هالو أميركا

في الدوري الأميركي، ربما، ليس هناك مستحيل، فهو صورة مجسدة تتماهى مع المجتمع الأميركي الذي يتميز بوفرة الفرص وتقديم وعود مغرية مجزية لكل مجتهد.
الأحد 2018/10/28
"السلطان" السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.. لاعب من الصف الأول

إذا كنت على مشارف “الشيخوخة” الرياضية وأردت أن تبحث عن ملاذ آمن يقيك من “لسعات” شتاء الاعتزال البارد، ربما عليك أن تفكر ألف مرّة قبل أن تتخذ الخطوة الصحيحة، لكن الشرط الأساسي هو تكون لاعبا فذا ومتفردا وموهوبا في عالم كرة القدم العالمية.

بعض اللاعبين يقررون فور وصول لحظة النهاية التوجه إلى عالم التدريب والبعض الآخر يختار السير في دهاليز الإدارة، وفئة أخرى من هؤلاء تختار ميدان التحليل، هكذا يفكر معظم نجوم الكرة في العالم، بيد أن هناك فئة قليلة وبقية باقية تختار حلا أصعب لكنه أكثر إغراء. فبحكم طبيعة بعض اللاعبين التواقة لتنفس الهواء المتناثر فوق عشب الملاعب الخضراء ورغبتهم الجامحة في كسر التقاليد السائدة وكذلك حرصهم على مغالبة الواقع وقسوة التقدم في العمر، فإنهم يلجأون إلى مواصلة اللعب سنوات إضافية حتى وإن كان الملعب الجديد يبدو للوهلة الأولى بعيدا عن أضواء العالمية وألوان الشهرة.

الكثير من ضمن هؤلاء يختار الاحتراف في بعض الدول الآسيوية، وبخاصة الصين، تلك البلاد التي تضخ أموالا طائلة من أجل جلب نجوم “آخر العمر”، والكثير أيضا ينكص قليلا إلى الوراء ويتنازل عن الكبرياء والصف الأمامي في الدوريات الأوروبية الكبرى لتكون العودة إلى أندية بلدانهم الأصلية، مثلما يحصل عادة مع لاعبي أميركا اللاتينية أو أفريقيا.

لكن ثمة في حلبة “أرذل العمر الكروي” من يبحث عن كسارة الحصى، ويلهث خلف ما يعرف “بإكسير الحياة”، في هذه الحلبة المليئة بالجلبة هناك من ينجح في اتخاذ مسار مميز مزدان بالتألق المتجدد ومفروش بورود تفوح منها روائح الشباب الغابر.

ببساطة هناك لاعبون بلغوا رحلة الرمق الأخير فتحولت إلى رحلة فاتنة كأنها بدأت للتو، أو لنقل كأن صاحبها لم يخض في السابق مسيرة امتدت لسنوات طويلة.

إذا أردت أن تعرف العنوان عليك أن تحول ناظريك إلى بلاد “العم سام” التي بدت الآن باقتحامها لعالم كرة القدم شابة فتية، تحوّل اللاعبين “الكبار” إلى صبية يضجون بالحياة والحركية.

اليوم بدا دوري المحترفين الأميركي مبعثا للتألق والانطلاق من جديد، ربما هناك قلة نادرة من الجماهير في العالم تتابع منافسات هذا الدوري القوي، لكن ثمة، هناك في أميركا، بعض النجوم الذين صنعوا في السنوات الماضية تاريخا حافلا مع أقوى الأندية الأوروبية.

لقد استقطبهم هذا الدوري الحماسي وأعاد لهم نكهة اللعب، والأكثر من ذلك ساهمت قوة هذه المنافسات في إخراج مكامن قوتهم وموهبتهم حتى وإن بلغوا من العمر عتيّا.

في الدوري الأميركي، ربما، ليس هناك مستحيل، فهو صورة مجسدة تتماهى مع المجتمع الأميركي الذي يتميز بوفرة الفرص وتقديم وعود مغرية مجزية لكل مجتهد، فهناك تتجسد مقولة الحلم الأميركي الذي يبدو تحقيقه سهل المنال شريطة حسن اغتنام الفرص وتطويعها بالشكل المطلوب.

بالأمس القريب لمع نجم أكثر من لاعب رغم الاقتراب من سن “اليأس” الكروي. لقد نجح الإيطالي أندريا بيرلو في ترك بصمته ومثله فعل البرازيلي كاكا، وبالمثل أيضا قدم الإسباني دافيد فيا الكثير. فبعد سنوات “العز” والنجومية في “الليغا” ساد الاعتقاد بأن هذا اللاعب انتهى وسيعتزل قريبا، لكن إلى اليوم وبعد أكثر من ثلاث سنوات مازال يرتع مثل “الغزال الشارد”، بعد أن وفر له دوري المحترفين الأميركي فرصة استعادة الشباب.

أما اليوم فقد سار نجمان عالميان من الصف الأول على الطريق نفسه. من منا لا يعرف “السلطان” السويدي زلاتان إبراهيموفيتش؟ من منا لا يعرف أيضا “الفتى الذهبي” الإنكليزي واين روني؟ هذا الثنائي قالا “هالو أميركا” وتوجها نحو “الأراضي الجديدة” لتحقيق الحلم.

في مسيرة هذا الثنائي شكلت نهاية حقبة بداية أخرى، بدت الأمور في بدايتها وإلى اليوم كأنها استعارة لتاريخ نشأة هذا البلد الذي وصفه البعض بأنه امتداد لأوروبا في القارة الأميركية، لقد صنعت الولايات المتحدة الأميركية جانبا كبيرا من قوتها بأنامل أوروبية، واليوم يبدو وكأن المشهد الكروي هناك بصدد التشكل بأقدام أوروبية أيضا.

أميركا موطن الفرص التي لا تفوّت، وفّرت الفرصة أمام زلاتان وروني، فالأول اعتبره البعض بعد انتهاء تجربته مع مانشستر يونايتد في حكم من يحسب أيامه الأخيرة قبل الوداع الأخير للملاعب التي ألفها لسنوات طويلة، وتألق فيها مع أبرز الفرق الأوروبية مثل أياكس الهولندي واليوفي والإنتر والميلان في إيطاليا وبرشلونة الإسباني وباريس سان جرمان الفرنسي.

لكن الفرصة توفرت مجددا وتحققت الانطلاقة من جديد وتواصل التألق بفضل أهداف رائعة ومردود غزير في منافسات الدوري حاليا، فهل يرفض زلاتان التحية ولا يقول “هالو أميركا”؟

ما ينطبق على “السلطان” يصح أيضا على روني، فالأول تألق بشكل لافت مع نادي لوس أنجلس غالاكسي وسجل 22 هدفا بعد 33 مباراة، أما الثاني فقد سجل 12 هدفا مع ناديه دي سي يونايتد.

بيد أن الأمر الأكثر إثارة في تجربة روني الجديدة أنها أعادت له لذة اللعب وأعادته إلى دائرة التألق، روني كاد يعتزل في أعقاب الموسم الماضي، فعودته إلى ناديه الأم إيفرتون بعد تجربة أسطورية مع مانشستر يونايتد كانت مخيبة، ليغادر بسرعة، فوجد الملاذ الآمن في أرض الفرص، وبدا كما في خطواته الأولى متألقا ومتحفزا، فهل يرفض بدوره التحية ولا يقول “هالو أميركا”؟

23