هجوم الأحواز: مصدر جديد للشرعية

بدا الحرس الثوري الإيراني شديد الغضب بسبب اهتزاز صورته بعد الهجوم المسلح الذي استهدف عرضا عسكريا في مدينة الأحواز جنوب غرب إيران. وهو ما دفعه إلى اطلاق موجة من التهديدات طالت، كالعادة، بعض دول المنطقة والولايات المتحدة الأميركية، وذلك في محاولة لاستعادة هيبته المخدوشة أمام الإيرانيين.
وفي نفس الوقت، لم تكن التصريحات الإيرانية مدفوعة بالغضب والصدمة فقط، بل مدروسة إلى حد كبير وتحاول تحشيد الإيرانيين المنقسمين حول نظامهم السياسي في ظل أزمات داخلية خانقة ومتصاعدة يعيشها ذلك النظام.
عادت الضغوط الدولية، وخصوصا تلك المرتبطة بالعقوبات الاقتصادية التي أعادت فرضها الولايات المتحدة الأميركية قبل أشهر، والتي من المتوقع أن تتصاعد في الشهر المقبل لتزيد من تسارع انكماش الاقتصاد الإيراني. لا تكمن مشكلة طهران في العزلة الاقتصادية الدولية بحد ذاتها، ولكن في انعكاساتها المدمرة على الداخل الإيراني، وخصوصا في ظل تواصل التحركات الشعبية المناهضة للنظام. وعلى الرغم من انخفاض وتيرة التظاهرات وحجمها خلال الأشهر الماضية، لا تزال السلطات الإيرانية قلقة للغاية من أية تطورات مفاجئة، وهو ما يدفعها دوما إلى تطوير استراتيجيات مختلفة تحد من خطر نمو تلك التظاهرات وتعزز من سيطرة النظام.
لقد سهل تركز الاحتجاجات الشعبية في مناطق الفقر والتهميش الاقتصادي من احتواء موجتها الأولى، وذلك بالاعتماد الكلي على القمع من جانب النظام وخصوصا في ظل عدم مشاركة الفئات الوسطى، التي شكلت العمود الفقري لاحتجاجات العام 2009 أو ما يعرف بالثورة الخضراء. بدا النظام الإيراني واثقا من إخماد نيران انتفاضة شعبية كانت تتوسع بسرعة وكان متيقنا من انتصاره على المدى القصير، ولكنه بقي متشككا حول المدى البعيد. وذلك بسبب إدراكه أن جذور تلك الاحتجاجات ضاربة في عمق الاقتصاد والدولة، وأن معالجتها لا يمكن أن تتم في وقت قصير حتى لو توفرت الإرادة من أجل ذلك.
لا يختلف الاقتصاد الإيراني عن اقتصاديات الدول النامية التي تعاني من ضعف القاعدة الإنتاجية وتضخم قطاع الخدمات وهو ما يتسبب بمشكلة بطالة بنيوية وارتفاع معدلات الفقر بين جميع شرائح المجتمع. كما تعاني مؤسسات الدولة من انتشار شبكات الفساد المرتبطة بأجهزة النظام السياسية والأمنية والعسكرية، وتشكِّلُ جزءا من آلية الحكم والسيطرة على النخبة في إيران. من دون إصلاح هذين الخللين البنيويين لا يمكن للنظام أن يأمن جانب الطبقات الشعبية المفقرة التي تزداد فقرا وغضباً.
وبسبب عدم قدرته على القيام بمثل هذا الإصلاح، لجأ النظام مؤخراً إلى التحشيد الشعبي من خلال تأجيج المشاعر القومية. ويبدو أن الهجوم الإرهابي الأخير جاء ليدعم جهود النظام الإيراني في هذا الصدد. فجر ذلك الهجوم المشاعر القومية لدى الإيرانيين، ودفع قسما كبيرا منهم إلى تنحية الخلاف مع النظام الإيراني لصالح مواجهة عدو خارجي يهاجم كل “الأمة الإيرانية” ويستهدف تدميرها.
لقد استخدم النظام الإيراني شماعة العدوان الخارجي على إيران منذ وصوله إلى السلطة كأحد مصادر الشرعية الداخلية، بالإضافة إلى الشرعية الدينية. ولكنه يعي اليوم أن شرعيته الدينية باتت هشة إذ استنفدتها سياساته الداخلية التي قادت إلى الخراب الاقتصادي والعزلة الدولية، وبات بحاجة إلى مصدر جديد للشرعية تمثل بالتركيز على القومية الفارسية وإحيائها من جديد، وإعادة صياغة الصراعات الإقليمية والدولية على قاعدة خطاب قومي تحشيدي. بهذا المعنى، ركزت السلطات الإيرانية بعد الهجوم العسكري الأخير في مدينة الأحواز على أن المهاجمين تلقوا الدعم من “دول عربية رجعية”، وقد تقصدت استخدام كلمة “عربية” لتأجيج المشاعر القومية في الداخل الإيراني.
كما استفاد النظام الإيراني من تبني تنظيم الدولة الإسلامية للهجوم على عدة مستويات. أولاً، يظهر النظام الإيراني بعد الهجوم وكأنه في صراع مع تنظيم داعش والقاعدة، كما هو حال الدول الغربية، وبالتالي يضع نفسه في المعسكر الدولي لمحاربة الإرهاب.
ثانياً، استفادت إيران من الهجوم على الصعيد الداخلي. إذ سهل الهجوم عمليات الدعاية التي تقوم بها طهران منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضدها، والتي تربط بين تحدي النظام والفوضى. لقد بدا واضحاً للإيرانيين أن الهجوم الإرهابي استهدف حشدا متنوعا، وكانت من بين القتلى والجرحى نساء وأطفال وعدد كبير من الجنود الذين التحقوا بالجيش بصورة إلزامية.
يصب كل ذلك في صالح الدعاية الحكومية التي تطلب من الإيرانيين عدم الربط بين نقمتهم على الأوضاع الاقتصادية والسياسية وعدم وجود أي أفق حقيقي لإصلاحها من جهة، وبين محاولات إسقاط النظام التي ستقود إلى الفوضى ودمار الدولة وإلى موجة من القتل العشوائي التي تستهدف كل فرد بسبب كونه إيرانيا، أولا وأخيرا، وبصرف النظر عن جنسه أو موقفه السياسي.
باختصار، جاء الهجوم العسكري الأخير ليوفر للنظام الإيراني مصدرا جديدا للشرعية وليشكل حبل نجاة من الاستياء الشعبي العارم والمتفاقم. لقد نجح الهجوم لا فقط في توجيه ضربة عسكرية مؤلمة للنظام، كما تدعي دعاية تنظيم داعش، وإنما أيضا في تقييد أيدي شرائح واسعة من الإيرانيين وحشدها خلف نظام ترغب في زواله.