هل تنجح قطر في تحقيق اختراق يدفع إلى التهدئة؟

في خضم الرد العنيف الذي تشنه إسرائيل على حركة حماس، حملت الجولة الشرق أوسطية التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رسائل موجهة لإيران تحذرها من مغبة فتح جبهة جديدة ستقلب الصراع إلى حرب إقليمية تكون فيها واشنطن مع حلفائها في المنطقة في صف واحد. لكن يبدو أن طهران لا تكترث لهذه التحذيرات بعد أن ربطت استعدادها لفتح جبهة جديدة بالتطورات التي تحصل في غزة. ويأخذ تصريح وزير خارجية إيران على محمل الجد خاصة وأن التحركات في جنوب لبنان تنذر باحتمال انخراط حزب الله في المواجهة، وهو أمر إن حدث له تداعيات خطيرة على المنطقة برمتها.
ولعل المحطة الأهم في جولات بلينكن كانت الدوحة باعتبارها الوسيط الذي تعول عليه الإدارة الأميركية لإنهاء أزمة الرهائن الأميركيين الذين وقعوا في أسر فصائل المقاومة خلال عملية اقتحام مستوطنات غلاف غزة.
كان لقطر دورها الفعال في العديد من الأزمات والمسائل المعقدة على غرار الحرب الإثيوبية – الإريترية واتفاق التبو والطوارق في ليبيا والمفاوضات بين كينيا والصومال، كما أشرفت على عمليات تبادل للأسرى في العديد من بؤر الصراع المسلح. وفي هذا الصدد كان للدوحة الدور الأبرز في إتمام الصفقة الشهيرة بين طالبان وواشنطن عام 2014 والتي توجت بإطلاق سراح آخر أسير أميركي محتجز في أفغانستان. كما كانت همزة الوصل في المفاوضات التي انتهت باتفاق تبادل السجناء الأخير بين طهران وواشنطن، وما شمله من اتفاق الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة تم تحويلها إلى حساب في قطر.
وتعول الإدارة الأميركية على الدور القطري في أزمة الرهان الأميركيين المتواجدين في غزة بالنظر إلى علاقتها الوطيدة مع قيادات حركة حماس التي تستضيفها على أراضيها.
◙ لعل المحطة الأهم في جولات بلينكن كانت الدوحة باعتبارها الوسيط الذي تعول عليه الإدارة الأميركية لإنهاء أزمة الرهائن الأميركيين الذين وقعوا في أسر فصائل المقاومة
ومع أن حماس أكدت مؤخرا على لسان أحد قيادييها أن الحديث عن صفقة تبادل أسرى مع الاحتلال سابق لأوانه مادامت المواجهة لا تزال مشتعلة، إلا أنها من المرجح أن تبدي بعضا من الليونة بموقفها في ما يتعلق بملف الأسرى الأميركيين، وهو ما يعني فصلهم عن ملف التفاوض مع إسرائيل. دخول قطر على خط الوساطة يستوجب من حماس أن تتجاوب بشكل عقلاني حرصا منها على عدم فقدان هذه الورقة الرابحة، والتي من شأنها أن تقلل من حدة الموقف الأميركي حيال ما قامت به، وسيكون هذا مفيدا لدعم مسار التهدئة عبر تجنب اصطدام مباشر مع الإدارة الأميركية، التي وإن تمكنت من استرداد رعاياها الموجودين في حالة أسر لدى حماس فقد تسعى إلى التقليل من أهمية لجوء إسرائيل إلى تنفيذ اجتياح بري لقطاع غزة، بل إنها ستسعى لتجنبه وحث الإسرائيليين على التفاوض.
ستكون قطر في سباق مع الزمن في محاولة لخفض التصعيد وقطع الطريق أمام محاولات نقل الحرب إلى مواجهة إقليمية، وبصفتها تملك قنوات اتصال مباشرة مع مسؤولي حركة حماس سيكون من السهل حثهم على ضرورة الإسراع في تنفيذ صفقة تحرير الأسرى الأميركيين. ولا ننسى بأن حمايتهم تشكل عبئا ثقيلا يزداد مع ضراوة القصف الإسرائيلي وقد ينتهي بسقوطهم بين الضحايا وبالتالي فقدان الورقة الرابحة. والمتوقع من قطر أن توظف هذه الخطوة الإيجابية للضغط على الإدارة الأميركية وحثها على دفع إسرائيل إلى خفض تصعيدها في قطاع غزة، ومن ثم ستفتح الباب لوساطة جديدة تفضي إلى وقف العنف وجلوس الطرفين إلى طاولة المفاوضات.
قد لا يكون الجميع على وعي بخطورة اتساع رقعة المواجهة خارج غزة. ومع تأخر الوصول إلى حل سلمي ينهي الصراع العنيف الدائر تزداد احتمالية حدوث ذلك، وهو ما ستترتب عليه فوضى تكون لها تداعيات وخيمة على مستقبل المنطقة، ولن يكون هذا في صالح العرب ولا الفلسطينيين بل سيكون في مصلحة من يستثمر في إشعاله. ومع استمرار إسرائيل في عمليتها العسكرية سيقع المزيد من الخسائر في الأرواح، لذلك المطلوب بشكل عاجل أن تنصب الجهود على التهدئة وتحقيق اختراق عاجل في المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، غير ذلك فإننا مقبلون على كارثة إنسانية حقيقية في غزة، تحدث أمام مرأى المجتمع الدولي دون أن يحرك ساكنا.