هل تنجح الصين في إحضار عينات من الجانب الخفي للقمر

"حلم الفضاء" الصيني يقود البلاد إلى إطلاق مهمة غير مسبوقة في تاريخ الاستكشاف البشري.
الأحد 2024/05/05
كشف علمي بارز

ركزت الصين أهداف برنامجها الطموح لاستكشاف الفضاء على الجانب البعيد من القمر في رحلة جديدة وغير مسبوقة تهدف من خلالها إلى إحضار عينات قمرية في مهمة تعتبر الأولى من نوعها في العالم، ومن المنتظر أن تشكل كشفا علميا بارزا، ويأتي ذلك في إطار تصاعد السباق العالمي نحو سطح القمر، إذ تخطط الولايات المتحدة لإرسال رواد فضاء إلى القمر في عام 2026، كما تخطط الصين لإرسال بشر إلى هناك بحلول عام 2030.

وينتشانغ (الصين) - تسعى الصين في إطار تصاعد السباق العالمي نحو سطح القمر إلى أن تصبح أول دولة تجمع عينات صخرية من الجانب البعيد من القمر، الذي لم يتم اكتشافه بشكل كبير.

ففي إطار برنامج البلاد الطموح لاستكشاف الفضاء، أطلقت الصين، الجمعة، مسبارا قمريا غير مأهول في مهمة أولى من نوعها في العالم تشكل كشفا علميا بارزا، ومن المقرر أن تستغرق شهرين تقريبا لإحضار عينات من الصخور والتربة من الجانب البعيد للقمر.

وكان مركز وينتشانغ للإطلاق الفضائي قد قام الأربعاء بإجراء التجربة النهائية قبل الإطلاق، التي غطت جميع الأنظمة ذات الصلة بشكل شامل. وعزز نظام الأرصاد الجوية التابع للمركز عمليات المراقبة والتحليل لضمان نجاح عملية الإطلاق.

وانطلق صاروخ “لونغ مارش – 5” حاملا المركبة الفضائية “تشانغ آه – 6″، التي تمت تسميتها على اسم آلهة القمر الصينية، من مركز وينتشانغ لإطلاق المركبات الفضائية على ساحل مقاطعة هاينان الجزرية جنوبي الصين بعد ظهر الجمعة.

ومهمة المسبار “تشانغ آه – 6” الذي يزن ثمانية أطنان هي الهبوط في الحوض الضخم المعروف بالقطب الجنوبي – إيتكين، وهو أحد أكبر حفر الارتطام المعروفة في المجموعة الشمسية، وجمع العينات وإعادتها إلى الأرض مما قد يجعل الصين أول دولة تستعيد عينات من الجانب “الخفي” البعيد المظلم للقمر.

وبمجرد وصوله إلى القمر، سيقضي المسبار يومين في التنقيب عن عينات على عمق كيلومترين، وسيجري تجارب في المنطقة التي يهبط فيها، وبعد إنجاز المهمة، يُفترض إعادة المسبار إلى الأرض والهبوط في مركز وينتشانغ لعمليات الإطلاق الفضائية.

المهمة تهدف إلى جمع حوالي كيلوغرامين من العينات القمرية من الجانب البعيد للقمر وإعادتها إلى الأرض لتحليلها

وتهدف المهمة إلى جمع حوالي كيلوغرامين من العينات القمرية من الجانب البعيد للقمر وإعادتها إلى الأرض لتحليلها.

وهذه المهمة القمرية هي السادسة، التي تطلقها الصين منذ عام 2007، وهي مهمة معقدة تقنيا، وتستغرق 53 يوما، وتتمثل بشكل خاص في إطلاق مسبار إلى هذا النصف من القمر الموجود بشكل دائم في نقطة غير ظاهرة للأرض.

وقال نائب مدير المركز الصيني لاستكشاف القمر وهندسة الفضاء جه بينغ للصحافيين إن “تشانغ آه – 6 سيجمع عينات من الجانب البعيد للقمر للمرة الأولى”.

وأشادت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) التي تديرها الدولة الصينية بعملية الإطلاق، ووصفتها بأنها “أول مهمة من هذا النوع في تاريخ الاستكشاف البشري للقمر”.

وكشف مساعد كبير مبتكري مهمة “تشانغ آه – 6” وانغ كيونغ لوكالة شينخوا أن “المهمة بمجملها تتضمن تحديات كثيرة، مع ترابط بين كل المحطات، وهي متعبة على الصعيد العصبي”.

وتجمّع المئات من المتفرجين في نقطة مجاورة لمشاهدة أحدث تقدم في البرنامج الفضائي الصيني.

 مهمة معقدة تقنيا
 مهمة معقدة تقنيا

وحضر الإطلاق علماء ودبلوماسيون ومسؤولون في وكالة الفضاء من فرنسا وإيطاليا وباكستان ووكالة الفضاء الأوروبية، وكلها لديها حمولات على متن “تشانغ آه – 6” لدراسة القمر.

وفي عام 2019، أرسلت الصين مركبة على الجانب البعيد من القمر، لكنها لم تعد بأيّ عينات.

وكان الرئيس شي جينبينغ أعطى دفعا قويا لـ”حلم الفضاء” الصيني. وقد ضخت الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، المليارات من الدولارات في برنامجها الفضائي العسكري من أجل اللحاق بالولايات المتحدة وروسيا.

وسجلت بكين نجاحات عدة في هذا المجال، أبرزها بناء محطة تيانغونغ (القصر السماوي) الفضائية حيث تم إرسال طاقم جديد من ثلاثة رواد فضاء الأسبوع الماضي.

