هل تنجح القاهرة في التوصل إلى صفقة شاملة بين غزة وتل أبيب

المعلومات تشير إلى صفقة تبطخ على نار هادئة قد تشمل اتفاقا ضمنيا على خطوات فعلية للبدء في استغلال حقل مارين الغازي والذي ترى فيه حماس حلا لمشاكل نقص الطاقة.
السبت 2023/06/10
الفصائل الفلسطينية غير مكترثة بعامل الوقت

شهدت غزة الثلاثاء فعالية “حروف عبر أمواج البحر”، التي نظمتها جمعية واعد للأسرى والمحررين والتي استعمل فيها أبناء الأسرى رسائل ورقية مكتوبة بخط اليد وضعت في زجاجات بلاستيكية ثم ألقيت في البحر. واحتوت تلك الرسائل على مطالب بالسماح لهم بزيارة ذويهم في سجون الاحتلال. يأتي هذا في الوقت الذي يعرف فيه ملف تبادل الأسرى شللا تاما وصل إلى حد تلويح قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار بتعليق ملف التبادل نهائيا وإلى الأبد بسبب ما وصفه بالتعنت الإسرائيلي ورفض المبادرة التي أطلقتها حماس وأعطتها إطارًا عامًّا إنسانيًّا على حد تعبيرها.

خلال الزيارة التي قام بها وفد من حركة حماس والجهاد الإسلامي إلى القاهرة مطلع الأسبوع ثم الحديث عن خطوات مصرية نحو دعم وتثبيت الهدنة بين الفصائل في غزة والاحتلال تحت مسمى “استقرار طويل الأمد”، تهدف من خلالها القاهرة إلى الحصول على ضمانات من الفصائل بالالتزام بالتهدئة مع إسرائيل مقابل دفع مشاريع اقتصادية وتحسين المعيشة في القطاع، وفي الوقت الذي جاء فيه بيان حركة الجهاد الإسلامي حول تلك الزيارة مقتضبا، حيث أشار إلى أن هدف وجود أمينها العام زياد النخالة في القاهرة هو لتدارس “قضايا فلسطينية”.

جاء بيان حماس ليشير إلى أن زيارة وفده بدعوة مصرية جاء لبحث عدد من القضايا السياسية والميدانية دون الخوض في المزيد من التفاصيل، إلا أن المعلومات تشير إلى صفقة تبطخ على نار هادئة قد تشمل اتفاقا ضمنيا على خطوات فعلية للبدء في استغلال حقل مارين الغازي والذي ترى فيه حماس حلا لمشاكل نقص الطاقة. بالموازاة ترى دولة الاحتلال في ذلك فرصة لضرب عصفورين بحجر واحد وإدراج ملف الأسرى ضمن الملفات التي ينبغي مناقشتها للوصول إلى تحقيق تقدم في قضية الجنود الأسرى والتي من غير المستبعد أن يجنح لها بنيامين نتنياهو بتنازلات تشفي غليل الشارع الإسرائيلي الذي يتهمه بالفشل الذريع على جميع الأصعدة بما فيها التهديد الذي يأتي من غزة والمخاطرة بالجنود المحتجزين منذ تسع سنوات، وهو فشل يتحمله نتنياهو على اعتبار أن عملية الأسر قد تمت في عهد حكومته السابقة، وإلى غاية اليوم تبدو الفصائل الفلسطينية غير مكترثة بعامل الوقت، بل إن السنوار ذهب بعيدا عندما هدد بإلغاء الصفقة إلى الأبد، وهو ما سيترتب عنه المزيد من سهام النقد والاتهام التي ستتوجه من المعارضة إلى نتنياهو.

