هانز فليك الذي احتك بالكبار وغيّر قواعد اللعبة

نجح هانز فليك في تحقيق تتويج استثنائي في موسم يعتبر استثنائيا بسبب جائحة كورونا بعدما قاد بايرن ميونخ إلى لقب هو الثامن على التوالي والثلاثين طوال مسيرته. ويرجع الفضل في هذا التحدي الذي كسبه هذا المدير الفني إلى الخبرة التي راكمها طوال مسيرته كمساعد لعدد من المدربين الكبار الذين تعلم عنهم الكثير، لتدفع به نحو أفق أرحب ليعانق المجد ويتوج بأول لقب له كمدرب.
برلين – فرض هانز فليك نفسه رقما صعبا مع بايرن ميونخ الألماني بفضل الأسلوب التكتيكي وطريقة اللعب التي باتت تميز النادي البافاري، فضلا عن صعود الفريق العريق في ظرف وجيز من توليه المسؤولية منصة التتويج للمرة الثامنة على التوالي بعدما كان متأخرا في الترتيب إلى وقت قريب من الموسم.
ونجح فليك بذلك في قلب المعادلة لصالحه وتغيير قواعد اللعبة بعدما كان اختياره في البداية مشروطا بحتمية النتائج التي سيحققها الفريق مع نهاية هذا الموسم الذي عصف به تفشي وباء كورونا المستجد وفرض عليه وقف النشاط لما يزيد عن ثلاثة أشهر.
وعندما قررت إدارة بايرن تعيين فليك كمدرب مؤقت لخلافة نيكو كوفاتش في نوفمبر الماضي لم يكن أحد تقريبا يتوقع أنَّه سيحقق موسما قياسيا ويُنافس على تحقيق ثلاثية من الألقاب.
ورغم ذلك نجح لاعب وسط بايرن السابق (55 عاما) في ترك بصمة واضحة بموسمه الأول، وحصد الفريق لقب الدوري الألماني للمرة الثامنة على التوالي بعدما فاز بايرن على فيردر بريمن 1-0 الثلاثاء الماضي.
وأصبح فليك ثالث مدرب لبايرن ميونخ يُتوَّج باللقب بعد أن حصده كلاعب أيضا ليلتحق بقائمة تضم فرانز بيكنباور وكوفاتش.
وفي ظل استمرار المنافسة على كأس ألمانيا ودوري أبطال أوروبا فإنَّه يستطيع حصد المزيد من الألقاب هذا العام.
وقال كارل هاينز رومنيغه الرئيس التنفيذي لبايرن “منذ أن تولى هانز فليك قيادة الفريق، أصبحنا نلعب بطريقة جذابة وناجحة. يمكن أن ندين له بالفضل الكبير في ذلك”.
وأضاف “كنا نريد أن نمنح جماهيرنا الألقاب، لكن مع تقديم كرة هجومية، ولقد نجحنا في ذلك”.
ويجمع محللون رياضيون على التغيير التكتيكي والأسلوب الذي بات يميز بطل الدوري الألماني منذ تولي فليك المقاليد الفنية للفريق، خلافا للروح التي بثها في العديد من النجوم المخضرمين الذين أعادهم للعب بمراكزهم الأساسية وقدموا الإضافة على غرار العملاق توماس مولر.
بعيدا عن التدريب
قبل تعيين فليك كان يشتهر بالتخطيط والتحليل الدقيق للبيانات، لكنه لم يملك خبرة العمل كمدرب في الدوري الألماني وحتى تعيينه كمساعد للمدرب كوفاتش في بداية الموسم كان مفاجأة.
وسبق له العمل كمساعد للمدرب يواخيم لوف خلال مسيرة التتويج بكأس العالم 2014 قبل أن يشغل منصب المدير الرياضي للاتحاد الألماني.
ولم يكن التدريب ضمن الخيارات المطروحة قبل تعيينه في بايرن.
وعند إقالة كوفاتش خلال ابتعاد بايرن عن القمة ووجود فوضى في الفريق، كان من المفترض أن يتولى فليك المسؤولية بشكل مؤقت لمدة مباراتين قبل التعاقد مع مدرب من أصحاب الأسماء الكبيرة.
قبل تعيينه مدربا لبايرن اشتهر فليك بالتخطيط والتحليل الدقيق للبيانات، لكنه لم يملك خبرة العمل كمدرب في الدوري الألماني
لكن بعد الفوز بمباراته الأولى في دوري أبطال أوروبا نجح فليك في التفوق (4-0) على بوروسيا دورتموند في الدوري، وبعد أسبوع واحد من انتصار ساحق (5-1) على آينتراخت فرانكفورت، بعد رحيل كوفاتش.
وأبدت إدارة بايرن إعجابها بعمل الفني الألماني وأسلوبه الهجومي، وقررت استمراره لفترة أخرى، وفاز بايرن 5 مرات في 7 مباريات بالدوري قبل الوصول إلى العطلة الشتوية.
