هل تتحول الهبة إلى انتفاضة

الاثنين 2015/10/19

منذ البداية كان ثمة سؤال يدور في أذهان أطراف عديدة، إسرائيلية وعربية ودولية، وحتى فلسطينية، عن حقيقة ما يجري في الأراضي المحتلة، مفاده: هل نحن إزاء هبة شعبية، على غرار هبة النفق (1996)، التي حصلت إبّان حكومة نتانياهو الأولى، أم أننا إزاء ممهدات انتفاضة شعبية جديدة على غرار الانتفاضة الأولى (1987-1993)؟

لازال من المبكر التكهّن بحدود ما يجري، إن كنا إزاء هبة أو انتفاضة، لاسيما أن الزخم الشعبي المتحقق حتى الآن لم يكتسب صفة الشمولية، كما أنه من الصعب تغليب التوقع المتعلق بنشوء انتفاضة جديدة بحكم الأوضاع الصعبة الناجمة عن الانقسام، وعن غياب إجماعات وطنية، خاصة مع حال الإحباط السائدة عند قطاعات واسعة من الفلسطينيين.

على ذلك يبدو أننا مازلنا إزاء “هبّة” شعبية، وهذا لا يقلل من أهميتها، وهذه الهبّة من سماتها أنها عفوية ومن خارج البنى الفصائلية، وأن الشباب هم العنصر المحرك لها، وأنها غير مسلحة مع وجود نزعة عنفية فيها، في مواجهة المستوطنين والمجندين الإسرائيليين، وربما هذه عناصر قوتها.

في التعاطي مع هذه الهبّة يفترض التمييز أولا، بين العنف الفردي وبين أشكال النضال الجمعية المعتمدة. والقصد من ذلك أنه ينبغي الحذر من المبالغة بحصر الهبّة باعتبارها بمثابة حرب بالسكاكين، سواء قصد مدحها أو ذمها، لأن هذا الشكل يجري تضخيمه إعلاميا على حساب النهوض الشعبي الفلسطيني، والذي عبر عن رفض الاحتلال والاستيطان ومحاولات تهويد القدس، وعن غضبته من مسار عملية التسوية ومن المفاوضات.

في ذات الإطار يجدر التمييز بين العنف الفردي والعنف السياسي المنظم الذي تقوم به حركات سياسية. صحيح أن العنف الفردي هو بمثابة ردة فعل عفوية على الظلم والامتهان، محملة بنزعة التوق للحرية والخلاص، وأنه ينطوي على قيم الشجاعة والتضحية، وهي من سمات الطبيعة الإنسانية الفطرية التي لا يمكن ضبطها، بيد أن ذلك لا ينبغي أن ينسينا بأن هذا العنف رغم تأثيراته، لا يغير الأوضاع ولا موازين القوى، وربما يأتي بنتائج عكسية. ويفترض ألا ننسى أن الحركات السياسية السائدة هي التي تتحمل المسؤولية عن سيادة العفوية، لأن ردة الفعل الفردية، هي من الأصل بمثابة نتاج لحال الإحباط السائدة، وتاليا، هي نتاج للاقتناع بأفول وعجز هذه الحركات، ونتاج تقصيرها في صوغ طرائق النضال الممكنة والمجدية.

ثانيا، في غمرة الحماس لهذه الهبّة، ولاسيما لروح الشجاعة عند بعض الشباب الذين لم يجدوا إلا سبيل التضحية بأنفسهم لقهر عدوهم وكسر جبروته، ينبغي أن نتذكر أنه من التسرع تصوير الأمر وكأن الإسرائيليين فقدوا الأمن وأنهم هم الذين يقتلون. وحقا فإن هكذا كلام يخالف الواقع ويضر بصورة الفلسطينيين، ويعيد إسرائيل إلى احتلال صورة الضحية أمام العالم، في حين أن الفلسطينيين هنا هم الضحايا وهم الطرف الضعيف، وهم في حالة دفاع عن أنفسهم وكرامتهم.

ثالثا، يفترض التمييز، في النقاش المتعلق بهذه الهبة، بين السبب والنتيجة، أي أن المشكلة لا تتعلق بانفجار الشباب الفلسطيني، وإنما هي تتعلق بواقع استمرار الاحتلال والاستيطان والتمييز العنصري، فهذه هي الأسباب لهذه الهبة أو الانتفاضة، أو لأي هبة أو انتفاضة أخرى، لأن هذه الأسباب هي منابع مشاعر الإحباط عند الشباب الفلسطيني، الذي فقد الأمل ولم يعد لديه ما يخسره. وسواء تبين الأمر عن هبة، أو عن انتفاضة، فإنها في كل الأحوال تعبر عن رفض الفلسطينيين لواقعهم، واستعصاء القدرة الإسرائيلية على إخضاعهم، وعن إصرارهم على مواصلة الكفاح من أجل حقوقهم.

كاتب سياسي فلسطيني

9