هل تغيّر الحرب توازنات المنطقة لصالح حماس وحزب الله

صعوبة الخيارات أمام إسرائيل لا تعني تسليمها بتفوق إيران.
الجمعة 2023/10/13
تنسيق استخباراتي وعملياتي

من بين الأهداف غير المعلنة لهجوم حماس على إسرائيل استهداف الجهود المبذولة لتشكيل تحالفات أمنية جديدة في المنطقة من شأنها تهديد طموحات إيران الإقليمية.

القدس - فاجأت الهجمات المباغتة التي شنتها كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية على إسرائيل الكثيرين بالنظر إلى ميل الحركة مؤخرًا نحو إظهار عدم الاشتباك المباشر وتبنيها التهدئة، لكن زالت الدهشة لدى من لاحظوا تعزيز قواتها وتنامي علاقاتها مع حزب الله اللبناني تحت رعاية إيران في العامين الماضيين.

وظلت حماس لفترة طويلة عقب مواجهتها العسكرية الأخيرة مع إسرائيل في مايو 2021 (عملية حارس الأسوار) حريصة على إظهار نفسها كمهتمة بتثبيت التهدئة، إلى درجة أنها شنت حملة اعتقالات لبعض عناصرها ممن أطلقوا الصواريخ باتجاه إسرائيل.

وعلى الرغم من إحباط البحرية الإسرائيلية تهريب شحنات أسلحة نوعية إلى حماس في قطاع غزة العامين الماضيين، إلا أن الحركة تمكنت من الإيحاء بأنها بصدد تعويض خسائرها وإعادة بناء قواتها العسكرية التي تعرضت لأضرار جسيمة في معركة "حارس الأسوار"، وأن استقدامها الأسلحة وتدريب عناصرها في إطار التجهيز لمواجهات مقبلة.

ونجحت حماس بالتنسيق مع حركة الجهاد الإسلامي في ممارسة عملية خداع متقنة وهي المسؤولة عن إدارة الأمن في غزة ومعنية في المقام الأول بالتركيز على الأوضاع الاقتصادية الصعبة للمدنيين ومهتمة بعملية إعادة إعمار القطاع، ما جعل فرضية خوضها مواجهة عسكرية أمرًا مستبعدًا.

عزز هذا التصور ميل أذرع جماعة الإخوان المسلمين في العموم إلى تجنب “الجهاد” الممتد فترات طويلة وتفضيلها تبني إستراتيجية متدرجة وصبورة تعتمد على كسب الولاء عبر الاشتغال بالمبادرات الخدمية والحرص على تجنب استفزاز قوة إسرائيل لقدرتها على السحق والتدمير. وتجاهلت حماس المغالبة من منطلق الحرب الشاملة أو حتى المحدودة، وأوحت من خلال تقديم نفسها كساعية للتهدئة للأطراف المعنية بأنها البديل السياسي القادر على إدارة المشهد حال إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.

ولم تُظهِر حماس في سياقات تعزيز وضعها وزيادة مكانتها التنافسية أمام السلطة الفلسطينية طموحًا أكثر من التوصل إلى صفقة تؤدي إلى إطلاق سراح أسراها، ما يُحسب لها كانتصار سياسي نظير مواقفها المنحازة للاعتدال.

وحرصت قيادات الحركة على الإيحاء بالهدوء والتحلي بالحكمة والتركيز على الشق المدني على جبهة غزة، فيما كانت تجهز بدأب للمواجهة الشاملة الموعودة على الجبهة اللبنانية تحت إشراف مركز استخباراتي تديره إيران في لبنان لتنسيق النشاط العسكري بين وكلائها في المنطقة ضد إسرائيل.

وتأسس المركز الاستخباراتي الموكول إليه مهمة إدارة نشاط وكلاء إيران العسكري في المنطقة، وفي مقدمتهم حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والتنسيق بين مختلف فصائل محور المقاومة في المنطقة لمواجهة إسرائيل وبدأ عمله الفعلي بعد حرب غزة عام 2021.

