نهج المغرب لإدماج السجناء في المجتمع يبدأ بتأهيلهم في السجون

فرق من الأخصائيين تقدم خدمات الرعاية النفسية والصحية في المؤسسات السجنية.
الأحد 2024/03/03
ظروف ملائمة لتخفيف المعاناة

تعمل المؤسسات السجنية في المغرب على تأهيل النزلاء على مختلف المستويات لإعادة تأهيلهم في المجتمع، وتعد الرعاية الصحية والنفسية للسجناء محورا أساسيا حيث يبرز برنامج عمل 2024 حجم المشاريع الكبرى المقررة للنهوض بأوضاع السجناء وتأهيل المؤسسات السجنية.

نظرا لحساسية بيئة السجون وأثرها النفسي والصحي على السجناء، تعمل المؤسسات السجنية بالمغرب لإعادة إدماجهم داخل المجتمع بتوفير الظروف الملائمة لتخفيف معاناتهم داخل هذا الوسط، وحماية حقوقهم بأماكن الحرمان من قبيل توفير الظروف المواتية من معالجة شكايات السجناء واستقبال عائلاتهم ومواكبة عدة حالات في مختلف محطات الرعاية الصحية النفسية والجسدية، رغم الإكراهات التي تتحدث عنها تلك المؤسسات خصوصا على مستوى توفير الكادر الطبي المناسب.

وكشف محمد صالح التامك المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، عن تعبئة فريق من الأخصائيين النفسانيين يتكون من 11 أخصائيا لتقديم خدمات الرعاية النفسية لنزلاء المؤسسات السجنية وخصوصا تلك التي تقع في دائرة المناطق المتضررة من زلزال الثامن من سبتمبر الذي ضرب عدة أقاليم من المملكة قبل أشهر.

وأوضح التامك في معرض جوابه على سؤال برلماني، أن هذه العملية تتعلق بالسجون المحلية بالأوداية وورزازات والسجن الفلاحي بتارودانت، بالإضافة إلى السجن المركزي مول البركي، كتدبير استعجالي وقائي تم من خلال ورقة تقنية تحدد منهجية الاشتغال وزعت على المؤسسات السجنية المستفيدة وعلى المتدخلين المعنيين بالتنفيذ الميداني، وذلك اضطلاعا منها بمسؤوليتها في حماية نزلاء المؤسسات السجنية من الآثار السلبية للزلزال وفي مواجهة تداعياته على صحتهم عموما النفسية منها والعقلية على وجه الخصوص.

وأكدت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الدار البيضاء – سطات، على حق الحصول على الرعاية الصحية في الوسط السجني باعتبارها حقا من الحقوق الأساسية لهذه الفئة وفقا للدستور المغربي والمعاهدات الدولية ذات الصلة وللمعايير الدنيا لمعاملة السجناء.

وحسب بيان صحفي حصلت “العرب” على نسخة منه الثلاثاء الماضي، شددت اللجنة على تعزيز التواصل والتنسيق المؤسساتي بين الفاعلين المعنيين من أجل تدارس سبل النهوض بحق السجناء والسجينات في الصحة الجسدية والنفسية وتبادل وجهات النظر حول توصيات ومقترحات اللجنة الجهوية بغية مواجهة الإشكاليات التي تم رصدها وإيجاد حلول عملية وقابلة للتنفيذ، ومواكبة بعض الحالات في مختلف محطات الرعاية الصحية، بالإضافة إلى اللقاءات التي تم تنظيمها مع مختلف الفاعلين المعنيين والمقابلات مع بعض السجناء والسجينات.

وأكد أحمدو أدبدا، البرلماني بحزب الأصالة والمعاصرة، أن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج تؤطر مجالا مهمّا وهو مجال تأهيل السجناء وإعادة إدماجهم في المجتمع، وهو المجال الذي يعد فضاء حقوقيا بامتياز ويحظى باهتمام متزايد من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس، وكذلك الحكومة والبرلمان والمنظمات والمؤسسات المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان.

متابعة نفسية

إدارة السجون تتكفل بالمتابعين في قضايا الإرهاب وتكلف متخصصين في الطب النفسي لإعادة ادماجهم وتأهيلهم فكريا ونفسيا

ويجمع عدد من الأخصائيين النفسانيين على نجاعة المواكبة النفسية داخل المؤسسات السجنية مستندين إلى الحالات النادرة في حالات الانتحار الناتجة عن مشاكل نفسية، رغم أن رئيس المرصد المغربي للسجون عبداللطيف رفوع نبه إلى عدم كفاية المواكبة النفسية داخل المؤسسات السجنية لاسيما في حالات المدانين بعقوبات قاسية كالمؤبد والإعدام، مع نقص في عدد الأطباء النفسانيين بالمؤسسات السجنية مقارنة مع عدد السجناء الذي يقارب 100 ألف سجين بالمغرب.

