هل أضاع الفلسطينيون فرصة كوشنر وربحها الآخرون

دبلوماسية صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قلبت معايير التفاوض بشأن إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأفضت إلى الحصول على تنازلات غير متوقعة.
الاثنين 2020/12/14
خطة السلام الأميركية وضعت دول المنطقة أمام الأمر الواقع

بينما يرجّح محللون سياسيون توجّه السلطة الفلسطينية للتعايش والتكيف مع الواقع الجديد في الشرق الأوسط، والذي قد يمتد فيه قطار التطبيع لدول أخرى، حيث لا تملك القيادة الفلسطينية أي أوراق ضغط لوقفه، بدت التساؤلات تقفز حول ما إذا كان الفلسطينيون قد أضاعوا بالفعل فرصة جاريد كوشنر، التي طرحها في سياق خطة إدارة الرئيس دونالد ترامب لإحلال السلام في المنطقة، في حين ربحتها دول عربية أخرى.

واشنطن- كثرت التعليقات المشككة والساخرة عندما كلف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مطلع العام 2017 صهره جاريد كوشنر، عندما كان المستشار الشاب المتخصص في سوق العقارات في نيويورك لا يمتلك أي خبرة على الساحة الدولية، مهمة التوصل إلى “اتفاق نهائي” بين إسرائيل والفلسطينيين.

وبعد أربع سنوات على ذلك لا يزال السلام بين الطرفين بعيد المنال، إلا أن هذا الفشل لم يكن كاملا، إذ نتجت عن هذه المهمة سلسلة من الاتفاقات العربية مع إسرائيل أخرجت إلى العلن التحولات في منطقة الشرق الأوسط.

ففي الـ13 من أغسطس الماضي أعلن ترامب تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، وفي الحادي عشر من سبتمبر الماضي أعلن عن تطبيع البحرين مع إسرائيل، وتوُّج الإعلانان بتوقيع اتفاقي التطبيع يوم 15 سبتمبر الماضي.

دنيس روس: كوشنر بات رجل المهمات المستحيلة بصلاحياته المطلقة
دنيس روس: كوشنر بات رجل المهمات المستحيلة بصلاحياته المطلقة

ثم تتالت تلك المحاولات من أجل ضم دول عربية أخرى، انتهت في أواخر سبتمبر الماضي، بظهور مساع أميركية للتطبيع بين السودان وإسرائيل، ثم توجت الخميس الماضي بإعلان تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، لتعلن تقارير إسرائيلية الأحد أن سلطنة عمان ستكون الدولة الموالية في قطار التطبيع.

وثمة تحليلات ترى أن السلطة الفلسطينية وصلت إلى قناعة بأن الدول العربية مستمرة في التطبيع، وأن دولا أخرى ستلحق بها، دون أن يهمها الموقف الفلسطيني، ما يعني أن الفلسطينيين ربما يكونون قد فوتوا الفرصة على أنفسهم من أجل القبول بالمبادرة الأميركية خلال عهد ترامب.

تغيير الخطوط

حققت دبلوماسية كوشنر الموازية القائمة على قلب المعايير وصداقات جديدة وتنازلات مباغتة، للرئيس الأميركي اختراقا غير متوقع في نهاية ولايته الوحيدة في البيت الأبيض، ويتمثل هذا الإنجاز بتطبيع أربع دول عربية علاقاتها مع الدولة العبرية وهو أمر لم يحصل منذ 25 عاما.

وكانت بدايات هذه المغامرة واعدة على صعد عدة، فكل المحاولات الكلاسيكية لتسوية هذا النزاع فشلت فيما كان الملياردير الجمهوري حديث العهد على الساحة الدبلوماسية، متعطشا بالتأكيد لدخول التاريخ.

وأحاط كوشنر، الذي كان يومها في السادسة والثلاثين، نفسه بفريق صغير مؤلف من جيسون غرينبلات المحامي السابق في ترامب أورغنايزيشن (منظمة ترامب) وديفيد فريدمان المحامي المتخصص بقضايا الإفلاس، الذي عين سفيرا للولايات المتحدة في إسرائيل.

ورأت مصادر دبلوماسية أن تحركات كوشنر وفريقه المشرف على ما يطلق عليه “صفقة القرن” في السنوات الأخيرة، كان هدفها التسويق لمسعى الإدارة الأميركية لخلق بيئة حاضنة للصفقة، التي وعد بها ترامب قبل وصوله إلى سدة الرئاسة.

ويقول دنيس روس، الذي تولى هذا الدور في عهد الرئيس بيل كلينتون، إن الوسيط في الشرق الأوسط، في إشارة إلى كوشنر، بحاجة لسلطة أكيدة وينبغي أن يتمتع بدعم مطلق من الرئيس ترامب.

ديفيد ماكوفسكي: صهر ترامب وضع  في الميزان تنازلات ثنائية كانت مهمة
ديفيد ماكوفسكي: صهر ترامب وضع  في الميزان تنازلات ثنائية كانت مهمة

ويوضح روس لوكالة الصحافة الفرنسية أن كوشنر زوج ابنة ترامب، إيفانكا “كان يتمتع بهذه السلطة”، وأصبح بذلك رجل المهمات المستحيلة بلهجته الهادئة وأناقته وأعطي الفريق الخاص هذا كامل الصلاحيات.

