هل تحد التكنولوجيا من الآثار الكارثية لتغير المناخ

اقتحمت التكنولوجيا مختلف المجالات المتعلقة بحياة الإنسان، من ذلك محاولة خفض مستويات الكربون باحتجازه من مصادر الطاقة الصناعية وتخزينه بهدف التقليل من درجة حرارة كوكب الأرض، لكن دعاة البيئة يرون أن هذه الخطوة ليست هي الطريق الذي يجب سلوكه للتخفيض من الآثار الكارثية لتغير المناخ.
لندن - يقول العلماء إن الحلول الطبيعية مثل غراسة الأشجار وتقنيات مثل احتجاز الكربون وتخزينه ستكون أساسية لتجنب الآثار الأكثر كارثية لتغير المناخ، لكن بالنسبة إلى بعض دعاة حماية البيئة هذا ليس الطريق الصحيح الذي يجب سلوكه.
وتقول سامانثا ماكولوتش التي تقود وحدة التقاط الكربون وتخزينه في وكالة الطاقة الدولية “هناك العديد من الخيارات، والأكثر شيوعاً هو التقاط ثاني أكسيد الكربون من مصادر الطاقة الصناعية التي تعمل بالوقود الأحفوري، ثم نقله عبر خطوط أنابيب أو سفن”.
وتتضمن العملية حقن الانبعاثات في مركب امتصاص يحتوي على مذيب، ويتم جمع ثاني أكسيد الكربون، بينما يتم إطلاق الغازات الأخرى.
ولفصل المذيب عن ثاني أكسيد الكربون يستخدم العلماء الحرارة. ثم تتم إعادة تدوير المذيب وتخزين ثاني أكسيد الكربون النقي في عمق الأرض في كهوف صخرية.
وتضيف ماكولوتش “الطريقة الأخرى لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون هي إزالته من الغلاف الجوي مباشرة من الهواء”.
وفي كلتا الحالتين، يتم تخزينه في تكوينات جيولوجية عميقة لإبعاده عن دورة الكربون التي تساهم في تسخين الكوكب.
لكن بعض دعاة حماية البيئة متشككون. إنهم قلقون من تركيز عملية التقاط الكربون على إنبعاثات الوقود الأحفوري كحل سريع بدلاً من تقليلها.
دعاة حماية البيئة قلقون من تركيز عملية التقاط الكربون على انبعاثات الوقود الأحفوري كحل سريع بدلاً من تقليلها
وفي عام 2021 أجرت منظمة المناخ الدولية بحثاً لتقييم ما إذا كانت التكنولوجيا قادرة على المساعدة في تحقيق هدف منع ارتفاع حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية.
وكان الاستنتاج أنه “لا يمكن الاعتماد عليها لتحقيق تخفيضات الانبعاثات العالمية في الموعد المحدد، ولكنها تستخدم أيضاً لاستخراج المزيد من النفط” كما يقول دومينيك إيغلتون، أحد كبار الناشطين في غلوبال ويتنس، والذي يرى أن “أفضل طريقة لوقف الانبعاثات هي وقف حرق الوقود الأحفوري”.
وتقول بييرا باتريزيو، باحثة في علم المناخ في إمبريال كوليدج لندن “يعتقد بعض علماء البيئة أيضاً أن الأموال التي تُنفق على زيادة احتجاز الكربون يجب أن تُستخدم لتسريع استخدام الطاقات النظيفة”.
وتضيف “ولكن بالنظر إلى الإطار الزمني المتاح لنا، فإن إزالة الكربون أمر لا مفر منه، والتفكير في أننا لسنا بحاجة إلى تقنيات تخزين الكربون أمر غير واقعي”.
ويجادل العلماء بأنه إلى أن نحصل على مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع، تظل تقنية احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه عنصراً مهماً للانتقال إلى عالم خالٍ من الوقود الأحفوري.
وبحسب موقع بي.بي عربي، فقد دعموا حجتهم بالإشارة إلى أحدث وثيقة للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ التي صدرت في وقت سابق من هذا الشهر.
وتقول باتريزيو “للمرة الأولى أوصت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في أبريل باستخدام التكنولوجيا لإزالة ثاني أكسيد الكربون”.
ويقول آخرون إن إزالة ثاني أكسيد الكربون هي في الواقع أحد الحلول القليلة لخفض الانبعاثات في مجال الصناعات الثقيلة مثل الصلب والإسمنت والمواد الكيميائية، حيث لا يمكن تحقيق خفض الانبعاثات إلا من خلال تقنيات متطورة مثل احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه.
وتقول سامانثا ماكولوتش من وكالة الطاقة الدولية “غالباً ما تتطلب هذه العمليات درجات حرارة عالية. كما أن حوالي ربع الانبعاثات الصناعية ناتجة عن تفاعلات كيميائية، وبالتالي لا يمكن تجنبها بالتحول إلى أنواع وقود بديلة”.
