هجوم توساش يفرمل اندفاعة تركيا في عقد صفقة مع عبدالله أوجلان

أردوغان يناشد بوتين التدخل لدى الأسد: مصلحتنا في التطبيع.
السبت 2024/10/26
وضع مشتعل

فرمل الهجوم الذي استهدف قطب الصناعة الدفاعية التركية وتبناه حزب العمال الكردستاني، اندفاعة أنقرة صوب عقد صفقة مع زعيم الحزب عبدالله أوجلان المسجون لديها منذ العام 1999، في المقابل منح نفسا جديدا لجهود التطبيع مع سوريا.

لا يخلو توقيت الهجوم الذي تعرضت له شركة الصناعات الجوية والفضاء التركية (توساش) في العاصمة أنقرة، وتبني حزب العمال الكردستاني للعملية، من دلالات سياسية خاصة وأنه جاء في أعقاب مبادرة طرحها دولت بهجلي، زعيم الحركة القومية التركية والحليف الوثيق للرئيس رجب طيب أردوغان، تقضي بإطلاق سراح زعيم “العمال” عبدالله أوجلان في مقابل حل الحزب الكردي ونزع سلاحه.

الهجوم على “قلب صناعة الدفاع التركية” بدا بمثابة رد عملي من حزب العمال على المبادرة، وقد وضع الدولة التركية في موقف محرج، وهي التي كانت تعتقد أن الحزب الذي يخوض تمردا ضدها منذ سبعينات القرن الماضي سيقبل مرحبا بالمبادرة، أو أقلها انتظار المزيد من التفاصيل عنها.

ويطرح هجوم توساش تساؤلات حول ما إذا كان سيدفع تركيا إلى إعادة النظر في جدوى أي عملية سياسية مع الحزب الكردي، وفي المقابل ما هي الخيارات التي أمام أنقرة، وهي المسكونة بهاجس التصعيد الجاري في المنطقة وما يمكن أن تفضي إليه من تداعيات مباشرة على تركيا كان سبق وأن حذر منها الرئيس أردوغان؟

وهل سيكون استئناف مسار التطبيع مع دمشق الخيار المقابل الأفضل بالنسبة للسلطة السياسية التركية، لما قد يمنحه لها ذلك من إمكانية لضرب الإدارة الذاتية القائمة في شمال شرق سوريا، والتي تعتبرها أنقرة مرتكزا جديدا “للعمال”.

العمال يتبنى الهجوم

رجب طيب أردوغان: طالبنا بوتين باتخاذ خطوات لضمان استجابة الأسد لندائنا
رجب طيب أردوغان: طالبنا بوتين باتخاذ خطوات لضمان استجابة الأسد لندائنا

على خلاف عمليات نوعية سابقة، أعلن حزب العمال الكردستاني الجمعة مسؤوليته عن الهجوم الذي استهدف الأربعاء مقر الشركة التركية لصناعات الفضاء، وإن كان نفى أن تكون له خلفيات سياسية.

وقال الحزب في بيان “العملية الفدائية التي نفذت داخل مقر صناعات الفضاء في أنقرة قرابة الساعة 15:30 (12:30 ت.غ) الأربعاء في الثالث والعشرين من أكتوبر نفذتها مجموعة من ‘كتيبة الخالدين'” في الحزب، موردا اسم المنفذين وهما رجل وامرأة.

وأضاف حزب العمال الكردستاني في بيانه أن العملية “مخطط لها منذ فترة طويلة”، موضحا أنها غير مرتبطة بالمستجدات السياسية في تركيا.

وأكد البيان أن الهدف من الهجوم “توجيه تحذيرات ورسائل ضد المجازر وممارسات الإبادة والعزل التي تنفذها الحكومة التركية”.

