هل أسّس شي جينبينغ في موسكو لعالم جديد؟

هل بدأت بكين رسم حدود المواجهة القطبية مع الولايات المتحدة؟ الجواب نعم ولكن بحذر شديد، فالصين لا تزال تبدي حرصاً على أن تنأى بنفسها ولو رسمياً عن التأثيرات السلبية لعلاقاتها مع روسيا.
الأربعاء 2023/03/29
تحالف يقلق واشنطن

الزيارة التي قام بها مؤخراً الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى روسيا تنطوي على أبعاد ودلالات مهمة للغاية، وترسم حدود حركة الصين في تحدي النفوذ والهيمنة الأميركيين، فلم يخش الرئيس الصيني غضباً أميركياً متزايداً يدرك أنه آت لا محالة بسبب زيارته إلى موسكو، بكل ما تنطوي عليه من رمزيات ومعان. الزعيم الصيني الذي قال أمام برلمان بلاده منذ أسابيع إن هناك حملة تقودها الولايات المتحدة “لاحتواء الصين وتطويقها وقمعها”، يتحرك لترسيخ نفوذ بلاده على المسرح الدولي.

رؤية الولايات المتحدة لما يدور عالمياً لخصها جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي بقوله إن الصين وروسيا تجمعهما الرغبة في تحدي الولايات المتحدة، والتصدي للنظام الدولي الذي يعد أساساً لحكم القانون وتطبيق مبادئ الأمم المتحدة، ويرى أن البلدين يريدان تغيير قواعد اللعبة وتحدي القيادة الأميركية خصوصاً في أوروبا ومناطق أخرى من العالم.

الحقيقة التي يرفض الغرب قبولها أن الصين تتحرك بشكل اعتيادي بحثاً عن مصالحها الإستراتيجية، وهو ما عبّر عنه وليام هيغ وزير الخارجية البريطاني السابق في مقال نشرته صحيفة “التايمز” حيث قال “إنك لو كنت في موقف الصين، تسعى لتحقيق إستراتيجيتك للقرن الحادي والعشرين، فسيكون وجود روسيا إلى جانبك أمرا ضرورياً”.

ويواصل إن الأفضل ألا تكون روسيا فقط إلى جانبك بل مرتبطة بك، ومضطرة إلى الاستمرار معك، دون أي خيار آخر سوى بناء خطوط الغاز المستقبلية باتجاه الصين، ومشاركتها التقنيات العسكرية والفضائية، وبالتالي التأكد من أنه في الصراع المتصاعد مع الولايات المتحدة فإن الصين لن تتعرض للحصار، وسيكون الوضع المثالي بالتالي للرئيس شي أن يجعل بوتين حليفاً، وكذلك معتمداً على الصين، وهذا بالضبط هو ما حدث.

الصين تمضي قدماً في ترسيخ أقدامها على طريق ما تصفه بالعصر الجديد للعلاقات الدولية، وتعتبر زيارة الزعيم الصيني إلى موسكو مؤخراً خطوة في هذا الاتجاه

ويقول هيغ “في الغرب نحن أيضا نسعى وراء مصالحنا بدعم أوكرانيا، لأنه لو حققت روسيا هدفها، ودمّرت الدولة الأوروبية، لكنا نحن وحلفاؤنا مضطرين لإنفاق أموال باهظة لحماية أمننا لعقود طويلة. لكننا نعتقد أيضا أننا نخدم مصالح الإنسانية. وبالنسبة إلينا فإن هزيمة العدوان والتصدي لانتهاك حقوق الإنسان من المبادئ الأساسية”.

في ضوء هذا التباين الذي رسمه مقال هيغ ورفض الغرب القبول بالواقع، فقد حرصت الصين وروسيا على تأكيد أن الشراكة الوثيقة بين البلدين لا تشكل “تحالفا عسكريا سياسيا”، وأضافا أن العلاقات “لا تشكل تكتلا وليست لها طبيعة تصادمية وليست موجهة ضد دول ثالثة”.

بين هذا وذاك، تبقى الحقائق والأرقام، ففي ظل الحظر المفروض على النفط والتكنولوجيا المتطورة، وفي ظلّ قطع العديد من الشركات الغربية العلاقات التجارية مع روسيا، سجلت تجارة الصين مع موسكو رقما قياسيا بلغ نحو 190 مليار دولار عام 2022، بارتفاع بنسبة 30 في المئة عن العام السابق. وارتفعت صادرات روسيا إلى الصين بنسبة 43 في المئة، بينما سجلت الواردات من الصين زيادة بنسبة 13 في المئة. ومع تراجع تجارة روسيا مع الغرب عام 2022، أصبحت الصين إلى حد بعيد، أهم شركاء روسيا التجاريين، حيث زادت صادرات روسيا من الغاز الطبيعي للصين بنسبة 50 في المئة عام 2022، وزادت واردات الصين من النفط الروسي بنسبة 10 في المئة عن عام 2021.

السؤال الأكثر إلحاحاً هنا: هل بدأ الزعيم الصيني رسم حدود المواجهة القطبية مع الولايات المتحدة؟ الجواب هو نعم ولكن بحذر شديد، فالصين لا تزال تبدي حرصاً على أن تنأى بنفسها ولو رسمياً عن التأثيرات السلبية لعلاقاتها مع روسيا، ولا تريد تحمل تكلفة الصدام بين روسيا والغرب، أو أن تكون جزءاً من دافعي هذه التكلفة، وهنا تمكن الإشارة إلى إعلان بكين عن أول اتصال مباشر منذ بدء الحرب سيجريه الرئيس شي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في إشارة صينية واضحة على التركيز على إنهاء الحرب لا بناء تحالف مع روسيا، وأن التركيز هو على فكرة تنميط الصين كصانع سلام دولي مقبول.

الحقيقة أن الصين تمضي قدماً في ترسيخ أقدامها على طريق ما تصفه بالعصر الجديد للعلاقات الدولية، وتعتبر زيارة الزعيم الصيني إلى موسكو مؤخراً خطوة في هذا الاتجاه، مع مراعاة الحذر والحرص في إدارة العلاقات الصينية مع روسيا من ناحية وأوروبا من ناحية ثانية، حيث أكد البيان الختامي الصادر عن الجانبين على المبادئ العامة التي تؤمن بها الصين، وفي مقدمتها الانفتاح والشمولية وعدم التمييز ومراعاة مصالح جميع الأطراف وبناء عالم متعدد الأقطاب وتعزيز التنمية المستدامة في جميع الدول، وتشجيع التعاون المربح للجميع، كما أكدا على أنه لا يوجد نموذج ديمقراطي يتفوق على الآخرين، ورفض الفكرة الأميركية الخاصة بالمواجهة بين الديمقراطية والاستبداد، واستخدام الديمقراطية والحريات كغطاء للتدخل والضغط على الدول الأخرى.

6