ونجح فليك في إعادة مولر إلى موقعه المفضل خلف المهاجم وتألق اللاعب المخضرم في تمرير 20 كرة حاسمة أغلبها للمهاجم روبرت ليفاندوفسكي الذي سجل هدف الفوز باللقب أمام بريمن.
وسجل مولر 7 أهداف حتى الآن واستعاد موقعه الأساسي الذي فقده تحت قيادة المدرب كوفاتش.
وقرر فليك أيضا استبعاد جيروم بواتينغ، الفائز بكأس العالم من خط الدفاع الأساسي، ليصبح أكثر صلابة رغم واقع إصابة غياب الثنائي لوكا هرنانديز ونيكلاس شوله بسبب الإصابة.
ونجح بايرن في تحقيق سلسلة انتصارات، حيث فاز 13 مرة في 14 مباراة قبل أن ينتصر الثلاثاء الماضي ويؤكد عدم تأثره بالتوقف لمدة شهرين بسبب جائحة فايروس كورونا.
وتوج بايرن بلقب الدوري كما وصل إلى نهائي كأس ألمانيا حيث سيواجه باير ليفركوزن في الرابع من يوليو وسجل رقما قياسيا بإحراز 90 هدفا بعد 30 جولة.
وقد تشهد المباراة النهائية لبطولة كأس ألمانيا بين بايرن وليفركوزن حضور بعض الجماهير حيث تقام على الملعب الأولمبي بالعاصمة برلين.
ويدرس الاتحاد الألماني لكرة القدم السماح لنحو 1000 مشجع بحضور نهائي الكأس، وفقا لقواعد وإجراءات ولاية برلين خلال أزمة وباء كورونا.
وكان بايرن خاض نهائي المسابقة بكل من الموسمين الماضيين أيضا حيث خسر أمام آينتراخت فرانكفورت في نهائي 2018 وفاز على لايبزيغ في نهائي الموسم الماضي ليحرز ثنائية الدوري والكأس، لكن الثنائية لم تكن كافية لإنقاذ كوفاتش من الإطاحة به بعد شهور قليلة من تتويج الفريق بها.
لكن بايرن يبدو هذه المرة كأحد أفضل فرق البطولة اكتمالا في الصفوف كما تغلب الفريق على تشيلسي الإنجليزي 3-0 في عقر داره بالعاصمة لندن في ذهاب دور الستة عشر للمسابقة قبل توقف فعاليات الموسم في مارس الماضي.
وكان فليك مدد تعاقده مع بايرن حتى 2023 وأثبت نجاحه في الفوز 25 مرة بأول 28 مباراة في كل المسابقات.
موسم في الذاكرة
مع قرب استئناف دوري أبطال أوروبا، فإنَّ أول موسم لفليك قد يتحول من رائع إلى مذهل مع رغبة النادي البافاري في حصد الثلاثية.
وأبدى المدير الفني الألماني سعادة بالغة بعدما نجح الفريق في حسم تتويجه بلقب البوندسليغا مشيدا بالتعاون بين جميع عناصر الفريق.
وأثنى فليك على أداء فريقه في الفترة الأخيرة، وصرح عقب المباراة قائلا “الطريقة التي لعبنا بها في الشهور الأخيرة تشعر فيها بالحماس وشخصية الفريق والسعادة باللعب والروح القتالية”.
وأضاف عن تحقيق النجاح “لا يمكنك تحقيق النجاح وحدك أبدا، وإنما يمكننا النجاح معا. إنه أمر رائع أن أكون جزءا من ذلك”.
ويربط محللون بين أسلوب فليك الجديد في اللعب والوضعية التي كان عليها الفريق في فترة كوفاتش ويقرون بأن شيئا ما وقع ضخه في النادي ليعود إلى السكة الصحيحة ويقدم اللاعبون كل ما لديهم في أي مباراة يخوضونها.
وقال المدرب الذي لا تغيب عن وجهه الابتسامة “نحن فريق جيد. اللاعبون يتمتعون بقدرات هائلة والجهاز الفني للفريق يثق بهم”.
ولا يزال بايرن داخل إطار المنافسة بدوري أبطال أوروبا، ويحظى بفرصة قوية في التأهل إلى دور الثمانية عند استئناف منافسات المسابقة، وهو ما يعني أن الفرصة متاحة أمام العملاق الألماني لتكرار ثلاثية الدوري والكأس ودوري الأبطال، التي حققها في عام 2013.
ومنذ فوزه بلقب البطولة في 2013، لم يترك بايرن بصمة حقيقية في دوري الأبطال الأوروبي كما خسر في دور الستة عشر للبطولة الموسم الماضي أمام فريق ليفربول الإنجليزي الذي توج في النهاية باللقب.
وقال فليك “هذا هو بايرن دائما ما تكون أهدافه كبيرة. قطعنا الخطوة الأولى، ولا تزال أمامنا بطولة الكأس، وهي الهدف المقبل. أما دوري الأبطال، فلا يمكن التخطيط لها”.
