هدف حماس من "طوفان الأقصى" وهدف إسرائيل من إعلان الحرب

الحرب ستتطور إلى حرب إقليمية حتى على مستوى حزب الله لانشغال "محور المقاومة" بمشاكل داخلية وتعرض أطراف المحور لضغوط دولية والخوف من الانزلاق إلى حرب لن تكون مع إسرائيل فقط بل مع واشنطن والغرب.
الثلاثاء 2023/10/10
هل تغير الأيام والأسابيع القادمة المعادلة في قطاع غزة

العملية الفدائية التي قامت بها كتائب القسام واحتلت خلالها عدة مستوطنات في غلاف غزة وقتلت وأسرت المئات من الإسرائيليين، كانت مفاجئة للجميع من حيث التوقيت وحجمها وخسائر العدو وتأثيراتها النفسية على الإسرائيليين والفلسطينيين وأيضا تداعياتها السياسية المتوقعة فلسطينيّا وعربيا ودوليا، كما ستكون ردة فعل إسرائيل قوية وعنيفة ومختلفة عن حروبها السابقة على القطاع.

خلال اليومين السابقين غطت غالبية الفضائيات ووكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية والعربية ما يجري وأسهبت في إظهار بطولات المقاومين الفلسطينيين وكيف أسقطوا ببطولاتهم كل المراهنات والأوهام التي روجت لها حكومة اليمين الصهيوني، كالزعم بانتهاء القضية الفلسطينية وتطويع حركة حماس في غزة والسلطة في الضفة للأمر الواقع، وهو الأمر الذي ساعدها على ترويج روايتها الصهيونية عربيّا ودوليّا وعلى أساسها جرت العديد من الدول العربية للتطبيع والتخلي عن الشعب والقضية الفلسطينييْن، أو الزعم بأن الشعب الفلسطيني منقسم على نفسه وصراعاته الداخلية تطغى على صراعه مع الاحتلال… إلخ.

الاختلال الكبير في ميزان القوى يميل كثيرا إلى صالح الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عن هدف حركة حماس من القيام بهذه العملية النوعية

إعلان إسرائيل حالة الحرب رسميّا، وهو ما لم يحدث منذ حرب أكتوبر 1973، وإعلان واشنطن على لسان الرئيس جو بايدن في مؤتمر صحفي خاص بأحداث غزة أن واشنطن تقف بكل حزم إلى جانب إسرائيل وتضع كل إمكانياتها المالية والعسكرية لدعمها، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وترسل حاملة طائرات إلى المنطقة، هذا يعني أن الأمور لن تقتصر على رد الاعتبار لهيبة الجيش الإسرائيلي من خلال عملية محدودة في غزة، بل هي مؤشرات على تداعيات للحرب تتعلق بالقطاع ومستقبل حركة حماس في غزة وعلاقة غزة بإسرائيل، كما تحمل تحذيراً لأطراف أخرى فيما لو تدخلت في الحرب كحزب الله أو إيران، أو تدهور الوضع الأمني في الضفة والقدس وداخل الخط الأخضر.

إلى حد الآن لا يبدو أن الحرب ستتطور إلى حرب إقليمية حتى على مستوى حزب الله، لانشغال “محور المقاومة” بمشاكل داخلية وتعرض أطراف المحور لضغوط دولية والخوف من الانزلاق إلى حرب لن تكون مع إسرائيل فقط بل مع واشنطن والغرب عمومًا، مع اعتقادنا بوجود تهويل في دور إيران ومحور المقاومة فيما يجري في غزة وعموم فلسطين للتغطية على فشل إسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية والإهانة التي تعرضت لها في عملية “طوفان الأقصى”، وبالتالي ستقتصر الحرب الآن على جبهة قطاع غزة وإسناد شعبي من فلسطينيي الضفة وستكون حربا صعبة تمتد لأيام وأسابيع وستغير المعادلة في قطاع غزة وربما في الشرق الأقصى.