ولا تبدو محاولة فصل العملية عن الإطار السياسي مقنعة بالنسبة للكثيرين، حيث إنه كان هناك مجال للتراجع عنها، ما يعني أن القيادة التي تتولى إدارة حزب العمال الكردستاني، ترفض بالمطلق مبادرة بهجلي، بالصيغة المطروحة، أي ربط الإفراج عن زعيم الحزب أوجلان الذي يقبع منذ العام 1999 في سجن انفرادي بجزيرة آمرلي، بحل الحزب، وتسليم المقاتلين الأكراد لأنفسهم للسلطات التركية.

وكان بهجلي أعلن عن مبادرته المفاجئة خلال جلسة برلمانية حيث قال “إذا تم رفع العزلة عن زعيم الإرهابيين (أوجلان)، فليأت ويتحدث في اجتماع الحزب الديمقراطي (المؤيد للأكراد) في البرلمان. وليصرخ بأن الإرهاب انتهى تماما، وأن منظمته تم حلها”.

وأضاف زعيم الحركة القومية “إذا ألقى أوجلان مثل هذا الخطاب، فقد يكون هناك سبيل لإطلاق سراحه من السجن بموجب المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، المعروفة باسم ‘الحق في الأمل’، والتي تحظر أحكام السجن لأجل غير مسمى وتحددها بـ25 عاما”.

وبعد مضي يوم فقط على إعلان بهجلي، سمحت السلطات التركية لعائلة أوجلان بزيارته في السجن، وذلك للمرة الأولى منذ نحو ثلاثة وأربعين شهرا، وقد عززت الخطوة التوقعات المتفائلة بشأن إمكانية حصول اتفاق بين أوجلان والدولة التركية، لكن عملية توساش أعادت على ما يبدو خلط الأوراق.

هجوم توساش يطرح تساؤلات حول ما إذا كان سيدفع تركيا إلى إعادة النظر في جدوى أي عملية سياسية مع الحزب الكردي

وبوقوع الحادثة بدت السلطات التركية مترددة لوهلة في إعلان الجهة التي قامت بالعملية، وهي التي كانت تسارع في السابق لتحميل حزب العمال المسؤولية عن أي هجمات تقع في الداخل، قبل أن يحسم وزير الداخلية علي يرلي قايا الجدل ويؤكد أن الرجل الذي نفذ العملية رفقة امرأة ثبت أنه أحد أعضاء الحزب الكردي.

وأعقب تصريح وزير الداخلية بساعات قليلة شن الجيش التركي غارات مركزة على مواقع حزب العمال في شمال العراق وأيضا داخل سوريا.

وقتل خمسة أشخاص الجمعة جراء الهجمات الجوية التركية التي استهدفت حركة إيزيدية متحالفة مع حزب العمال الكردستاني في منطقة سنجار الجبلية في شمال العراق.

وقال مسؤول أمني إن “سلسلة غارات جوية تركية استهدفت وحدات مقاومة سنجار” في المنطقة الجبلية الواقعة في شمال العراق، مشيرا إلى “مقتل خمسة أشخاص” في مناطق متفرقة.

وأشار المسؤول الموجود في محافظة نينوى، رافضا الكشف عن هويته، إلى وقوع عدد من الإصابات. وأكد مسؤول محلي في سنجار مفضلا عدم الكشف عن اسمه مقتل العدد نفسه، مشيرا إلى “قصف طائرات تركية لنقاط تابعة لهذه الوحدات”.

من جهته، أعلن جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي ويقع بجوار محافظة نينوى، “تنفيذ الجيش التركي سلسلة من الهجمات بطائرات بدون طيار وطائرات حربية على قواعد ومواقع لحزب العمال الكردستاني” أدت إلى مقتل “ثلاثة مسلحين” في سنجار.

ويشي التصعيد التركي بأن أنقرة قررت على ما يبدو المضي في استهداف مواقع حزب العمال الكردستاني، وتأجيل الحديث عن تسوية مع أوجلان، إلى حين أن تنضج الظروف لذلك، في المقابل ستعيد النظر بجدية في مسار التطبيع مع دمشق، حيث إن الأمر بالنسبة لها أصبح ملحا لاحتواء ما تعتبره خطر الحزب الكردي في شمال شرق سوريا.

