هل ستشتعل حرب الملفات القديمة بين إقليم كردستان وإيران

الأربعاء 2017/08/16

الولايات المتحدة الأميركية عندما تفكر في إنشاء قاعدة عسكرية على أراضي أي دولة أخرى، فذلك يعني أنها إقامة ليست مؤقتة. قواعدها في أنحاء العالم تقترب من أو تتعدى 6 آلاف قاعدة وبمساحات وأهداف متعددة، منها بعيدة المدى لحماية الاستراتيجيات الأميركية أو كمحطات نقل وتواصل ومراقبة وتخزين وبعضها بمدارج لسلاح الطيران الحربي، وقواعد تتعلق بالحروب البرية.

قاعدة أميركية غير مشتركة في العراق. إشارة إلى بناء قاعدة عسكرية كبيرة ربما لأول مرة، تحدثت عنها تجمعات عشائرية في ناحية زمار وقريبا من منطقة الكسك. زمار القديمة غمرتها مياه سد الموصل وتم نقل سكانها إلى شرق الحقل النفطي في عين زالة، عموما هي مناطق تقع في محور الحدود التركية السورية.

سبق وأن تم ترميم عدة قواعد أثناء التهيئة لمعركة الموصل، أحيانا تكون مجرد معسكرات آنية كإدارات خلفية ولوجستية للمعارك واختيار الأماكن له علاقة عادة بالموقع والمواصلات وحساب المسافات وتتمركز في بعضها كتائب للمدفعية ونقاط انطلاق للمروحيات القتالية.

القاعدة المعنية تشير التقارير إلى أنها لن تكتمل قبل 6 أشهر وبمعيّتها 4 أو 6 قواعد إضافية مهمتها تحديدا تعطيل المشروع الإيراني وتقطيع أوصاله التي أعلنت عن اكتماله ميليشيات الحشد الشعبي وقياداتها عندما وصفت تمدد الحشد أو الحرس الثوري الإيراني باكتمال الهلال الطائفي على كافة مساحة العراق وسوريا ولبنان.

الحشد الميليشياوي أوغل في انتهاكاته مستغلا الحرب على إرهاب داعش لإعادة توزيع الأدوار في الدول الثلاث. معركة تلعفر قريبة ومتوقعة بين يوم وآخر. القاعدة العسكرية الأميركية تتجاوز تجهيزاتها الزمنية معارك تحرير المدن المتبقية في قبضة داعش وهي من سنجار إلى القائم.

هل ستكون القواعد الأميركية الصغيرة سواتر لصد هجمات المقاتلين في تنظيم دولة الخلافة ومقاتلي دولة الفقيه الإيراني؟ هل سيأتي يوم يقاتل فيه الحشد الشعبي مع داعش والحجة أنهما يقاتلان الشيطان الأكبر؟

لم يعد ذلك غريبا أو مستحيلا بعد تحول طالبان في أفغانستان إلى تنظيم يتلقى الدعم من إيران والحرس الثوري. هل كان متوقعا في يوم ما أن نصدق ما لا يمكن توقعه؟ التخمينات أحيانا منطق تحليلات غير محايد لأنه مبني على المجهول، ثم نصاب بالدهشة عندما يتحول إلى حقيقة ماثلة أمامنا.

السياسة وما يجري على سطحها وتحتها مكشوفة وربما من خلالها نتبيّن حقيقة التعاون أو الصلات السرية في المواجهات المسلحة الدامية بين جهتين تتقاطعان تطرفا مذهبيا، لكنهما تلتقيان في نقطة تحدد أسبابها المصالح التي توجه فوهات البنادق.

ما عاد الحج إلى قم من شخصيات الأحزاب الإسلامية يثير الانتباه ولا يدعو إلى التدقيق في مرجعياتهم الدينية والمذهبية والسياسية، فالاحتكام إلى السلطة والمال يبدد الخلاف والاختلاف ويعيد ترتيب العلاقة في توافقات مستقبلية، وها نحن نرى العجب متحققا، فلمَ لا نتوقع أكبر المفاجآت تذوب في وجهات نظر وتبادل آراء وإصرار على الخطيئة كما هي مهزلة الموقف من الحشد الشعبي وأذرع الحرس الثوري الإيراني في المنطقة، أو كما هو انحياز قطر إلى إيران.

ملابسات مقتل وجرح 200 من كتائب تابعة للحشد الطائفي على الحدود العراقية السورية وإعلان تعرضهم إلى قصف جوي من طيران التحالف، ثم نفي التحالف وغرفة العمليات المشتركة علمهما بأي عملية عسكرية في القاطع المقصود، بعدها تبنى داعش قصفهم بالصواريخ، تلاه تحديد الاستهداف من قبل الكتائب الميليشياوية في منطقة عكاشات العراقية، قيادة الحشد نفت أولا ثم صرح رئيس الوزراء حيدر العبادي بأن الحشد عراقي ومهماته داخل الحدود العراقية ونفى الأخبار عن تناقضات المصادر والمعلومات، ليخرج الناطق باسم الحشد ليقول إن العملية العسكرية وقعت داخل الحدود السورية بعمق 2 كلم وتعمد الإفصاح دفاعا عن المهمات القتالية للحشد داخل سوريا ليؤكد أنه دون دور الحشد وفصائله الميليشاوية لسقط نظام بشار الأسد.

