاد توظيف الشارع مجددا في عملية شرعنة الانقلاب عبر صناديق الاقتراع لتكتسب سلطة الانقلابيين شرعية شعبية.

يشكل الانقلاب الحاصل في النيجر ضربة موجعة لفرنسا صاحبة الإرث الاستعماري الكبير في القارة الأفريقية، خاصة وأنه بدأ بإلغاء اتفاقيات التعاون العسكري التي تعني حظر الطيران العسكري عبر الأجواء النيجيرية، وهي خطوة لا شك في أنها ستجر وراءها إجراءات أخرى تهدد مصالح فرنسا الاقتصادية، لاسيما ما تعلق منها باستغلالها للثروات المعدنية في البلاد.

فرنسا التي خسرت في ظرف السنوات الخمس الأخيرة منطقة شاسعة من نفوذها في أفريقيا بعد سقوط نظام عبدالعزيز بوتفليقة في الجزائر، وتوتّر علاقاتها مع المغرب، وسقوط حليفها في مالي واليوم في النيجر، تتابع أيضا ما يجرى في السنغال بقلق بالغ نظرا لما يمكن أن يشكله السياسي المعارض عثمان سونكو من خطر بعد حل حزبه.

وليس مستبعدا أن تكون فرنسا بالذات هي من أوعز باتخاذ هذا القرار في الأساس، بعد أن استشعرت رائحة انقلاب يخطط له في الخفاء، فراحت تحاول خلط الأوراق في ربع الساعة الأخيرة من ساعة الصفر. خسارة أخرى إن حصلت فإنها تكون ضربة أكثر إيلاما من الضربات السابقة، ذلك لأنها تفتح الباب لتسارع انتقال العدوى إلى دول أخرى في منظمة إيكواس التي قدّم تحالفها الاقتصادي لفرنسا كل شيء من غير أن تعود المنفعة على شعوبها في المقابل.

لقد أصبح الوجود الفرنسي في أفريقيا أمرا غير مرغوب فيه أكثر من أيّ وقت مضى، وأصبحت خطوة سحب البساط من تحت أقدام فرنسا لعبة واضحة يتحالف فيها الروس والصينيون ممهدين لملء الفراغ عسكريا واقتصاديا.

خسارة أفريقيا الذي ستضاف إلى سجل إيمانويل ماكرون الحافل بالنكسات ستكون نتيجة حتمية لسياسة عرجاء انتهجتها فرنسا خلال العقود الماضية عندما حوّلت أفريقيا إلى مجرد منجم غني تستخرج منه الثروات الباطنية. توزع نسبة ضئيلة منها على وكلائها في السلطة، وتترك أفريقيا تتخبط في مشاكلها التنموية، مبقية على شعوبها رهينة أزمات الغذاء. فتحت تلك السياسة المجال واسعا أمام روسيا لتخطط لإنشاء مستعمرات جديدة تحت غطاء التحرر من قيود فرنسا التي نهبت ما فيه الكفاية. لكن هذا التوسع الروسي المقنع بفكرة التحرر لن يكون إلا نسخة مكررة من تجربة فرنسا، ذلك لأن القوة الخارجية حتى وإن أظهرت مشاعر التعاطف ستبقى قوة حريصة على مصالحها بالدرجة الأولى وستعمل كل ما بوسعها لأن تبقى تلك الشعوب رهينة لقراراتها حفاظا على مصالحها.

◙ الانقلاب الحاصل في النيجر يشكل ضربة موجعة لفرنسا صاحبة الإرث الاستعماري الكبير في القارة الأفريقية، خاصة وأنه بدأ بإلغاء اتفاقيات التعاون العسكري التي تعني حظر الطيران العسكري عبر الأجواء النيجيرية

وعلى فرض أن روسيا ستتمكن من توسيع موطئ قدمها في أفريقيا وستكون البديل لفرنسا، سيبقى التساؤل المهم هو ما فائدة هذا الوجود وانعكاساته على المشهد السياسي والاقتصادي للدول الأفريقية؟

هل ستنجح روسيا في إخراج أفريقيا من براثن الفقر وتحررها من القادة العسكريين الناهبين؟ وهل ستنجح في تقديم نموذج اقتصادي يعمل بمبدأ الشراكة “رابح رابح”، وأن تغير وجه أفريقيا من قارة فقيرة إلى قارة تستفيد من ثرواتها؟

لا بد للأفارقة من أن يستوعبوا مبدأ في غاية البساطة وهو أن التدخلات الخارجية ومحاولات التأثير على المشهد السياسي من الخارج وتحت أيّ حجة كانت لا تخلو من النوايا الخبيثة والمصالح الضيقة، والتي تسعى الجهة المسؤولة عن التدخل لتحقيقها.

ربما وقع الأفارقة تحت تأثير البروباغندا الروسية التي توهمهم بشعار “أفريقيا للأفريقيين”، وأنه لا مكان لفرنسا بعد الآن. وربما هم غير مدركين بأن السلطة التي تصدّر لهم من الخارج لن تكون سوى سلطة وكلاء أعمال لا يهمها أن يتغير حال أفريقيا بقدر ما يهمها ضمان البقاء في السلطة، وضمان مصالح من أوصلهم بطريقة خارجة عن الشرعية إليها.

إلى أن يستفيق الأفارقة من سباتهم العميق ويوقنوا أن الانقلابات العسكرية لا يمكن أن تكون سوى واحدة من مراحل تغيير الوكلاء، ستبقى أفريقيا مستودعا للسلاح وزبونا سخيا له، وسوقا للمنتوجات المقلدة سيئة الجودة، ومنجما للثروات المنهوبة التي تساهم في ثراء الآخرين.

8