هل تصنع الحكومة المصرية الجديدة التغيير المطلوب

الحكومة المصرية أمام فرصة مزدوجة، داخلية وخارجية، لتؤكد أن الدولة عازمة على تبني إصلاحات شاملة تعود بالنفع العام على المواطنين.
الأحد 2024/07/07
أسماء جديدة بآليات قديمة

استقبل مواطنون كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي الحكومة المصرية الجديدة برئاسة مصطفى مدبولي بدرجات متفاوتة من التقديرات السياسية، فهناك من اعتبروها بداية لتغيير حقيقي وإصلاح ما ثبت إخفاقه من تصورات الفترة الماضية، وهناك من رأوا أنها امتداد للحكومة السابقة التي كانت أيضا برئاسة مدبولي وأن التغيير ينحصر في الوجوه فقط، ومن غير المنتظر حدوث تحول كبير في التوجهات العامة.

يصعب الاعتماد على مواقع التواصل في تقييم شكل الحكومة وخطواتها المقبلة، لأن جزءا كبيرا مما نراه يخضع لانطباعات شخصية ورؤى انفعالية، باستثناء بعض الكتابات التي تنم عن خبرة أصحابها، وجاءت الاجتهادات من هؤلاء في غالبيتها غير متفائلة حيال الحكومة الجديدة، والتي واجهت لغطا كبيرا حول معلومات شككت في الدرجات العلمية التي حصل عليها وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف، وهو ما اتخذه البعض ذريعة لإثبات نقيصة لا تتناسب مع شاغل هذه الحقيبة، وثغرة تشير إلى عدم تدقيق رئيس الحكومة في اختيار كبار معاونيه.

حاولت السلطات المصرية تقديم هذه الحكومة كبداية لعهد جديد من الإصلاحات، عنوانه تقدير الكفاءات لتحقيق الإنجازات، وإقناع المواطنين بضرورة القبول بها، لأن أي خيار آخر يبدو إشكاليا. ومثّل التغيير الحاصل في حقائب حيوية مثل الخارجية والمجموعة الاقتصادية الوزارية رسالة يفيد مضمونها بأن الدولة عازمة على ضخ دماء تساعد في تطوير الأداء العام، بما يتناسب مع تحديات تتعرض لها مصر على المستويين الداخلي والخارجي.

وبوسع القيادة المصرية أن تستغل هذه الفرصة وتعيد توجيه بوصلتها السياسية بالطريقة التي تصنع تغييرا حقيقيا في مجتمع أرهقته الضغوط الاقتصادية، لأن الشعب المصري صبور ويستحق المكافأة، وإذا عكست الحكومة هذه النظرة عمليا يمكن أن تجري مياه غزيرة في البلاد، عمادها القيام بإصلاحات جادة لمجموعة كبيرة من الأزمات المتراكمة قبل أن تفقد شريحة من المواطنين أملها في تحول ينطوي على تحركات تجلب لها تطورات تغيّر مجرى حياتها إلى ما هو أفضل.

◙ بوسع القيادة المصرية أن تعيد توجيه بوصلتها السياسية بالطريقة التي تصنع تغييرا حقيقيا في مجتمع أرهقته الضغوط الاقتصادية

ويؤكد “كوكتيل” الحكومة الجديدة وجود رغبة في الاقتراب من تغيير بعض السياسات، وهي إشارة تفيد بأن حصيلة السنوات الماضية ليست على ما يرام، ونتائجها في المستقبل سوف تجلب متاعب كبيرة، مع شعور بتواضع في منسوب الرضاء العام، الناجم في جزء كبير منه عن تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية، والتي تتضاءل أمامها أية مشاكل سياسية أخرى، خاصة أن مكونات الهدوء والأمن والاستقرار واضحة في الدولة، ويريد المصريون عدم المساس بها واستمرار الحفاظ عليها، في خضم انهيار ألحق أذى بعدد كبير من الدول المحيطة بهم.

واستفادت الحكومة من هذه المعادلة للمضي قدما في إصلاحاتها الاقتصادية التي حملت في جوهرها متاعب حياتية لفئة كبيرة من المواطنين، لكنها لن تستطيع المتاجرة بها سياسيا بلا حدود، فاحتدام الأزمات المعيشية لا يترك أحيانا فرصة للتفكير في مزايا الهدوء والأمن والاستقرار، وما لم يتم استغلال الحكومة الجديدة في مد هؤلاء بنوع من الأكسجين يمكنهم من الصمود ممثلا في تخفيف الأعباء عن كاهلهم، قد تتحول الصورة الذهنية الإيجابية التي أرادت السلطة خلقها عن هذه الحكومة إلى صورة سلبية.