◙ القاسم المشترك بينهما هو إنهاء معاناة عائلات الأسرى وتحقيق "نصر سياسي" يراه نتنياهو حلا لوقف تراجع شعبيته وضغط أسرى عائلات الجنود ومن يقف معهم من المعارضة، وتراه الفصائل فرصة لتحقيق "نصر معنوي"

أمام ضغط المعارضة والجمعيات وعائلات الجنود الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة يجد نتنياهو نفسه مضطرا لتقديم تنازلات ولتحقيق تقدم في ملف كلما تقدم خطوة عاد خطوتين إلى الوراء. وأمام حجم المعاناة التي يتكبدها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال يجد السنوار ذو الشخصية العنيدة نفسه أمام حقيقة مفادها أن عامل الزمن يعمل في صالح الإسرائيليين لا في صالح الفلسطينيين، وأن التهديد بغلق ملف الأسرى نهائيا سيزيد شعورهم بالإحباط ويرهن مصيرهم بيد الاحتلال إلى أجل غير مسمّى، فالسنوار الذي جرّب سجون الاحتلال يدرك مدى تعلق المئات من المعتقلين ببصيص الأمل في أن تتقدم الصفقة وتشمل أكبر عدد منهم.. وأيا كانت تبريرات الاحتلال أو مواقف حماس فإن الخاسر الأكبر هم الأسرى من كلا الجانبين، وحتى وإن كانت عائلات الأسرى الفلسطينيين تربط معاناة ذويهم بالصمود وتصفها بالتضحية إلا أنها تخفي بداخلها قلقا من تعثر المفاوضات.

لنقل الحقيقة، لا فائدة للسنوار أو غيره من قيادات حماس من تعطيل الصفقة، ولا فائدة له من استمرار معاناة الأسرى، ولكن يكفي فقط النظر إلى الصفقة السابقة أي صفقة “جلعاد شاليط” والتي لم يلتزم فيها الاحتلال الإسرائيلي بشروط الصفقة وأعاد اعتقال الأسرى الفلسطينيين المشمولين فيها لنفهم بأن الرجل على حق عندما يركز على ألاّ تكون الصفقة الجديدة تكرارا للخطأ الذي وقعت فيه الحركة في الصفقة السابقة، ولهذا فإن التهديد بغلق الملف والمناورة من خلال تقديم موعد زمني محدد يندرج ضمن تكتيك تحاول من خلاله حماس أن تضع الكرة في ملعب الاحتلال، وأن تحمّله مصير الفشل، أو تستدرجه إلى حرق أوراقه الأخيرة وتقديم تنازلات من شأنها أن تحرز تقدمها في المفاوضات الشاقة التي تعاقبت عليها أربع حكومات إسرائيلية ثلاثة منها تحت حكم نتنياهو دون إحراز أيّ نتيجة.

لا شك في أن مصر التي توصلت لاحتواء التصعيد الأخير الذي أعقب استشهاد الأسير خضر عدنان وحاولت في أعقابه تحريك صفقة تبادل الأسرى، ستضع كل ثقلها الذي من شأنه أن يحرك المياه الراكدة في ملفات عديدة تخص غزة بما فيها ملف الأسرى، لتضمن بذلك المزيد من التهدئة على حدودها. ولأن الشراكة الإستراتيجية والأمنية التي تجمعها مع تل أبيب تحتاج أكثر من أيّ وقت مضى إلى أن تتعزز، خاصة بعد الحدث الأمني الأخير على معبر العوجة، فإن مصر ستلجأ إلى حث القادة في غزة على ضرورة الوصول إلى أرضية مشتركة تفتح الباب لعملية تفاوض جديدة تسمح لها بالوصول إلى هدنة طويلة المدى تشمل إدراج ملف الأسرى ضمن ملف إعمار غزة والتسهيلات الخاصة بالمعابر الحدودية.

ولكن نجاح هذه الخطوة أو فشلها يعتمدان على مدى جدية الاحتلال ومدى قابليته لشروط حماس في صفقة التبادل، وإن كان الطرفان يختلفان في أمور عديدة أعاقت الصفقة إلى حد الآن، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو إنهاء معاناة عائلات الأسرى وتحقيق “نصر سياسي” يراه نتنياهو حلا لوقف تراجع شعبيته وضغط أسرى عائلات الجنود ومن يقف معهم من المعارضة، وتراه الفصائل فرصة لتحقيق “نصر معنوي” يجعلها تحتفل بشعارات هزيمة العدو وإجباره على الخضوع للمقاومة.

9