هل حان الوقت لتوحيد الأردن وفلسطين مرة أخرى

عمان - عاد مقترح الضم الأردني لفلسطين أو ما يطلق عليه توحيد الأردن وفلسطين إلى تصدّر نقاشات الأوساط السياسية والمحللين في البلدين، خاصة بعد التحذير الذي وجهه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الشهر الماضي في الأمم المتحدة لإسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية في غضون عام وهو ما لن توافق عليه إسرائيل التي تصرّ على ضمّ أراضي من الضفة الغربية وأراضي غور الأردن.
ومن وجهة نظر الكاتب والمحلل الأردني حسن إسميك فإن حل توحيد الأردن وفلسطين الذي اعتمده العاهل الأردني الراحل عبدالله الأول خلال العام 1950 واستمرّ لـ33 عاما، عبر ضم الضفة الغربية ومنح الجنسية الأردنية لكل فلسطيني، مع إضافة قطاع غزة – بالإضافة إلى المستوطنين اليهود الراغبين في البقاء، هو أفضل أمل لحل الصراع العربي – الإسرائيلي.
وكانت إسرائيل سيطرت في حرب 1967 على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان.
ومايو 1967 لم يكن هناك أيُّ إسرائيلي يسكنُ الضفة الغربية التي كانت موطناً لما يقرب من مليون فلسطيني يعيشون تحت السيطرة الأردنية، مثلما عاش أسلافهم في الضفة الغربية وزرعوا أرضها لعدة قرون مضت.
وبناء على ذلك، يرى إسميك في تقرير لمجلة فورين بوليسي الأميركية أنه يجب على أنصار الضم الإسرائيلي – بما أنهم يحبون الادعاء دوما بأن “الأردن هو فلسطين”- أن يدعموا إعادة الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل إلى الأردن.
ويواجه مقترح العودة إلى حلّ الملك عبدالله الأول اعتراضات كثيرة سواء من النظام الأردني أو حتى القوميين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود وأنصار الضمّ الإسرائيلي.

حسن إسميك: الضم الأردني أفضل أمل لحلّ الصراع العربي -الإسرائيلي
لكنّ وفق إسميك يمكن التغلّب على هذه الاعتراضات بدءا من الأردن الذي لن يكون الاستيعاب الثقافي للفلسطينيين عائقا أمام الوحدة، لأنّ أغلب سكان الأردن من أصل فلسطيني كما أن معظم أعضاء الأحزاب السياسية الأردنية هم من أصل فلسطيني ناهيك عن نحو 70 في المئة من اللاجئين.
كما أن سكان الأردن وفلسطين يشتركون في الكثير من العادات والتقاليد وحتى النسب العائلي. وعلى الرغم من قرب غزة من سيناء، إلا أن أهلها ما زالوا أقرب إلى الأردن منهم إلى مصر.
ويرى إسميك أنّ الضم الأردني يعدّ منطقياً لسبب آخر هو أن غالبية الفلسطينيين غير الأردنيين لديهم موقف قوي ومؤيد للعاهل الأردني الملك عبدلله الثاني، وفق ما تبينه إحصاءات رسمية فلسطينية.
ويتصارع الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي على القدس، حيث تعمل إسرائيل على تهجير الفلسطينيين من الأحياء القديمة مقابل توسيع نفوذها في المدينة، التي تخضع مقدساتها الإسلامية منذ العام 1924 لوصاية الأسرى الهاشمية. وتظلّ القدس محلّ خلاف وانطلقت شرارة حرب مايو الأخيرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة من أحياءها.
لكنّ المحلل الأردني، يقول إن إعداد سيناريو توحيد مناسب يضمن أن تبقى القدس منطقة مفتوحة للجميع سيعود بالفائدة على البلدان الثلاثة، وعلى المنطقة بأسرها، بما يضمن تحقيق السلام المنشود وتحقيق نمو اقتصادي بخلق أسواق جديدة، تستفيد منها إسرائيل لبيع التكنولوجيا للعالمين العربي والإسلامي.