الخداع السياسي

حزب الله على لسان نائب أمينه العام نعيم قاسم عبر شبكة “الميادين” الإخبارية بوجود المركز الذي يوفر معلومات مهمة ومؤثرة
◙ حزب الله يعترف بوجود المركز الذي يوفر معلومات مهمة ومؤثرة

اعترف حزب الله على لسان نائب أمينه العام نعيم قاسم عبر شبكة “الميادين” الإخبارية بوجود المركز الذي يوفر معلومات مهمة ومؤثرة، منوهًا إلى أن حماس تلقت معلومات حساسة من المركز عبر طائرات مسيرة تابعة لحزب الله والحرس الثوري في لبنان وسوريا.

ونُفذت الاختراقات المهمة والحساسة للحواجز الإسرائيلية خلال الحرب الجارية بعد تعزيز قدرات حماس الاستخباراتية ومدها بمعلومات دقيقة بشأن الكمائن وتمركزات القوات الإسرائيلية وإبلاغها بالتوقيت الأنسب لبدء شن الهجوم عبر غرفة عمليات مشتركة بلبنان.

ولا تملك حماس القدرات لتبلغ هذا المستوى من الاحتراف إلى حد خداع الاستخبارات الإسرائيلية قبل وأثناء إطلاق هجوم "طوفان الأقصى" غير المسبوق، إلا عبر المساعدة التي تلقتها من الجانب الإيراني والتعاون الذي تنامى في العامين الأخيرين مع حزب الله.

ويرجع التطور الملحوظ في قدرات حماس على الرصد والمراقبة والقدرة على اقتحام المناطق العسكرية شديدة التحصين، فضلًا عن تمكنها من إنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة الخفيفة إلى تعاونها مع حزب الله.

أنشأ الحزب الموالي لإيران المركز الاستخباراتي بهدف تعزيز قدرات حلف محور المقاومة وجعله موحدًا ومنسقًا ميدانيًا وعلى مستوى متقارب من امتلاك القدرات التقنية والقتالية لتحدي القوة الإسرائيلية.

وتطور التعاون بين حزب الله وحماس مع استئناف التمويل الإيراني للحركة الفلسطينية السنية عام 2017، مؤسسًا على فكرة إنشاء منصات لإطلاق الصواريخ في لبنان لجر إسرائيل إلى مواجهة على جبهتي لبنان وغزة معًا، وهو ما أكدته بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة في العام 2018.

وأسهم تركيز نشاط حماس على مستوى التدريب والإعداد والتخطيط داخل الساحة اللبنانية بداية من عام 2021 في نجاح عملية الخداع وصولًا إلى الضربة العسكرية المباغتة “طوفان الأقصى”، خاصة أن الحركة ركزت نشاطها داخل مخيمات اللاجئين في صيدا وصور.

◙ اختراق الحواجز الإسرائيلية نُفذ بعد تعزيز قدرات حماس الاستخباراتية عبر غرفة عمليات مشتركة في لبنان

وتولى صالح العاروري القيادي البارز في حماس ونائب رئيس مكتبها السياسي والمقيم في لبنان تحت إشراف كامل من حزب الله مهمة تشكيل جبهة رديفة لحماس في الداخل اللبناني ضد إسرائيل عبر تجنيد المئات من الفلسطينيين وتدريبهم على تجهيز وإطلاق الصواريخ وطريقة توجيهها.

واتهمت إسرائيل العاروري ومحمد الضيف بالمسؤولية عن تشكيل خلايا عسكرية لحماس وتمويل وتسليح وتدريب مسلحين بالضفة الغربية ولبنان، بهدف الإعداد للهجوم على إسرائيل من خارج قطاع غزة.

وخدم توقيت شن الحرب على إسرائيل حماس وإيران معًا، حيث استشعرت طهران الخطر من إتمام اتفاق التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، ما يعني قلب التوازنات الإقليمية باتجاه تغليب الاعتدال والخصم من تأثير وحضور ما يُعرف بمحور المقاومة والممانعة.

وتريد حماس إعاقة تطوير الدعم العربي لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية تحت قيادة محمود عباس، والذي كان سوف يتضاعف، حال إتمام الاتفاق السعودي – الإسرائيلي ما يهدد شرعية الحركة.

ويفيد الدعم المادي والمعنوي السلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالًا في الضفة الغربية من خلال التوصل مع الجانب الإسرائيلي بشكل سلمي إلى تفاهمات لحل العديد من الإشكاليات العالقة بشأن فرض قيود على المستوطنات وإحراز تقدم في مسار حل الدولتين، ما يمنح قادة الضفة الغربية جرعة من الشرعية على حساب حماس.