ويُنظر إلى غراسة غابات جديدة أو ترميم القديمة على أنها أكثر فائدة للبيئة، لكن “بعضها غير فعال على المدى الطويل”، وفقاً لباتريزيو.
وتشرح قائلة “إن قدرة الشجرة على فصل الكربون مؤقتة فقط لأنها عندما تصل إلى مرحلة النضج، تتوقف أيضاً عن إزالة الكربون ما لم تحافظ على الغابة بأكملها”.
وتضيف “طرق الإزالة الفنية تتجاوز هذه المشكلة. فمع تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، يتم تخزين ثاني أكسيد الكربون بشكل دائم في مواقع التخزين الجيولوجية”.
العلماء يجادلون بأنه إلى أن نحصل على مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع، تظل تقنية احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه عنصراً مهماً للانتقال إلى عالم خالٍ من الوقود الأحفوري
ويوضح دعاة احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون أيضاً أنه في بعض البلدان لا تتوفر شروط الاستثمار في جميع أنواع الطاقات النظيفة. وبالنسبة إلى أولئك الذين لديهم انبعاثات عالية من الوقود الأحفوري، يمكن أن يكون احتجاز الكربون وتخزينه ضرورة.
ويقول كريستوف بيتلر مؤسس شركة “كليم ووركس” التي تملك أول مصنع تجاري لامتصاص ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء “لا تزال هذه التقنية حديثة، ومهمتنا هي بناء مراوح لإزالة الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه بشكل نهائي في الأرض”.وعلى عكس المرافق التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بمصادر الوقود الأحفوري، تقوم “كليم ووركس” بتصفية الهواء المحيط بمصنعها.
ويؤكد بيتلر “نحن موجودون في أيسلندا ولكن ما نقوم به يؤثر على مستوى ثاني أكسيد الكربون في كل مكان”.
ويضيف “تلتقط تقنية احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه الانبعاثات قبل دخولها الغلاف الجوي. ما نفعله هو التقاط ما هو موجود بالفعل في السماء”.
ويُنظر إلى التقاط الهواء بشكل مباشر على أنه أقل إثارة للجدل لأنه لا يرتبط مباشرة بالملوثات.
وفي حالة “كليم ووركس” يتم تشغيل المرفق بواسطة مصادر الطاقة المتجددة، مما يجعله حلاً مستداماً لالتقاط الكربون.
ولكن كما هو الحال مع أي تقنية ناشئة، حتى يتم نشرها على نطاق أوسع، يظل من غير الواضح مدى فائدتها.
وفي الوقت الحالي، يخضع الأمر للتكهنات وتظل الأسئلة حول إمكاناتها والقدرة على التوسع فيها.
وتقول سامانثا ماكولوتش “التحدي الرئيسي أمام تقنية احتجاز الكربون هو تكلفتها. فهي تتطلب استثمارات كبيرة ليس فقط في مرافق الالتقاط ولكن في التخطيط والاستثمار في البنية التحتية لنقل وتخزين ثاني أكسيد الكربون. لقد شهدنا تقدماً ولكننا ما زلنا في الأيام الأولى”.
ويقول مؤيدو احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون إنه حتى لو قمنا بتجديد أنظمة الطاقة لدينا وخفض الانبعاثات الجديدة بحلول عام 2030 أو 2040، فإن ثاني أكسيد الكربون القديم سيظل في الغلاف الجوي.
وهذا ما يشير إليه الخبراء بالكربون التاريخي الذي يجب سحبه.
ويدور النقاش أيضا حول الأولويات، فهل نركز على مصادر الطاقة المتجددة على المدى القصير أم نستثمر أكثر في التقاط الكربون أولاً؟
ويرى البعض أن كليهما يجب أن يسيرا جنباً إلى جنب، حيث تقول باتريزيو “ألا تجعل تقنية احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون كوكبنا أكثر خضرة على أي حال؟ إن تصوير أولئك الذين يدعمون استخدامها على أنهم رافضون للتنوع البيولوجي ليس صحيحاً، نحن في الواقع نهتم”.
وتوضح ماكولوتش أن “أحدث تحليل لوكالة الطاقة الدولية بشأن احتجاز الكربون يعطي الأولوية لمنهج يأخذ في الاعتبار مجموعة كاملة من الخيارات يتم تطبيقها جميعاً معاً في نفس الوقت”.
وتضيف “إن وضع أنفسنا على طريق الوصول إلى صافي صفر كربون بحلول عام 2050 يتطلب تحولاً واعداً في كيفية استخدامنا ونقلنا وإنتاجنا للطاقة، ولهذا يحتاج العالم إلى مجموعة كاملة من الحلول. ويشمل ذلك مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة وزيادة نشر تقنيات الهيدروجين، ويلعب احتجاز الكربون في هذا الإطار دوراً مهماً”.