أحد أعضاء الفريق قال بعد فترة على ذلك لوكالة الصحافة الفرنسية “نحن نغير الحدود والخطوط لنقدم شيئا أكبر بكثير”. وقد أحيطت نوايا هذا الثلاثي وتحركاته بالكتمان، فقد استبعد الحلفاء لتجنب التسريبات بينما لم يُشرك وزير الخارجية مايك بومبيو بالكامل في ما يحصل.

ولقد دخل الفلسطينيون اللعبة في البداية وإن بفتور بسبب ما هو معروف عن هؤلاء الوسطاء الجدد من قربهم لإسرائيل. وقال أحد المفاوضين الفلسطينيين إن “32 لقاء عقدت مع فريق كوشنر”، إلا أن أملهم خاب سريعا. وأشار هذا الدبلوماسي، الذي لم تذكر وكالة الصحافة الفرنسية هويتة، “لم يسألوا أبدا عن رأينا بالمسائل الأساسية”.

وحصلت القطيعة اعتبارا من نهاية العام 2017، فقد اعترف ترامب حينها بالقدس عاصمة لإسرائيل، في مستهل سلسلة من القرارات الأحادية الجانب المؤيدة للدولة العبرية، شكلت طعنة للتوافق الدولي. فقطعت السلطة الفلسطينية كل الجسور.

وواصل الموفدون الأميركيون مهماتهم المكوكية مع تجنب الذهاب إلى رام الله حيث مقر السلطة الفلسطينية، فتناول كوشنر وجبة إفطار مع العاهل المغربي الملك محمد السادس، وتبادل الرسائل الكثيرة عبر واتسآب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ما دفع الأوساط السياسية في واشنطن إلى التنديد بهذه الصداقة مع الأمير الشاب.

وكانت أصداء هذه التحركات جيدة في إسرائيل، فقد عبر دبلوماسي إسرائيلي عن ارتياحه لذلك لأنهم “يحسنون (الفريق) الإصغاء”. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية، التي لم تكشف عن هويته، إن “لديهم رؤية إقليمية أوسع ويتباحثون مع الدول العربية ويريدون مشاركتها”.

وبدأت الأحجية تتبلور عندها. ويوضح روس تعليقا على ذلك بالقول لقد “أرادوا استخدام العرب للضغط على الفلسطينيين، لكن هذه المساعي لم تكن تملك أي فرصة للنجاح”.

تنازلات متبادلة

الفلسطينيون قد يفوتوا الفرصة على أنفسهم من أجل القبول بالمبادرة الأميركية خلال عهد ترامب
الفلسطينيون قد يفوتوا الفرصة على أنفسهم من أجل القبول بالمبادرة الأميركية خلال عهد ترامب

بالفعل، بقي المقعد الفلسطيني خاليا عندما كشف ترامب مطلع 2020 “رؤيته” للسلام، التي تضمنت جزءا كبيرا من مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان واقفا إلى جانبه.

ولجأ كوشنر عندها إلى التلويح باحتمال ضم إسرائيل للمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة في محاولة لإقناع الفلسطينيين بالقبول بدولة أصغر. لكن ذلك لم ينجح أيضا، لكن روس يقول “للمفارقة، نجح هذا التكتيك مع الإمارات العربية المتحدة”.

فخلال الصيف الماضي مكّن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الولايات المتحدة من تحقيق منعطف في هذه المساعي عندما اقترح تطبيع العلاقات مع إسرائيل مؤكدا بذلك تقاربا كان قد بوشر في الكواليس.

في مقابل ذلك طالب الشيخ محمد بتخلي نتنياهو عن ضم المستوطنات، وأراد خصوصا أن تبيع الولايات المتحدة بلاده طائرات مطاردة متطورة جدا من طراز أف-35 كانت ترفض حتى ذلك الحين بيعها لها للمحافظة على تفوق إسرائيل العسكري.

تحركات كوشنر وفريقه المشرف على ما يطلق عليه "صفقة القرن" في السنوات الأخيرة، كان هدفها التسويق لمسعى الإدارة الأميركية لخلق بيئة حاضنة للصفقة

ورأت دول عربية أخرى في ذلك فرصة للحصول على مبادرات من الأميركيين مع تشكيلها جبهة موحدة في مواجهة إيران العدو المشترك. ويؤكد روس “لم تكن تلك السياسة التي تصورها كوشنر في البداية لكنه استفاد من الفرصة عندما سنحت”.

وجعل كوشنر من المثال الإماراتي نموذجا، ويرى ديفيد ماكوفسكي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن صهر ترامب وضع في الميزان تنازلات ثنائية كانت لها أهميتها تقليديا بالنسبة للولايات المتحدة.

وفي اختراق يحسب لإدارة ترامب، تم شطب السودان من اللائحة الأميركية للدول المتهمة بدعم الإرهاب، وعززت البحرين علاقاتها مع الولايات المتحدة، فيما حصل المغرب على الاعتراف الأميركي بسيادته على الصحراء الغربية، إلا أن سياسة التنازلات المتبادلة هذه تثير انتقادات.

ومن المرجح أن تساهم الاتفاقات في إعادة رسم الشرق الأوسط على أسس إحلال التعايش السلمي بين دول المنطقة. ويرى ماكوفسكي أن دبلوماسية كوشنر “تشكل أساسا يمكن البناء عليه مستقبلا” وهو يأمل في أن تسهم الإدارة الأميركية الجديدة في ذلك مع محاولة إضافة الشق الفلسطيني إليها.

7