الأكراد لهم كل الحق بالحياة، لكن ليس لهم الحق بالتخلي عن العراق في محنته الكبرى

وأضاف الناطق الرسمي للحشد أن أمن العراق يبدأ بحماية النظام الحاكم في سوريا ولولا قتالهم ضد داعش هناك – كما يقول- لما استطعنا إيقاف تمددهم في العراق. ترى ماذا يقول رئيس وزراء العراق بعد إقرار الحشد بتحديه السافر لطروحات العبادي التي يدافع بها عن عراقية الحشد ومهماته كهيئة منتظمة بقانون وتحت إمرته بصفته القائد العام للقوات المسلحة؟ والناطق باسم الحشد عندما يردد كلمة داعش يقصد كل من حمل السلاح ضد النظام من الشعب السوري وليس التنظيم الإرهابي.

الحشد الميليشياوي بأكثر من سابقة يضع نفسه فوق القوات النظامية، ويريد أن يوصل أنه ليس بحاجة إلى تزكية من رئيس الوزراء أو تبريراته في الدفاع عن ممارسات الحشد. المراد من تصرفات فجّة كهذه ترويض تطلعات العبادي وغيره لأدوار سياسية مقبلة بدت محسومة للحشد وقياداته المدعومة من إيران.

السمات الرئيسية لمرحلة ما بعد داعش في الموصل تبلورت كالآتي: قواعد عسكرية أميركية. استباحة الحشد الميليشياوي للواقع الأمني والسياسي ورفع الشعار الإرهابي في البقاء والوعيد لكل من ينادي بحله. الاستفتاء في إقليم كردستان على الاستقلال. الجهد والعمل العربي لإنقاذ العراق، ولو على مراحل، من الاحتلال الفاشي الإيراني وتداعياته الخطيرة على الأمة العربية.

القوات الأميركية بمجرد تسريب خبر بناء قاعدة عسكرية أميركية في منطقة زمار مع قواعد أخرى، أقدمت على مصادرة أملاك الهلال أو البدر الطائفي من عقلية النظام الإيراني والحشد الذي يقاتل نيابة عنه، ومن خلفهما الأحزاب بتسمياتها المختلفة مع الشخصيات والتيارات المجرَبة خلال 14 سنة.

هل نتوقع من الحشد الميليشياوي انتحارا عسكريا سريعا بمواجهة محتملة مع القوات الأميركية في حال بسط سيطرتها على الحدود العراقية السورية ومنع انتقال الميليشيات بين البلدين، وما هي أصداء ذلك على الواقع السياسي في العراق؟

ماذا لو قرر الحشد تنفيذ الأوامر الإيرانية باقتحام أراضي إقليم كردستان لمنع الاستفتاء أو من بعده الاستقلال لفرض أزمة دولية تعيق الحرب العالمية على الإرهاب وفي مقدمتها الحرب على النظام الحاكم في إيران؟

هل سنشهد في لحظة حاسمة نشر المعلومات السرية التي يحتفظ بها إقليم كردستان أو النظام الإيراني بما يتعلق بدور كل منهما في النيل من كرامة وسيادة العراق في أصعب الظروف؟ وهي شجون تؤرق الجميع بمن فيهم الأكراد عن حقائق أراد لها العالم أن تظل طي الكتمان، كليا أو جزئيا، حتى على المنظمات الدولية لأنها تتعلق بممارسات وجرائم كبرى مازالت آثارها تجد لها موطئا هنا وهناك من الأرض العربية، لأنها لم تجد إرادة دولية فاعلة لفضحها ومحاسبة مرتكبيها أو المتواطئين معها.

عندما تردد القيادات الكردية حديثها عن 100 عام من الفراغ وعدم الثقة بين الأكراد والمركز، فالمعنى في ثنائية سوء الفهم والتقدير التي ذهب ضحيتها العراق ككل دون استثناء وأوصلته إلى دولة فاشلة يائسة يعم فيها الخراب ويتحكم بمصيرها لصوص وخونة يجاهرون بولائهم إلى الأجنبي الذي أطاح بـ4 عواصم عربية ولا يريد أن يتوقف.

الأكراد لهم كل الحق بالحياة، لكن ليس لهم الحق بالتخلي عن العراق في محنته الكبرى. تقاسم العراقيون الدم والاقتتال تحت كل الأسباب والذرائع، وعليهم أن يتذكروا أن الحروب والمعارك والمآسي مشتركة وأن 100 عام أخرى لن تكون أفضل فمن يدري ماذا يحصل في مفترق الطرق؟

يقول هوشيار زيباري إصرارنا على إجراء الاستفتاء نابع من يأسنا من بغداد. والحقيقة أنه نابع من جزع أهل العراق ومن يأسهم بإنقاذ بغداد من دوامة ملفات وتوافقات بدأت في مؤتمر لندن للمعارضة التي أحرقت الأخضر واليابس على أرض الرافدين.

كاتب عراقي

9