مع أن حركة حماس ثبتت نفسها كرقم صعب وأساسي في المعادلة الفلسطينية الداخلية، ومع أهمية ودراماتيكية عملية حماس وبطولة مقاتليها، إلا أن الاختلال الكبير في ميزان القوى يميل كثيرا إلى صالح الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عن هدف حركة حماس من القيام بهذه العملية النوعية وهي تعرف الاختلال في موازين القوى لصالح العدو كما تعرف أن محور المقاومة لن يتدخل بشكل مباشر؟ أيضا تساؤلات حول مستقبل قطاع غزة وحركة حماس بعد الحرب؟

ما قامت به حركة حماس هو فعل طبيعي وحق مشروع لحركة مقاومة ضد الاحتلال. إلا أن العملية الفدائية تدخل في سياقات أخرى نظرا إلى تموقع حركة حماس كحكومة وسلطة تحكم في قطاع غزة وتتعامل معها العديد من الدول على هذا الأساس. حتى إسرائيل ولسنوات تتعامل معها وتنسق معها بطريقة غير مباشرة كسلطة أمر واقع، بل إن بنيامين نتنياهو اعترف أكثر من مرة بأن وجود حماس في السلطة بالقطاع يخدم مصلحة إستراتيجية لإسرائيل. فما الذي تغير وإلى أين ستؤول الأمور؟

عملية "طوفان الأقصى" حققت إنجازات معنوية وأعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث، إلا أننا نأمل من فصائل المقاومة الحذر من مخطط إسرائيلي سيتم تنفيذه بعد حرب برية مدمرة على القطاع

استمعنا في اليوم الأول من الحرب إلى خطابات القائد العسكري محمد الضيف ورئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري وكلها أكدت أن عملية “طوفان الأقصى” جاءت كردة فعل على انتهاك المسجد الأقصى وإرهاب المستوطنين، وأنها تهدف إلى تحرير الأقصى وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي! وهو نظريا هدف مشروع، ولكن كيف سيحدث ذلك عمليا في ظل وجود حماس في السلطة بغزة ووجود سلطة أخرى في الضفة والحالة المتردية للعالمين العربي والإسلامي وعدم وجود عملية سياسية للسلام، ثم صدور تصريحات لاحقة من المقاومة بعد أسر مئات الإسرائيليين بأن الهدف مفاوضات لتبادل الأسرى؟ فهل ستؤول الأمور إلى مفاوضات بين حماس وإسرائيل تكون فيها حماس في موقع القوة لفرض شروط على العدو في أمور تتعلق بواقع ومستقبل قطاع غزة وتثبيت سلطتها؟ أم ستتجاوز ذلك إلى تغيير المعادلة كليا على مستوى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي؟

من السابق لأوانه الحسم في نتائج الحرب ومدى قدرة المقاومة الفلسطينية على تحقيق أهدافها الإستراتيجية في هذه المرحلة من الحرب التي مازالت في بدايتها وتداعياتها الإقليمية غير واضحة وحجم وأهداف ردة الفعل الإسرائيلية غير واضحيْن أيضا، ومازال من غير الواضح هل تريد إسرائيل إنهاء الدور الوظيفي لحماس في القطاع وإحلال سلطة فلسطينية بديلة أم تريد مجرد إضعافها وتدمير قدراتها العسكرية كليا مع الحفاظ عليها كسلطة للإبقاء على حالة الانقسام الفلسطيني؟

عملية “طوفان الأقصى” حققت إنجازات معنوية وأعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث، إلا أننا نأمل من فصائل المقاومة الحذر من مخطط إسرائيلي سيتم تنفيذه بعد حرب برية مدمرة على القطاع حيث يتم استدعاء تدخل دولي يؤدي إلى مرابطة قوات دولية على حدود القطاع وقطع التواصل والعلاقات كليا مع القطاع ورميه في أحضان مصر، وخصوصا بعد اقتحام المقاتلين الفلسطينيين للمعابر بين القطاع ودولة الكيان وبالتالي مع بقية فلسطين، واحتمال عدم فتحها مرة أخرى.

9