وتتكفل إدارة السجون بالمتابعين في قضايا الإرهاب داخل السجون المغربية حيث تخصص ما يقارب 60 متخصصا في الطب النفسي، لإعادة إدماج هؤلاء وتأهيلهم فكريا ونفسيا وصحيا للاندماج داخل المجتمع.

وتعد الرعاية الصحية والنفسية للسجناء محورا أساسيا في تنزيل ورش تعميم التغطية الصحية، حيث يبرز برنامج عمل المندوبية لعام 2024 حجم المشاريع الكبرى المقررة للنهوض بأوضاع السجناء وتأهيل المؤسسات السجنية، للتعامل مع المشاكل الصحية والنفسية التي قد تواجه نزلاء المؤسسات السجنية.

وأولى دستور المملكة أهمية خاصة لحقوق السجناء من خلال تنصيصه في الفصل 23 منه على تمتع كل شخص معتقل بحقوقه الأساسية وبظروف اعتقال إنسانية، فضلا عن إمكانية استفادته من برامج للتكوين وإعادة الإدماج.

وقال البرلماني أحمدو أدبدا إنه تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، فقد ركز البرنامج الحكومي على إرساء الدولة الاجتماعية ولاسيما من خلال تأهيل النظام الصحي في المملكة وتنظيم ورش التغطية الصحية، معتبرا أن تعزيز الرعاية الصحية والنفسية لنزلاء المؤسسات السجنية، يعد محورا أساسيا في ورش تعميم التغطية الصحية.

كما نوّه البرلماني بإدراج السجناء في نظام التأمين الإجباري عن المرض، ودعم الوحدات الطبية بالمؤسسات السجنية بوحدات جديدة وبإحداث قاعات للفحص الطبي ووحدات لتصفية الدم وكذلك تأهيل المصحات القديمة في عدد من المؤسسات السجنية، وتعزيز تجهيزاتها.

وفي هذا الصدد أكد المندوب العام لإدارة السجون، أنه تمت حماية نزلاء المؤسسات السجنية من المعاناة النفسية المرتبطة بعدد من المصاعب الشخصية وأيضا الناتجة عن الزلزال والهزات الارتدادية التي تلته، مشيرا إلى اعتماد تدبير استباقي للآثار النفسية والعقلية المحتملة وتعميم استفادة جميع السجناء من الرعاية النفسية الاستعجالية، خاصة في المؤسسات السجنية التي تقع في دائرة المناطق المتضررة، لافتا إلى ضمان إيصال الخدمات النفسية الاستعجالية إلى المؤسسات السجنية التي لا تتوفر على أخصائي نفسي تحديدا السجون المحلية بالأودية، (ورزازات وتارودانت) وتعزيز تلك التي تتوفر على هذه الخدمة (السجن المركزي مول البركي).

وارتباطا بالعناية التي توليها إدارة السجون لكل الفئات، تحدث التامك عن رصد وتقليص الآثار السلبية للزلزال على الصحة النفسية والعقلية للسجناء الذين عايشوا هذا الحدث الصادم وتوجيه الانتباه والعناية الخاصة بالفئات الهشة (المرضى نفسيا أو عقليا، الأحداث، النساء) خصوصا الحوامل والمرضعات، إضافة إلى رصد الحالات التي تعاني من اضطرابات نفسية وإشكالات سلوكية مترتبة عن الزلزال وتحديد حدة الاضطراب وخطورة الحالة واحتياجاتها النفسية.

وكشفت المندوبية عن تقديم الرعاية النفسية المتخصصة للحالات التي تعاني من اضطرابات نفسية ومشاكل سلوكية مرتبطة بالزلزال وتفريد التكفل النفسي بها، وإحالة الحالات المستعصية عند الضرورة إلى طبيب المؤسسة قصد التكفل العلاجي بها، مع ضمان التتبع المستمر لوضعيتها النفسية التنسيق مع مختلف المصالح بالمؤسسة وفقا لاحتياجات السجين التي رصدها الأخصائي النفسي، من أجل التخفيف من وطأة الزلزال وتداعياته.

روابط التواصل

دستور المغرب يولي أهمية خاصة لحقوق السجناء من خلال تمتيع كل شخص معتقل بحقوقه الأساسية وبظروف اعتقال إنسانية

وأكدت دراسة تشخيصية حديثة للمرصد المغربي للسجون، أن 60 في المئة من النساء المستجوبات يعانين من مشاكل صحية أو أمراض مزمنة، أهمها ضغط الدم، أمراض القلب، ومرض السكري، الربو، وبعض الأمراض النفسية منها الاكتئاب، حيث بينت الدراسة أن الإجابات التي تم جمعها من السجينات والمدراء الذين تمت مقابلتهم تختلف بشكل كبير، حيث أكدت السجينات أن 83 في المئة من الرعاية الصحية تتم حصرا من قبل طاقم طبي نسوي، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 43 في المئة حسب تصريح المدراء.