ونجحت الصين في إرسال مركبة جوالة إلى سطح المريخ، وهي كذلك ثالث بلد في العالم يرسل إنسانا إلى الفضاء بوسائله الذاتية.

وتخطط الولايات المتحدة لإرسال رواد فضاء إلى القمر في عام 2026 من خلال مهمة “أرتيميس 3″، كما تخطط الصين لإرسال بشر إلى هناك بحلول عام 2030.

وقد جرى استبعاد الصين من محطة الفضاء الدولية منذ عام 2011، عندما منعت الولايات المتحدة وكالتها الفضائية (ناسا) من التعاون مع بكين، ثم طورت الصين مشروع المحطة الفضائية الخاصة بها.

"تشانغ آه – 6" تشكل الأولى من بين ثلاث مهمات غير مأهولة إلى القمر تخطط الصين لإنجازها خلال هذا العقد

وهذه أحدث الخطوات ضمن المشروع الفضائي الصيني، الذي تقول واشنطن إن بكين تستخدمه لتمويه برنامج فضائي عسكري تحت ستار برنامج مدني، إذ قال رئيس وكالة ناسا بيل نيلسون أمام لجنة الإنفاق بمجلس النواب في واشنطن “نعتقد أن جزءا كبيرا ممّا يسمّونه برنامجهم الفضائي المدني هو في الواقع برنامج عسكري”.

ويثير التقدم السريع لبرنامج الفضاء الصيني القلق في واشنطن، ففي أبريل، أكد نيلسون أن الولايات المتحدة منخرطة حاليا في “سباق” مع بكين.

وتشكل “تشانغ آه – 6” الأولى من بين ثلاث مهمات غير مأهولة إلى القمر تخطط الصين لإنجازها خلال هذا العقد.

بعد ذلك، ستستكشف مهمة “تشانغي 7” القطب الجنوبي للقمر بحثا عن الماء، بينما ستحاول مهمة “تشانغي 8” تحديد الجدوى الفنية لبناء قاعدة على القمر الطبيعي للأرض، حيث تقول بكين إنه سيتم الانتهاء من “النموذج الأساسي” بحلول عام 2030.

يذكر أن مهمة تشانغ الأولى والثانية كانتا مصممتين لجمع معلومات من المدار، والثالثة والرابعة صممتا من أجل عمليات فوق سطح القمر. أما مهمة تشانغ إي 5 و6 فتهدفان لجمع عينات، من تربة القمر وصخوره، والعودة بها لفحصها في مختبرات على الأرض.

الحكومة في بكين تمضي قدما في برنامجها الخاص بالفضاء منذ سنوات في تنافس مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة

وكان المسبار الصيني “شانغي 5” نجح في 2020، في الهبوط في منطقة منغوليا الداخلية بعد أن جمعت عينات من سطح القمر، لتصبح الصين بذلك ثالث دولة تحقق هذا الإنجاز بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق في ستينات القرن العشرين وسبعيناته، فالولايات المتحدة سبق أن أحضرت عينات صخور من القمر بواسطة بعثة “أبولو 17” المأهولة عام 1972، ولكن رواد الفضاء هم الذين تولوا استخراجها وجمعها، الأمر الذي تطلب قدرا أقل من العمليات عن بعد.

يشار إلى أن وكالة الفضاء الروسية روس كوسموس أعلنت في أغسطس 2023، أن مركبة “لونا – 25” الفضائية تمكنت من التقاط أول صورة للجانب الآخر المعتم من سطح القمر. وكانت المركبة السوفياتية “لونا 24” غير المأهولة حققت بنجاح في العام 1976 مهمة جلب عينات.

وبحسب العلماء، فإن الجانب البعيد من القمر – الذي يطلق عليه هذا الاسم لأنه غير مرئي من الأرض وليس لأنه لا يلتقط أشعة الشمس أبدا – يُعدّ واعدا للغاية من الناحية البحثية، لأن حفره تظهر ليست مغطاة بدرجة كبيرة بتدفقات الحمم البركانية القديمة مقارنة بتلك الموجودة على جانب القمر الأقرب إلى الأرض.

وقد يعني ذلك سهولة أكبر في جمع المواد لفهم كيفية تشكل القمر بشكل أفضل.

ولفت جه بينغ إلى أن “العينات التي يجمعها تشانغي – 6 سيكون عمرها الجيولوجي حوالي 4 مليارات سنة”، مضيفا “جمع عينات القمر من مناطق وعصور جيولوجية مختلفة وإجراء التجارب عليها يرتدي قيمة وأهمية كبيرة للإنسانية”.

وتشهد السنوات الأخيرة تصاعد السباق العالمي نحو سطح القمر، حيث تمضي الحكومة في بكين قدما في برنامجها الخاص بالفضاء منذ سنوات في تنافس مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة. وتقول بكين إنها تريد إرسال مهمة مأهولة إلى القمر بحلول عام 2030.

وتأمل ناسا في إرسال رواد فضاء إلى هذا الجانب من القمر اعتبارا من العام 2026، من خلال برنامجها “أرتيميس”، ولجعل رواد الفضاء مستعدين لهذه المهام، تسعى الوكالة الأميركية إلى دراسة هذه المنطقة التي لم يتم استكشافها بصورة كافية حتى اليوم.

وترمي ناسا إلى إنجاز رحلات فضائية بشكل متكرر، فضلاً عن تطوير الاقتصاد القمري، مع العلم أنّ مخاطر الفشل حاضرة.

وتلقّت طموحات الولايات المتحدة بشأن استكشاف القمر ضربة قاسية يناير الماضي بفعل فشل مهمة إنزال مركبة على سطحه، والإعلان عن تأجيل رحلتين مأهولتين إليه.

Thumbnail
13