فليك أصبح ثالث مدرب لبايرن ميونخ يتوج باللقب بعد أن حصده كلاعب أيضا ليلتحق بقائمة تضم فرانز بيكنباور وكوفاتش
وتستأنف فعاليات دوري الأبطال في أغسطس المقبل، وينتظر ألا يجد بايرن صعوبة في التأهل لدور الثمانية على حساب تشيلسي.
وتبدو فرص بايرن في المنافسة على اللقب جيدة بعد خروج ليفربول مبكرا من حملة الدفاع عن اللقب وتأخر ريال مدريد الإسباني ويوفنتوس الإيطالي في النتيجة بعد مباريات جولة الذهاب في دور الستة عشر فيما يبدو برشلونة الإسباني أقل سطوعا مما كان عليه قبل سنوات.
وتأهل أتالانتا الإيطالي ولايبزغ الألماني فعليا إلى دور الثمانية كما تأهل باريس سان جرمان الفرنسي وأتلتيكو مدريد الإسباني وقد يشكلان مع مانشستر سيتي منافسين بارزين لبايرن، ولكنّ أيا من الفرق الثلاثة لم يسبق له الفوز باللقب فيما يتطلع بايرن لإحراز لقبه السادس في دوري الأبطال.
وفي المقابل فإن الجانب السلبي الوحيد لبايرن هو أن مباراته الأخيرة قد تكون نهائي الكأس في الرابع من يوليو المقبل قبل أكثر من شهر كامل على أي مباراة للفريق في دوري أبطال أوروبا في شهر أغسطس، في حين أن الفرق المنافسة في إنجلترا وإيطاليا وإسبانيا من المقرر أن تلعب مباريات محلية حتى يوليو المقبل.
على خطى هاينكس
حقق بايرن ميونخ فوزا صعبا وقاتلا على حساب ضيفه آينتراخت فرانكفورت بنتيجة (2-1) على ملعب “أليانز آرينا” ضمن مباريات الجولة الـ31 للبوندسليغا.
وبحسب شبكة “أوبتا” للإحصائيات فإن هذا الانتصار هو العاشر على التوالي لبايرن في الدوري الألماني، وهو الحدث الذي يتكرر لأول مرة منذ موسم 2017-2018، تحت قيادة يوب هاينكس.
ورفع بايرن رصيده من الأهداف إلى 92 هدفا في 31 مباراة بالدوري هذا الموسم.
وأوضحت “أوبتا” أن هذا الرقم لم يصل إليه أي فريق آخر في تاريخ الدوري الألماني حتى هذه المرحلة من الموسم.
وبحسب شبكة “سكاي سبورت ألمانيا”، فإن فليك بات أنجح مدرب في آخر 10 سنوات مع الفريق البافاري بناء على عدد الانتصارات ومعدل النقاط والأهداف التي حققها على مدار 6 أشهر.
وأشارت إلى نجاح بايرن في تحقيق 23 فوزا خلال 26 مباراة في عهد فليك وهو رقم قياسي يتفوق به الأخير على سابقيه.
وكان الإسباني بيب غوارديولا المدرب الأنجح في العقد الأخير قبل وصول فليك، بعدما نجح في قيادة بايرن للفوز في 21 مباراة بأول 25 مباراة له مع الفريق.
ولا يتفوق فليك من ناحية الانتصارات فحسب، بل يعد المدرب الأكثر حصدا للنقاط بمعدل 2.6 نقطة كل مباراة، بالإضافة إلى تحقيق أفضل سجل تهديفي بمعدل 3.3 هدف / مباراة.
ويتقدم فليك في القائمة على المدرب الأسطوري يوب هاينكس، الذي حل في المرتبة الثانية في حقبته الأخيرة بموسم 2017-2018، بمعدل 2.26 نقطة في المباراة الواحدة، إلى جانب تسجيل معدل تهديفي بلغ 2.8/ مباراة.
ويأتي غوارديولا ثالثا في القائمة من ناحية معدل النقاط (2.52) نقطة / مباراة، وكذلك معدل الأهداف (2.5) هدف /مباراة.
ورغم إنهاء هاينكس ولايته الثانية بالتتويج بالثلاثية بنهاية موسم 2012-2013، إلا أن هذه الحقبة وضعته في المرتبة الرابعة، متأخرا عما حققه في ولايته الأخيرة. وسجل بايرن معدل نقاط أقل في الولاية الثانية للمدرب الألماني بين عامي 2011 و2013، بلغ 2.41 نقطة / مباراة، أي أقل من معدل الفريق الحالي. ويتأخر فليك عن الثنائي في الجانب الدفاعي فقط، إذ استقبل 0.7 هدف / مباراة، مقابل 0.6 / مباراة لهاينكس (2011 إلى 2013)، وغوارديولا (2013 إلى 2016).
وبعدما تصدر فليك قائمة الأفضل بين مدربي بايرن في العقد الأخير من ناحية الأرقام والإحصائيات، تتبقى لديه مهمة أصعب لتكليل جهوده وسجله المميز مع الفريق بتحقيق الألقاب المستهدفة مع نهاية الموسم الحالي.