وبحسب الدراسة فإن معظم السجينات اللواتي جرت مقابلتهن أكدن أن الوصول إلى نقاط المياه ومرافق الصرف الصحي غير محدود، بحيث تتوفر كل غرفة على المرحاض ورشاشة الاستحمام، بالإضافة إلى الحمام الأسبوعي، وقد جاءت أجوبة السجينات متطابقة مع أجوبة المدراء، وبينت الدراسة أن جميع المدراء الذين تمت مقابلتهم ذكروا أنه يتم تقديم دعم خاص للنساء ضحايا العنف الزوجي أو العنف الجنسي، وقد تم تأكيد هذه المعلومة من قبل 82 في المئة من السجينات اللواتي تمت مقابلتهن، إذ يتم تقديم هذه الرعاية أولا من قبل طاقم التمريض في المؤسسة، يليه المهنيون الخارجيون وأخيراً الجمعيات، إضافة إلى تأكيدهم على أنه يتم تطبيق الأحكام والقواعد نفسها الخاصة بالوصول إلى الرعاية الصحية على جميع السجينات.

وفي الاطار ذاته أعلنت مندوبية السجون عن حزمة من الإجراءات المتخذة للنهوض بوضعية السجناء المسنين، من ضمنها تعزيز روابط التواصل بين النزلاء المسنين وأسرهم، خصوصا المنقطعين منهم عن الزيارة، إضافة إلى الاستفادة من البرامج التأهيلية كمحو الأمية والتربية غير النظامية والتعليم في مختلف مستوياته، مؤكدة أنها تعطي للنزلاء المسنين الأولوية في الإيداع بالطابق الأرضي للمؤسسات السجنية قصد تسهيل وصولهم إلى مرافق المؤسسة الإدارية والاجتماعية إضافة إلى استفادتهم من رعاية طبية خاصة نظرا لوضعهم الصحي، فضلا عن الانخراط في الحملات الطبية المتخصصة في فحص وعلاج أمراض الشيخوخة لفائدة السجناء المسنين المنظمة من طرف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.

وفي نوفمبر الماضي أعلنت مؤسسات حكومية مغربية، قرار إحداث “مركز مصالحة”، يعنى بإعادة تأهيل سجناء قضايا التطرّف والإرهاب. وذلك بموجب توقيع اتفاقية مع الرابطة المحمدية للعلماء بالرباط، والمندوبية العامة لإدارة السجون، ووزارة الاقتصاد والمالية، ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وفق ما نشر الأخير عبر منصة إكس.

إستراتيجية جديدة

برنامج تأهيل
برنامج تأهيل

ويهدف المركز إلى ضمان استمرارية ومأسسة برنامج مصالحة وترشيد التجارب والممارسات الفضلى المحصّل عليها.

وفي يوليو الماضي، أعلن رئيس المندوبية العامة لإدارة السجون، محمد صالح التامك، استفادة 20 سجينًا مدانين في قضايا إرهاب، من برنامج تأهيل وإعادة الإدماج في المجتمع “مصالحة”، ليرتفع إجمالي المستفيدين منه منذ إطلاقه عام 2017 إلى 279 سجينا.

وأوضح التامك حينذاك أن “20 سجينا استفادوا من البرنامج خلال العام الجاري، إضافة إلى 10 سجينات استفدن منه (سابقا)، ما يجعل السجون خالية من السجينات في قضايا التطرف والإرهاب”. وأضاف أن الاستفادة من البرنامج “تقتضي من السجناء المعنيين تصحيح مفاهيمهم وأفكارهم بشأن خطاب التطرّف ونظرتهم إلى الذات والمجتمع والآخر، في إجماليّ حوارات تستغرق 180 ساعة”.

وعام 2016، أقرّ المغرب إستراتيجية جديدة بشأن المعتقلين وموظفي السجون، تهدف إلى ضمان أمن وسلامة السجناء، وتحسين ظروف الاعتقال وإعداد المعتقلين للاندماج الاجتماعي والاقتصادي.

وفي 2017، أطلقت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بالشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، برنامج “مصالحة” يعمل على محاربة التطرف بالاعتماد على التربية الدينية والمواكبة النفسية، وتنظيم ورش عمل تعنى بالقانون ونشر ثقافة حقوق الإنسان وتقديم تأطير سياسي اقتصادي.

ومطلع سبتمبر الماضي، أعلنت وزارة الداخلية أن إستراتيجيتها لمكافحة الإرهاب نجحت في تفكيك 215 خلية منذ 2002، وإجهاض “أكثر من 500 مشروع إرهابي” استهدف المملكة.

15