وسيحقق التوحيد الأردني مكاسب اقتصادية وأمنية أكبر من تلك التي تضمنها الاتفاقات الدبلوماسية التاريخية الموقعة بين إسرائيل ودول عربية.
ويتوقع إسميك أن يؤدي التوحيد إلى ازدهار اقتصادي كبير في الأردن، خاصة مع مساهمات جديدة للضفة الغربية، فقبل حرب 1967 ساهمت الضفة بنحو 38 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للأردن. أما بالنسبة إلى قطاع غزة، فإن أي اتفاق بين الأردن وإسرائيل سيتطلب التزام الدول الأخرى، في المنطقة والغرب على حد سواء، بالاستثمار في الإنعاش الاقتصادي للقطاع.
كما سيزيد التوحيد من فرص التعاون الأردني الفلسطيني في ما يتعلق بتحديث البنى التحتية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومثْله الاستفادة من موارد الطاقة الموجودة في البحر المتوسط داخل الحدود الإقليمية للقطاع، والآبار وأحواض المياه في الضفة الغربية.
ورغم المشاكل التي قد تأتي من الوحدة مع غزة، وعلى رأسها ترسيخ التنظيمات الإسلامية المتطرفة الراديكالية داخل حدود المملكة، فإن إسميك يرى في حصول الأردن على منفذ على البحر المتوسط اعتبارا استراتيجيا مهما للغاية. ومن شأن توقيع اتفاقية دولية مبنية على الاحترام بين البلدين، أن تحلّ مسألة استغلال موارده.
ويعيش اليوم أكثر من 475 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية وأكثر من 200 ألف في القدس الشرقية.
ويقول الكاتب المهتم بالشؤون السياسية والاقتصادية في العالم العربي، إن القسم الأول منهم قد يختار العودة إلى إسرائيل، في حال الضمّ، لكن القسم الثاني قد يفضل أن يصير أردنياً، جنبًا إلى جنب مع المستوطنين المعتقدين بأن الاستمرار في العيش على ما يعتبرونه أرضًا مقدسة هو واجب ديني. وربما يمكن منح هؤلاء اليهود الأردنيين “كوتا” في البرلمان الأردني.
أما بالنسبة إلى أولئك الذين يختارون المغادرة، فيمكن للحكومة الإسرائيلية أن تخصص لهم جزءاً صغيراً من الفوائض التي سيوفرها السلام من ميزانيتها الدفاعية الهائلة، وتستخدمه لاستيعاب تكلفة إعادة التوطين، بالإضافة إلى تقديم خيارات الإسكان بأسعار معقولة.
ويرجح إسميك أن إسرائيل ستتخلص بضمّ الأراضي الفلسطينية إلى الأردن من الأعباء القانونية الناجمة عن سيطرتها على الضفة الغربية، ومن كل ما يُضر بسمعتها وعلاقاتها العامة، فتتمكن من تفادي ازدراء المجتمع الدولي. وسيمكنها أن تضمن عبر مفاوضاتها مع الممثلين الفلسطينيين المشاركين في اتفاق الضم، نبذ الفلسطينيين للعنف ونزع سلاح الجماعات المسلحة مثل حماس والجهاد الإسلامي، المتمركزتين في غزة.
وتنفق إسرائيل سنويا نحو 5.6 في المئة من ناتجها المحلي على الدفاع والتسلّح وهي ثاني أعلى نسبة بين دول العالم. وتنشغل دوما بتحصين قبتها الحديدية لمواجهة أي هجمات صاروخية، وفي حال توحيد الأردن وفلسطين، لن تشعر إسرائيل بالحاجة الملحة جدا لحماية حدودها، حيث ستقوم القوات الأمنية الأردنية – حليفة الولايات المتحدة وإسرائيل بذلك – وفق إسميك.

