هجوم أورلاندو: إرهاب أممي جديد

السبت 2016/06/18

أعاد الهجوم المسلح على ملهى ليلي بمدينة أورلاندو الأميركية الأسبوع الماضي، والذي أودى بحياة نحو 50 شخصاً، النقاش حول قوانين حيازة الأسلحة النارية التي تنتشر بكثافة في الولايات المتحدة الأميركية، والتي حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما تقييد بيعها وتداولها دون أن ينجح في ذلك. وفي مقابل ذلك الجدل حول تقييد اقتناء الأسلحة بعد كل هجوم مسلح، يبرز معارضو التقييد من إعلاميين وباحثين وسياسيين مرتبطين بشركات السلاح، إذ يدعون الأميركيين، بشكل صريح، إلى المزيد من تكديس الأسلحة في بيوتهم، وحملها معهم أينما حلوا لكي يدافعوا عن أنفسهم.

ووفق بيانات حكومية أميركية، يملك نحو 33 في المئة من العائلات الأميركية الأسلحة. نسبة مرتفعة جدا مقارنة بأوروبا التي لا تتجاوز حيازة الأسلحة فيها بالنسبة للعائلات عشرة في المئة، ولكنها على صعيد أميركا تشير إلى تحسن وانحدار كبير في نسبة اقتناء السلاح الفردي والتي وصلت في الفترة بين 1975 – 1985 إلى 50 في المئة.

وقد أظهرت العديد من الدراسات أن الولايات التي لديها معدلات ملكية سلاح فردي أعلى يرتفع فيها عدد الوفيات بحوادث إطلاق نار، بدلا من أن يكون سكانها قادرين على حماية أنفسهم. العلاقة بين اقتناء السلاح الفردي على نطاق واسع ومعدلات الموت بالسلاح واضحة جداً في أميركا. ورغم أن هجوم أورلاندو يعتبر أسوأ حوادث إطلاق النار، فإنه من المستبعد أن يقود إلى إصلاح قوانين حيازة الأسلحة.

قبل أربعة أعوام قتل 26 شخصا بينهم 20 طفلا في إطلاق نار في مدرسة ساندي هوك الابتدائية في ولاية كونيتيكت الأميركية. ورغم بشاعة ذلك العمل الإجرامي إلا أنه لم يتح للرئيس الأميركي الدفع باتجاه تشريعات جديدة تمنع تكرار تلك الحوادث. في حادثة أورلاندو، ارتفع عدد القتلى إلى 50، ورغم كونه الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة فقد جاء مترافقا مع أمر آخر هو الإرهاب الذي يستخدم من قبل مناصري حمل السلاح للفت الأنظار عن كارثة انتشار أسلحة مدمرة على نطاق واسع بين الأميركيين.

تبقى الحقيقة الصادمة أن منفذ هجوم أورلاندو، عمر متين، استطاع أن يدخل متجراً أميركيا ويشتري سلاحا حربيا فتاكا يستخدم في المعارك، وليس للحماية الفردية، بشكل قانوني ودون أي معوقات. خرج القاتل من المتجر لينفذ المذبحة الرهيبة بهذا السلاح المرعب الذي يجعل فرص نجاة الضحية قليلة جدا.

يمكن لأي شخص في الولايات المتحدة أن يشتري ذلك السلاح، ولكن الأكثر إثارة للدهشة أن يستطيع ذلك شخص مثل عمر متين كان قد تعرض للاستجواب مرتين، الأولى في العام 2012 والثانية في العام 2014، وذلك للاشتباه في صلته بتنظيم جهادي. إن جشع شركات تصنيع وبيع الأسلحة للمزيد من الأرباح ليس له حدود.

إن معاناة الولايات المتحدة من انتشار السلاح بصورة كبيرة تجعلها عرضة في كل عام لحوادث قتل فردي وجماعي وبنسبة عالية جدا. لكن، ورغم هذه الحقيقة، تبقى المذبحة التي ارتكبها عمر متين في أورلاندو الأسبوع الماضي أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة.

ليست مسألة عابرة أن معظم العمليات الإرهابية التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية خلال العام الماضي، في باريس وبلجيكا وأميركا، تعتبر أكبر عمليات قتل جماعي في التاريخ الحديث لتلك الدول. قد يؤشر ذلك على القوة والمرونة الكبيرة لدى تنظيم داعش وانتشار عناصره وقدرتهم على إلحاق أذى رهيب بأماكن تواجدهم. إنه لأمر أسوأ ألّا تكون لعمر متين صلة بتنظيم الدولة الإسلامية، لكنه، ومع ذلك، قام بتنفيذ الهجوم الدموي باسم داعش. هذا يعني أن التنظيم الذي يضم عدد أعضاء ضخما جدا وغير مسبوق بالنسبة للتنظيمات الإرهابية، بات يضم أيضا أفرادا غير منتسبين ولا تربطهم به أي صلة تنظيمية وربما يفوق عددهم عدد مقاتلي التنظيم. وقد أكدت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ذلك بإعلانها أن عدد مقاتلي التنظيم في العراق وسوريا انخفض إلى حدود 22 ألف مقاتل، ولكنه ارتفع على مستوى العالم إلى مستوى ما بين 50 و80 ألفا.

هكذا، فإن أسوأ عملية قتل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة قد تغذت على عاملين رئيسيين.

الأول هو انتشار السلاح الحربي الفتاك بصورة استثنائية في أميركا. والثاني هو تحول تنظيم القاعدة من مجموعة جهادية تضم أعضاء محدودين للغاية ومرصودين بدقـة من قبل أجهزة الاستخبارات، إلى تنظيم هلامي من دون جسد يضم عشرات الآلاف من المتعاطفين والمتطوعين على مستوى العالم.

باجتماع هذين العاملين، ليس غريباً أن تحدث أسوأ عملية إطلاق نار في الولايات المتحدة الأميركية، كما ليس مستبعداً أن تصبح تلك الحادثة أنموذجاً للمزيد من عمليات الإرهاب الأممي الجديد.

كاتب فلسطيني سوري

9