التوقيت المناسب

محور إيران في المنطقة وجد أن هذا هو التوقيت الأمثل لشن الهجوم الشامل على إسرائيل بهدف تغيير قواعد اللعبة والتوازنات
◙ محور إيران في المنطقة وجد أن هذا هو التوقيت الأمثل لشن الهجوم الشامل على إسرائيل بهدف تغيير قواعد اللعبة والتوازنات

وجد محور إيران في المنطقة أن هذا هو التوقيت الأمثل لشن الهجوم الشامل على إسرائيل بهدف تغيير قواعد اللعبة والتوازنات وتخريب التحالفات المزمع عقدها على حساب مصالحه. واستغلت إيران ووكلاؤها (حماس وحزب الله) توخي إسرائيل عدم التورط في حرب شاملة على الجبهة اللبنانية أو جبهة غزة، ناهيك عن الجبهتين معًا، بالنظر إلى القدرات العسكرية المتطورة التي امتلكها حزب الله واستفادت منها حماس، والأزمة الداخلية العميقة في إسرائيل التي جعلت الدولة وحكومتها أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

وقصد قادة الغرفة المركزية المشتركة التي تدير الحرب من لبنان اختيار توقيت البدء في شن الهجوم بالتزامن مع ما تعانيه القوات الجوية الإسرائيلية، حيث يرفض المئات من الضباط والأفراد الالتحاق بالتدريبات والخدمة في صفوف الاحتياط احتجاجًا على خطة إصلاح القضاء.

وتعمل الولايات المتحدة على تجنب دخول إسرائيل في مواجهة في الوقت الحالي لإبقاء غزة هادئة وخوفًا من انتشار الفوضى في لبنان الذي يعاني انهيارًا سياسيًا واقتصاديًا، علاوة على دعمها التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والسعودية، وعدم فتح جبهة حرب تقلص دعم أوكرانيا.

◙ واشنطن تعمل على تجنب دخول إسرائيل في مواجهة في الوقت الحالي لإبقاء غزة هادئة وخوفًا من انتشار الفوضى في لبنان الذي يعاني انهيارًا سياسيًا واقتصاديًا

وأقدمت حماس على الظهور بوجهها وأهدافها الحقيقية في هذا التوقيت هربًا من عجزها عن حل مشكلات قطاع غزة المستعصية مع تصاعد الاحتجاجات ضدها بعد تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وتزايد نسب الفقر والبطالة.

وأرادت الحركة الفلسطينية صرف الأنظار عن الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها قادتها بعد فشلهم في إتمام صفقة تبادل الأسرى ورفع الحصار عن غزة، وما عجزت عن تحقيقه بالتهدئة المخادعة تريد تحقيقه بالمواجهة العسكرية الشاملة خلف محور إيران، حيث تجد أن إشعال الحرب يجعل سكان غزة يلتفون حولها، ونيل تأييد الفلسطينيين في الضفة الغربية ممن يعانون من الاقتحامات والقمع في ظل تقاعس أجهزة السلطة عن حمايتهم.

وتوظف حماس الحرب لنيل شرعية الانفراد بقيادة الفلسطينيين دون الدخول في حسابات الانتخابات، حيث تطلب نظير الحرب التسليم لها بقيادة العمل الفلسطيني والتمدد من غزة إلى الضفة الغربية ومخيمات الشتات.

واتضح أن إحجام حماس عن المشاركة في المواجهتين الأخيرتين بجانب حركة الجهاد لا علاقة له بتبنيها الاستقرار في القطاع وبناء شراكة مع الجانب الإسرائيلي مقابل مكاسب اقتصادية وسياسية، إنما لحرصها على ألا تكون تابعة لحركة الجهاد وذيلًا لها، وعلى أن تكون هي في المقدمة وصانعة الحدث ليتسنى لها جني ثماره وتحصيل مكاسبه، وهو ما يصب في صالح الكثير من القوى الإسلامية في المنطقة، ويعيد إليهم قدرا من الهيبة المفقودة.

 

اقرأ أيضا: 

       • هل تستطيع إسرائيل خوض حرب طويلة الأمد

6