العودة إلى الأسد

التصعيد التركي يشي بأن أنقرة قررت على ما يبدو المضي في استهداف مواقع حزب العمال الكردستاني، وتأجيل الحديث عن تسوية مع أوجلان

كشف الرئيس التركي الجمعة أنه طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين اتخاذ خطوات لضمان استجابة الرئيس السوري بشار الأسد للدعوة التركية إلى تطبيع العلاقات.

ونقلت صحيفة “يني شفق” عن أردوغان قوله إنه ناقش مع بوتين قضية سوريا خلال مشاركته بقمة مجموعة “بريكس” في قازان على مدار اليومين الماضيين.

وأضاف أردوغان أنه تحدث مع بوتين عن مسألة لقاء الأسد، وقال “منذ البداية أكدنا دائما أننا نؤيد حماية سلامة الأراضي السورية، وإرساء سلام دائم وعادل في جوارنا، بالإضافة إلى حماية حدودنا”.

وبحسب الرئيس التركي، فإن هذا الموقف يعكس دورا في فهم محاربة “المنظمات الإرهابية” دون تمييز، فيما بدا أنه مستعد لتقديم تنازلات حيال وقف دعم الجماعات الجهادية في شمال غرب سوريا والتي تصنفها دمشق جماعات إرهابية، في مقابل محاربة وحدات حماية الشعب الكردي التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال المصنف لديها إرهابيا.

وتابع أردوغان “توقعاتنا الأساسية هي أن تفهم الإدارة السورية الفوائد التي سيوفرها لها التطبيع الصادق والواقعي مع تركيا، وتتخذ الخطوات وفقا لذلك”، آملا في التوصل إلى خطوة بنّاءة بشأن هذه القضية في الفترة المقبلة وبناء التطبيع بين تركيا وسوريا.

هل سيكون استئناف مسار التطبيع مع دمشق الخيار المقابل الأفضل بالنسبة للسلطة السياسية التركية

واعتبر أن هناك عدم استقرار في المنطقة التي تراكمت فيها التنظيمات الإرهابية وأصحاب “النيات القذرة”، موضحا أن الطريقة الوحيدة لتفريقهم هي “تجفيف المستنقع”.

وقال الرئيس التركي “تحدثنا مع بوتين حول كل هذه القضايا ووجهات نظرنا وتوقعاتنا، طالبنا السيد بوتين باتخاذ خطوات لضمان استجابة بشار الأسد لندائنا، هل سيوجه بوتين أي نداء للأسد لاتخاذ خطوة؟ نترك ذلك للوقت”، مشيرا إلى أن “الكل يعرف نفوذ روسيا على الإدارة السورية”.

وتقود روسيا منذ سنوات جهودا لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وقد نجحت في قطع بعض الخطوات، لكن تلك الجهود انتكست بفعل المراوغات التركية، حيث إن أنقرة تريد تطبيعا على قاعدة “رابح – خاسر”، وليس على قاعدة “رابح – رابح” كما يريد الأسد.

ويسود اعتقاد بأن أنقرة ستكون مجبرة هذه المرة على الإصغاء لدمشق، ومطالبها، حيث تدرك أن بقاء الجمود الراهن في سوريا لا يخدم مصالحها.

وكان الأسد واضحا بأنه لا يمكن استعادة العلاقات مع تركيا، بدون انسحاب قواتها من شمال البلاد، ووقف دعمها للتنظيمات الجهادية، وإن كان الرئيس السوري أوضح أن مسألة الانسحاب ليست شرطا للجلوس على طوالة واحدة للتفاهم.

والشهر الماضي، هاجمت بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري، تركيا قائلة “يريدون أن يحافظوا على ما يقومون به على الأرض وأن يحتلوا أرضنا ويعيثوا فيها فسادا وأن يضربوا الأكراد وأن نكون نحن معهم أصدقاء، وهذا لا يستقيم”.

7