يستحق الشعب المصري الحصول على مكافأة سخية من قيادته السياسية، لأنه تحمل ضغوطا هائلة، أرهقته بما يكفي الفترة الماضية، مع ذلك يمنح هذه الحكومة فرصة، لأن الخيارات أمامه محدودة، فلا مظاهرات يمكن أن تغير حياته أو احتجاجات تكون نتائجها مضمونة هذه المرة، وعلى الحكومة أن تعي حساسية هذه الوضعية وتستجيب لتخفيف المعاناة ولا تستثمرها في المغالاة، وكما ردد أحد الدبلوماسيين الأجانب في القاهرة أن المصريين بلا كتالوج وهو بصدد تقييم تصرفاتهم بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013.

وتستطيع الحكومة الجديدة أن تحدث التغيير المطلوب من خلال تبني برامج واضحة وأولويات محددة، فالأوضاع المعيشية الصعبة يمكن تخفيف حدتها بالمزيد من التصورات الرشيدة عبر قيام المجموعة الاقتصادية بإصلاحات تتواءم مع الواقع المصري، وتراعي البيئة التي تتعامل معها، وتسعى نحو إشعار قطاع عريض من المواطنين في أقصى البلاد، جنوبا وشمالا وشرقا وغربا، بأن تغييرا ملموسا قد حدث في هيكل الحكومة، لأن كل المشروعات التنموية العملاقة لن يستفيد منها هذا القطاع حاليا، ويرى ممثلوه أنها أعدت خصيصا لفئة معينة من المستثمرين.

كما أن البطء في السياسة الخارجية لن يكون تسريع وتيرته صعبا على هذه الحكومة، إذا آمنت بأن مصر دولة محورية ومنحتها الجغرافيا السياسية مزايا نوعية، وما لم تستفد منها مباشرة سوف تذهب إلى قوى أخرى بشكل غير مباشر، ولعل وجود وزير جديد على رأس الخارجية المصرية هو السفير بدر عبدالعاطي يعزز القناعات بأن تغييرا كبيرا يمكن أن يحدث في المدى المنظور، لأنه من الكفاءات الدبلوماسية المشهود لها، وتجاربه في دول عدة تساعده على ضبط توجهات الخارجية المصرية للتعاطي مع التطورات العالمية بما يخدم بلاده ويسهم في تعزيز دورها الإقليمي.

◙ الحكومة الجديدة تستطيع أن تحدث التغيير المطلوب من خلال تبني برامج واضحة وأولويات محددة والقيام بإصلاحات تتواءم مع الواقع المصري

ويحتاج تعظيم الدور درجة أعلى من المرونة في التعامل مع التهديدات المنتشرة على أكثر من جبهة إستراتيجية قريبة من مصر، والاشتباك معها من خلال طرح مبادرات والقيام بتحركات، وليس التأقلم معها الذي قد يكون نأى بالقاهرة عن تكبد خسائر مادية، لكنه لم يفدها معنويا بما يتناسب مع الأهمية الحيوية وما تتطلع إليه الدولة من طموحات في المستقبل، فالتكيف مع الأزمات لا يحوي قدرة على تفكيكها أو يحقق مكاسب نوعية، وربما تفهمه بعض الجهات على أنه قبول بالأمر الواقع.

أمام الحكومة المصرية فرصة مزدوجة، داخلية وخارجية، لتؤكد أن الدولة عازمة على تبني إصلاحات شاملة تعود بالنفع العام على المواطنين، إذا قدمت ما يقنع المواطنين من رؤى عملية لقدرتها على القيام بثورة تصحيح على مستويات مختلفة، ولم يعد ما تروجه وسائل الإعلام التابعة لها بشأن طموحات الجمهورية الجديدة مقنعا لأنه لا يلمس عقل الناس، وتأثيرات الشعارات على حياتهم باتت محدودة، وتحول الخطاب الإعلامي إلى “بروباغندا” وفقد دوره من كثرة الوعود وقلة المردود.

ولن تستغرق فترة الصبر المصري على الحكومة وقتا طويلا وعليها أن تبدل ما رسخ عن سابقتها من قناعات بأنها غير راغبة في تدشين الإصلاحات، أو أنها تأخذ الشكل وتتجنب الجوهر في ما تقوم به من ممارسات، ويجد المواطنون أنفسهم أمام صورة نمطية من الحكومة السابقة في ترددها وحذرها ومتاعبها وعدم قدرتها على حسم أمور عدة، وفي هذه الحالة لن ترتد السلبيات إلى صدرها وحدها، فمخزون الصبر الشعبي إذا نفد سوف تنعكس آثاره على الجميع، ما لم تحقق الحكومة التغيير المطلوب.

4