في المقابل، يشترط أن يضمن الوضع الجديد عدم تهديد هوية الفلسطينيين والأردنيين. وأن تتضمن أي صيغة للتوحيد منح الفلسطينيين المواطنة الأردنية الكاملة والمساواة التامة أمام القانون، حتى لا يشعروا بأنهم مهاجرون أو لاجئون بلا دولة. ومراعاة ألا يشعر الأردنيون بأن هويتهم مهددة، أو أن مواردهم مستنفدة ودولتهم مسروقة. لذلك يقترح الكاتب الأردني أنه يمكن إعادة تسمية هذه الدولة بـ”المملكة الأردنية الفلسطينية الهاشمية”.
ويقول إنه سيكون للأردن محاذير كثيرة حيال مشروع كهذا، لما سيشكله من ضغط اقتصادي وإداري وديموغرافي على المملكة. ولذلك، يجب أن يحصل الأردنيون على ضمانات دولية للمساعدة المطلوبة ماليا وتشغيليا. وهو ما لن يعترض عليه المجتمع الدولي نظرا لأنه سيكون أقل كلفة وأكثر ربحاً من تريليونات الدولارات المتوقَع إنفاقها، أو التي أنفقتها تلك الدول بالفعل على الحروب والصراعات في المنطقة.
ويرى الكاتب الأردني أنه يجب أن تحصل المملكة على ضمانات ملزمة قانونياً من إسرائيل ضد أي اشتباكات مستقبلية مع أجهزتها العسكرية والأمنية. في المقابل، ستتلقى إسرائيل ضمانات بأن الجيش الأردني (وربما جيوش الدول العربية الأخرى) سيعمل لحماية النظام الملكي وإسرائيل ضد هجمات الجماعات الفلسطينية المسلحة.
ولمعالجة مخاوف الأردنيين من “سرقة” دولتهم عبر التوحيد، أو القلق من إضعاف النظام الملكي الهاشمي، يقول المحلل الأردني إنه سيتم خلال حوار “التوحيد” إعداد اتفاق خاص يضمن حصر الحكم في الدولة الموحدة بالأسرة الهاشمية.
كما أن منح حق العمل في مجلس منتخب يتولى جميع شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة من شأنه أن يطمئن الوطنيين الفلسطينيين الرافضين للإنهاء الفعلي لحركتهم الوطنية. ناهيك عن إلغاء النفوذ الإسرائيلي الذي غالبا ما يكون مُذلاً ولا إنسانياً على الحياة اليومية.
ويعتبر إسميك أن التنعم بالمواطنة والسلام في وطن بالتبني أفضل بكثير من المحاربة لستة عقود أخرى من أجل مجرد احتمال الحصول على وطن. ولن يكون أمام الحركات الضعيفة مثل حماس وفتح خيار سوى قبول الأمر الواقع. وتحقيق أهدافهم سياسياً من خلال الأحزاب والبرلمان.
ويتابع أن “التوحيد الأردني لا يعني بأي شكل من الأشكال تطبيق ما يسميه الإسرائيليون ‘الخيار الأردني’ الذي يهدف إلى وأد القضية الفلسطينية دون مقابل، فيجعل من الأردن أداة لذلك وليست طرفاً رئيسياً من أطراف هذه القضية”. ولتجاوز كل المخاوف حول هذه الخطوة، لن يتم اعتبار أي اتفاق شرعياً ما لم يتم الاستماع إلى مخاوف جميع الأطراف وحلها.
وأخيرا، يرى إسميك أنه من المؤكد، في ظل الفشل الذريع الذي منيت به كل الحلول الأخرى، ومن بينها صفقة القرن، أنه قد حان وقت التفكير الخلاق. إن نظرية “نصل أوكام” لتوحيد الأردن قد تقطع العقدة الغوردية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني مرة واحدة وإلى الأبد.